الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيتها الوَحْدَة ، ما اسمك ؟

إبراهيم إستنبولي

2005 / 3 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يمكن أن يشعر المرء بالوحدة حتى و لو كان وسط حشد أو في العمل ، في العائلة بل حتى و هو بمفرده !. فكيف يمكن التخلص من الوِحدة ؟
" الشيء في ذاته " :
لا يتعلق الشعور بالوحدة لا بالمحيط و لا بعدد الأصدقاء أو الأعداء ، بل يتعلق قبل كل شيء بـ " تركيبة " الشخصية بحدِّ ذاتها . من الأسهل تقديم درجات مختلفة للوحدة من خلال الأمثلة التوضيحية لما يسمى *Introvert و Extravert من نماذج الشخصية . من حيث المبدأ يمكن القول ما يلي : Introvert – هو الشيء في ذاته ، إنه موجه إلى داخل الشخصية الخاصة ، بينما Extravert فهو يسعى دائماً للظهور أمام الناس . بالنسبة لهؤلاء ، كما يقال ، حتى الموت يبدو رائعاً على أعين الناس . إذن ، إن الوحدة وسط الحشد ممكنة فقط عند Introvert . أما Extravert فإنه ينسجم بسرعة مع كل فرد ، و هو ، و هذا الأهم ، يرضى تماماً بالتعارف السطحي جداً . Extravert بالتحديد هو الذي يتجاذب أطراف الحديث مع أناس لا يعرفهم في وسائل النقل العام ، يتعارف مع الآخرين في الشارع – لأنه لا يتطلع إلى التعاطي العميق و الطويل بالمطلق . المهم بالنسبة له هو تبدّل الانطباعات ، و طالما أن الناس موجودون حوله فهو لن يشعر بالوحدة . اكثر من ذلك ، هو لا يشعر بحاجة كبيرة لأن يدخل في حوار مباشر - يكفيه أن يكون على مرأى من هكذا عدد كبير من الناس في حين أن Introvert مهم جداً أن يكون لديه واحد – اثنان من " الأصدقاء المخلصين " ، حبذا من نفس الطباع كما هو . إن عملية التعاطي عند مثل هؤلاء " الأصدقاء " تجري بشكل غريب بعض الشيء : يجلسون مع بعضهم في غرفة واحدة .. صامتين ! هكذا هم " يتعاطون " . و هذا الشكل من العلاقة يعتبر كافياً و مُرضياً بالنسبة لهم – المهم لهم ليس الحديث بحد ذاته بل مجرد الإحساس بوجود صديق إلى جانبهم . بالضبط لذلك ، إن الشعور بالوحدة يظهر عند Introvert عندما يفقدون لسبب من الأسباب الصديق – إذ من الصعب بمكان عليهم أن يبدءوا تعارفاً جديداً و حميمياً ، و في بعض الأحيان يعجزون عن تحقيق ذلك بشكل عام . و لكن من المعروف انه لا يوجد Extravert و Introvert خالصين . نحن جميعنا " مختلطون " إلى هذه الدرجة أو تلك . لذلك إن جميع الناس لا بد خبروا في هذه الظروف أو تلك الإحساس بالوحدة و لو لمرة واحدة .
تناذر المدينة الكبيرة :
من الملفت أن الغالبية العظمى من الأشخاص الوحيدين توجد في المدن الكبرى . إذ أن الحياة في أماكن التجمعات الضخمة Megalopolis تفرِّق بين الناس أكثر مما تجمع بينهم . حسب الإحصائيات ، إن نسبة بسيطة جداً من القاطنين في المدينة الكبيرة هم من السكان الأصليين لهذه المدينة : الجيل الثالث – الرابع . بينما جميع الباقين – مهاجرون ، أي أولئك الذين هاجروا يوماً ما إلى المدينة من أماكن أخرى . إذ مهما عاشوا في المدينة المعينة ، و حتى لو أن أطفالهم أحفادهم صاروا من أبناء المدينة الأصليين - على الرغم من ذلك إن العائلات تحافظ على تقاليدها و طقوسها ، التي تشربتها مع حليب الأمهات على " أرض الأجداد " . و ينقلون تلك التقاليد إلى أبنائهم .... أي أن الأجيال اللاحقة تتربى في أجواء روحية لتلك الأماكن ، التي جاء منها الآباء و الأجداد . و لكن لكل قرية ، لكل بلدة أو مدينة هناك أعرافها المتفق عليها بخصوص السلوك ، لكل منها لهجته ، لغته من الأفعال و المواقف و الإشارات ، التي يفهمها أهاليها فقط . لذلك إن ابن المدينة يعاني صعوبة أثناء التعاطي و تنشأ لديه مشاكل عند البحث عن شريك مناسب . لهذا السبب تشغل المدن الكبرى رقماً قياسياً من حيث عدد الأشخاص الوحيدين . و يكمن خطر الوحدة في أن نارها تبقى غير ملموسة بشكل صريح من قبل صاحبها إلى أن يختلي الإنسان لنفسه ليلاً في منزل غير مأهول . بالضبط كما يحدث عندما ننسى ، مثلاً ، ألم ضرسنا أثناء انشغالنا خلال النهار . و في الليل ، عندما لا يشغلنا أي شيء ، فإننا نشعر بألم متواصل في الضرس ليحرمنا الراحة ... تماما هكذا لا يشعر الناس بالوحدة إلى أن ينتهي يوم العمل . إذ بعد أن تصبح الشوارع خالية ، و يتفرق الأصحاب و المعارف إلى بيوتهم ، و يصمت الهاتف – عندئذ سوف يشعر المرء بتعاسته و باضطراب وضعه الخاص بغض النظر عن رغبته . لهذا بالتحديد ظهرت النوادي الليلية في المدن ، حيث يمكن الاستمرار في التعاطي و الاحتكاك مع الآخرين بعد انتهاء يوم العمل ، لكي ينسى الشخص وحدته القاتلة و لو لفترة مؤقتة . هناك أيضا ظاهرة مدينيه نوعية – ما يسمى " الاتصال المسائي " . إن أبناء المدينة يشكلون " زحمة " على خطوط الهاتف في المساء . و على العموم ، إن الهاتف في المدينة الكبيرة – ليس مجرد وسيلة اتصال بقدر ما هو وسيلة تعاطي . إن واحداً من اكثر السبل الناجعة للوقاية من الاكتئاب و محاولات الانتحار عند سكان " الغابات الحجرية " - هو توفر وسيلة اتصال في كل منزل .
ما هو الحل ؟ :
تجب الإشارة إلى أن الوحدة ليست شراً مطلقاً بصورة دائمة . هناك حالات عندما يكون الناس بحاجة – نادراً لدى البعض ، أكثر عند البعض الآخر – لأن يتواجدوا على انفراد مع أنفسهم .أما الحديث عن وجود مشكلة الوحدة المرضية فإنه يكون ممكناً فقط عندما تطول هذه الحالة ضد إرادة الشخص – بكلمة أخرى ، حين تصبح الوحدة مصدراً لمعاناته . يوجد في علم النفس مصطلح " الجوع العاطفي – المعلوماتي " . إذا كان الإنسان محروماً من الكمية الضرورية له من التعاطي و الاحتكاك ، من الانطباعات الحياتية اللازمة ، فقد تنشأ لديه مشاكل عصبية ، نفسية و جسدية . كل ذلك لأنه يعاني من فاقة حقيقية للتعاطي الاجتماعي ، للمعلومات . أي أن الشعور بالوحدة ليس سوى تعبير عن هذا " الجوع " . ببساطة يمكن القول : إنه النقص في هذا النوع أو ذاك من المعلومات أو الانطباعات . بغض النظر عن ماهيتها – بصرية ، كلامية أو حتى حسّية . ما العمل ؟ قبل كل شيء يجب تحديد نوعية المعلومات ، طبيعة الانطباعات التي يفتقدها المرء ن و من ثم القيام بتعويضها أو بملأ هذا الفراغ الناتج . لذلك لن يفيد الشخص الذي يعاني من الوحدة أن ننصحه بالذهاب إلى نادٍ معين أو باكتشاف صديق أو صديقة جديدة . من الأفضل و المهم تحديد ما يلزم و من ثم نقوم بإرضاء تلك الحاجة ، التي تسبب اضطراب المزاج . يحدث أن الشخص قد لا يكون قادراً بشكل عام على تحديد ما ينقصه في حياته . إليكم أكثر الحالات شيوعاً : الشعور بالوحدة بسبب فقدان الشريك الحميمي . كما لو أن إرضاء المرأة يتوقف على تلبية رغباتها الفيزيولوجية . لكن إذا ما تعمقنا اكثر ، فإننا سنكتشف أن البحثَ عن الشريكِ ناتجٌ عن قلّة الملامسات الجسدية ، و عن الحاجة للإحساس بالطمأنينة ، و عن الخوف من أن تنام المرأة لوحدها ، و كذلك بسبب التعطش للعواطف الغرامية الملتهبة – و ليس عن غياب العلاقة الجنسية بالتحديد . على العموم ، عندما يبحث الإنسان ما لا ينقصه ، فإنه يحاول ملأ الفراغ غير اللازم في حياته – و لذلك لن يكون غريباً أن لا يحقق بحثه النتيجة المرجوة . على أثر ذلك يصبح الإحساس بالوحدة اكثر شدة . بينما الواجب – السير في طريق صحيح من أجل إيجاد سبل ملائمة لحل " مشكلة الوحدة " . فإذا كان لديك ، مثلاً ، جوع حسي – من المفيد اللجوء إلى دورة في الرقص أو الخضوع لسلسلة من جلسات التدليك الخ. أما الإحساس بالأمان فيمكن الحصول عليه عن طريق توفير علاقات عائلية أو اجتماعية داعمة ( الأفضل أن لا تكون متشعبة و متنافرة كثيراً .. إذ أن ذلك النوع من العلاقات المليئة بالاختلاف تسبب الإجهاد على المرء ) . و ربما إن اقتناء كلب من شأنه أن يخفف من وطأة الشعور بالقلق و عدم الأمان . فقد أثبتت التجربة أن وجود حيوان أليف في البيت يترك أثراً إيجابيا في التخفيف من ثقل الوحدة بل و له دور علاجي .. كما تبين أن الأشخاص الذين يمارسون هواية محببة أو يقومون بعمل اجتماعي مفيد يسبب لهم الرضا عن الذات ، هم أقل ما يكونون فريسة الإحساس بالوحدة و بالقلق . في جميع الأحوال يجب التعامل مع كل حالة بمفردها . و الأفضل بمساعدة اختصاصي . إذ من الصعب على المرء أن يحدد شكل الوحدة ، التي يعاني منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق