الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهندسا في الصباح حمّالا في المساء

مفيد بدر عبدالله

2012 / 11 / 25
المجتمع المدني


كم هو رائع أن نجد عند كثير من الحيوانات غريزة المحافظة على صغارها، فنجدها تتنقل بهم لأماكن أكثر أمنا أو أكثر دفئا وهذا السلوك غرائزي للمحافظة على النوع واستمراره.
إن أفعال هذه الحيوانات يشبه كثيرا ما يفعله أحد أصدقائي والذي يعمل مهندسا فهو يقضي أغلب الليالي الصيفية يتنقل بأبنائه مابين سطح المنزل وغرفة نومه تبعا لوجود الكهرباء أو عدمها، فبعد انقطاعها بدقائق تتحول غرفته تدريجيا إلى ما يشبه فرن الصمون فيشمر صديقي عن ساعديه ويبدأ بعملية النقل واحدا تلو الآخر من جحيم غرفة نومه إلى سطح المنزل وهو أهون الأمرّين رغم بعوضه ورطوبته العالية، وبعد أن يكمل المهمة يبدأ مع زوجته بالتناوب على أبنائه ( بالمهفة ) التي أصبحت حلقة الوصل ما بين الماضي والحاضر لحين عودة الكهرباء لتبدأ معها رحلة العودة لغرفة النوم.
إن تكرار هذه العملية وعددها تبعا لما هو مقرر في جدول القطع الغير منتظم في كثير من الأحيان ويحصل أحيانا قبل أن يكمل هذا الحّمال عمله كان ينقل اثنين من أبنائه الأربعة تعود الكهرباء تتذبذب وهنا يرجح صديقي السطح على غرفة نومه، أو يفعل مثل بعض جيرانه في منطقتهم الشعبية المكتظة المتلاصقة المنازل ذات الأزقة الضيقة فطريقتهم أجمل، ففي ساعات متأخرة من الليل تجد الأبواب المتقابلة مفتوحة والنساء يجلسن عند الأبواب مع أطفالهن الذين لا يرتدون غير السراويل (كالطرزانات) وحديث الجارات يكون أشبه بالصراخ ليعلوعلى أصوات المولدات معززا بالإشارات أما الرجال فيذهبون بعيدا في تجمعات ليلعبوا (المحيبس) وألعابا أخرى ، وينشغل البعض بإدامة مولداتهم المتعبة ذات المناشئ الرديئة والتي تصمت لأيام مثلما تصمت المولدات العملاقة للميسورين ذات المناشئ الجيدة، لكن الفرق أن الثانية تعود لتعمل بلمسة زر عند عودة صاحبها ومن معه من الاصطياف والاستجمام في لبنان أو أربيل.
إن معاناة الكهرباء استثمرت كثيرا من قبل المرشحين في دعاياتهم الانتخابية فصدق بعظهم بأن الكهرباء ستكون من أولى اهتماماته فلم يمر شهر على دخوله البرلمان حتى اشترى لمنزله مولدة عملاقة ، ولأن الكهرباء مشكلة حقيقية جلبت لصناديقهم الكثير من الأصوات بعد وعودهم الرنانة وحديثهم الأفلاطوني عن منجزات ستحصل في الغد الذي لن يأتي وعشنا معهم الأحلام مثلما يرسم البعض ومنهم صديقي المهندس برويته وميض آبار النفط القريبة والتي يراها من سطح منزله أحلاما جميلة ثم يفيق منها على صراخ أبنائه من لدغات البعوض.
أما آن الأوان لننعم بالكهرباء الحاضر الغائب ؟ فنحن شعب إلف الهم حد الخدر، فأنهكتنا الحروب بويلاتها وإفرازاتها من أرامل وأيتام وما فعله بنا حصار تسعينيات القرن الماضي، شاركنا حتى الحيوانات بأعلافها وبعنا كل ما في البيوت سوى العرض وافترشنا أرصفة بلدان لاتملك عشر ما عندنا من بترول واختلط الخبز بالدموع مرات ومرات، فلا طعم للزاد هناك سوى العلقم فما أشبه الغريب باليتيم وما أشبه ماضينا بالحاضر ليكون الإرهاب لنا الخاتمة وتزهق الأرواح البريئة في الأسواق والشوارع وتكون الكهرباء حلما بعيد المنال، فليس لنا سوى الصبر إن كان في العمر بقية.
نتطلع إلى اليوم الذي نرى فيه شوارعنا بلا ضجيج ولا دخان للمولدات ونتنقل بين شجيرات الورود بدلا من الحواجز الكونكريتية التي تثير الرهبة وتذكرنا بشبح الموت الذي نشاهده كل يوم من على شاشات التلفاز بأبشع صورة فيقض مضاجع الأطفال ويجعلنا في كثير من الأحيان نترك سفرة الطعام حتى قبل أن نبدأ.
برغم كل هذا وذاك يبقى الأمل، لأنه يعني الحياة ونبقى بانتظار اليوم الذي نحب فيه صيفنا مثل الشتاء وبانتظار أن تصل سلحفاة توفير الكهرباء هدفها ، حتى يترك صديقي المهندس مهنة الحمّال لينعم بنوم الليل و يبدع بعمله في النهار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار