الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في المنطق الإسلامي السلفي، نحو ضرورة التحرر من الأصول

مهند عاهد عبد الباري

2012 / 11 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يتحدد المنطق الإسلامي السلفي بما سمي بـ"سلطة النص" حيث تُشكَّل مرجعية المسلم بـ: القرآن والسنة. فأي خطوة نخطوها للأمام تحتاج منا العودة والتأسيس وهل من أساس أصلح من رسول وقدوة الإسلام محمد(ص)! فما أن نعلن عن البدء بالتفكير حتى نعود لهذه الأصول، ليس اعتباطاً وإنما انطلاقا من منطق أصولي يعطي للنص سلطة عليا تملكه الحقيقة المطلقة الصائبة والوحيدة، فالحقيقة هي التي بثها الله في خير عباده وهي مطلقة كونها تمتلك السحر الذي يفسر الوجود برمته. فبما أن النتيجة معطاة سلفا(1) إذن فالطريق إلي معرفة الحقيقة هو الاستنباط، ويكون بالعودة للنص الذي تركه الله لعباده وهو القرآن المعجزة. أما السنة النبوية فهي ما تقرر من رسول الله من قول أو عمل أو تقرير،ولأنها فَسرت كثيرا مما أوجزه الله في القرآن كان لابد من أخذها أصلا ثانٍ بعد القرآن. لكن وبعد قراءة تاريخية لهذا النص(=القرآن والسنة النبوية) يتكشف لنا مدى مصداقيته أولا ومهمته الوظيفية في التاريخ الإسلامي ثانياً، فقد كتبت السنة والحديث بعد أكثر من مائة سنة على البعثة المحمدية، ويذكر أيضاً أن اللغة العربية كانت غير منقطة قبل وضع علم النحو"(2) أضف إلي ذلك ما يرويه لنا البلاذري في كتابه فتوح البلدان: "أن الإسلام دخل وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب...وقليل من نسائهم كنّ يكتبن" فإذا كانت قريش وهي مركز تجاري هام في تلك اللحظة لم يوجد بها إلا سبعة عشر كاتبا فما حال المناطق الغير تجارية(3)، وهنا يكون التساؤل عن مدى دقة ما نقل على أنه سنة نبوية؟!
لقد جاء تدوين السنة النبوية في العصر العباسي، في لحظة تاريخية حساسة، فرضت معها العودة إلي الأصول بغية الاستناد عليه في تماسك الدولة الإسلامية واستمرارها خصوصا مع بروز الآخر سواءً كان من داخل الدائرة الإسلامية أو من صنف نفسه إسلاميا من جانب أو من خارج الإطار الإسلامي وهم الديانات والمعتقدات الأخرى من جانب آخر. فالدولة العباسية التي مثلت ثورة على سابقتها الأموية احتاجت مبررات دينية تسند وجودها وهي التي تعرف أكثر من غيرها الارتباط السحري للوعي الديني بالشعب العربي في تلك اللحظة، أضاف إلي ذلك الصراع المحتدم مع المسلمين من غير العرب وهم السكان من الدرجة الثانية في العصر الأموي العربي وهم أصحاب الماضي الحضاري والثقافي الذي سبق البعثة المحمدية ذاتها، هذا من جانب ومن جانب آخر، صعود آخر خارجي هو "المانوية، والغانوصية"(4) والمزدكية والزرادشتية (5) وهي التي حاربت الإسلام من خارجه بالاستناد إلي غزارة تاريخية وامتداد ثقافي أيضاً فكرية أحياناً وعسكرية في أحيان أخرى، فكان واجبا ملحاً على العباسيين إعادة بناء التاريخ والتاريخ العربي الإسلامي على وجه الخصوص بما يوافق حاضرهم بإشكالياته وتحدياته، فكانت إعادة كتابة الشعر العربي والتاريخ الجاهلي - وهذا الذي أبرزه طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي-(6) مرورًا بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بدءا بحياة الرسول نفسه واستمراراً بإعادة صياغة الأحاديث ومعانيها إضافة لكتابة أحاديث جديدة ولنا من الأحاديث التي ألّهت العباسيين "فرقة الروندية" دليلاً على ذلك.
فحتى لو عدنا بالتاريخ إلي الحقبة الأموية فتجليات الصراع واضحة بين أصحاب المذاهب الفكرية أو وهو الأدق بين أصحاب المصالح داخل المجتمع الإسلامي والتي أخذت طابعاً مذهبيا تبريرياً. وهنا يكون توظيف الديني في السياسي،حيث نسجل الملاحظة التي أوردها المفكر صادق جلال العظم في كتابه"ثلاث محاورات فلسفية دفاعاً عن المادية والتاريخ" حيث قال: أن شيئاً من التدقيق في تاريخ ذلك العصر-ويقصد العصر الأموي- يبين أن الجبرية كانت تستنجد بالآيات القرآنية الملائمة والتأويلات والحجج العقلية والنقلية للدفاع عن واقع سياسي واجتماعي سائد، بينما كانت القدرية تستخدم المادة ذاتها تقريباً لتسوغ العمل على تغيير الواقع السياسي والاجتماعي ذاته(7).
هنا تبدأ الصورة بالانجلاء أكثر، فنحن أمام نص شُكِّل بما وافق مصالح أنظمة حكم مرَّت على المنطقة العربية فكرست المنطق الأصولي عبر التاريخ فكان كل من تمسَّك بالأصل خارج من عهدة المطالبة بالدليل، ولأن كل من فكر مبتدئا تفكيره بمقدمات أصولية أو"صحيحة" حسب المعيارية الإسلامية فله أجر، عزز منطق الابتداء بالصحيح الديني. وإذا ما أضفنا له ما سبق من أن الدين ليس بالصحيح وحسب وإنما هو الصحيح المطلق فتكون المشكلة بالوعي الإسلامي السلفي أن عقله وذهنيته لا تقبل ممارسة أي نشاط فكري إلا انطلاقاً من أصل معطى وهو النص. كل من طرح نفسه إسلاميا من أقصى التيارات التي تصف نفسها إصلاحية زمن الشيخ محمد عبده وقبله الطهطاوي مثلا وحتى أقصى التيارات انكفاءً على الذات زمن التكفيريين من بعد قطب والبنا وحتى أسامة بن لادن، جميعهم يقرءون الحاضر من خلال النص. وفي أكثر الأحوال انفتاحا أصبحوا يقرءوه بالرجوع إلي فلسفة التأويل الرشدية. هذا المنطق هو منذ البداية منطق أصولي يقرأ الحاضر من خلال الماضي.فكل المنتجات الثقافية للحضارة العربية الإسلامية تطورت بالمنطق الأصولي ذاته، فالبلاغة والنحو والفقه وكل العلوم التي نشأت وتطورات في ذلك العصر قد خضعت لسلطة النص، حتى الفلسفة ذاتها تحولت لعلم كلام ينطلق من الله إلي العالم. ليكون سبب فشل النهضة المعرفية العربية برمّتها في تلك اللحظة هو عدم احتمال النص لأكثر مما فعل الدؤلي وسيبويه وغيرهم، لنعبر قدماً باتجاه النكسة الثقافية مع الانقلاب أهل السنة على المعتزلة مع حكم المتوكل(8). أما إذا مررنا على تاريخ النهضة العربية الإسلامية المعاصرة بدءا من منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم فسنجده تاريخ نكوص وتراجع بتعبير عبد الإله بلقزيز(9). ولو عدنا للمنطلقات التي حددت الفكر الإسلامي السلفي سنجدها: أولا نظرة السلفية للإسلام باعتباره أفضل الديانات، وأكثر، أن الدين الإسلامي هو طريق الوحيد للحق، وبالتالي فالعودة للأصول الدينية هي بداية الطريق، كما قال الإمام مالك:”لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”. ثانيا نظرة الأصولية الإسلامية للتاريخ والثقافة الإسلامية باعتبارهما يسدان حاجة المسلمين – أي لا حاجة للمسلمين بغير تاريخهم ودينهم. ثالثا أن المدنية الأوروبية آيلة للسقوط باعتبارها مدنية مادية والحادية(10)، وهنا التعبير الواضح عن رفض الآخر على الإطلاق. محددات “الأنا” السلفي هي جوهر الأزمة التاريخية، وهي ما يجب أن نتحرر منه، أما طريقة التحرر فتكون بإزالة هالة القداسة عن التاريخ الإسلامي “الأصول” باعتباره نهضة خاضعة للنقد العلمي والمنهجي حيث يتم تثبيت ما كان صوابا، وما كان خطأً. وهنا يجب أن نقف أمام التاريخ، بصحبة “غربال”، التاريخ لا كما كنا نريد أن يكون وإنما كما كان فعلا. هنا وعند وضع تاريخنا في سياقه الإنساني سنبدأ رحلتنا مع العالم الحديث. أما إذا سلكنا المنطق الأصولي طريقا فسنقع وبالضرورة بشرك مستقبلنا المرسوم بريشة الماضي بكل شوائبه وأهواله، وسنبرر حينها كل الجرائم التي ارتكبت في التاريخ وفوق ذلك سنجد من سيدعو لاستمرارية هذه الأخطاء بل الجرائم التاريخية بتحليلها في الواقع المعاش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الجابري، محمد عابد، نحن والتراث،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،2006 ص273.
2) الجابري، محمد عابد، بنية العقل العربي - نقد العقل العربي2، ط8، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007 ص123
3) أمين، أحمد، فجر الإسلام، القاهرة، مكتبة الأسرة، 1996، ص223.
4) الجابري، محمد عابد، تكوين العقل العربي- نقد العقل العربي1، ط9، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربي، 2006 ص231.
5) أمين، أحمد ، ضحى الإسلام ج1 ،ط2، القاهرة، مكتبة الأسرة، 2010، ص156.
6) راجع كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي.
7) العظم، صادق جلال، ثلاث محاورات فلسفية دفاعاً عن المادية والتاريخ، بيروت، دار الفكر الجديد، 1990، ص21.
8) راجع كتب كل من محمد عابد الجابري تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي، وكتب أحمد أمين فجر الإسلام وضحى الإسلام.
9) بلقزيز، عبد الإله، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، ط2،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، ص12.
10) بلقزيز، عبد الإله، العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص18-ص19.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام