الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا يكون العصيان هو الحل

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2005 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقسم كل من الكواكبي والعلامة النائيني الاستبداد الى صنفين، الاستبداد السياسي، والاستبداد الديني، ورغم انهما يرفضان كل النوعين الا انهما ينتهيان الى اعتبار الثاني اشد من الاول، و«ان الاستبداد السياسي هو وليد الاستبداد الديني» كما يقول الكواكبي، بينما يعتقد النائيني ان «الاستبداد الديني والاستبداد السياسي توأمين متآخين يتوقف احدهما على الاخر، ويرى انه من السهل القضاء على الاستبداد السياسي بينما يصعب القضاء على الاستبداد الديني»، ذلك بظني عائد الى ان الاستبداد السياسي عادة ما يكون مكشوفا امام الناس، ولا تتطلب معرفته دليلاً او مرشداً، فهو يسلب الانسان حريته وكرامته، ويتدخل في الحد من حركته اليومية بل وفي تحديد مصادر دخله، بالصورة التي نراها في الانظمة الشمولية.

بينما يسير الاستبداد الديني تحت غطاء من النرجسية والنقاء امام الناس، فمن الصعوبة كشفه الا بعد الاصابة بعدة ضربات موجعة، فهو يتحرك باسم «الرحمة الالهية» و«وصايا الرب» و«المسؤولية المقدسة» بما يجعل التجرؤ على مواجهة آراء رجال الدين، او القائمين على المؤسسات الدينية ضربا من الجنون والمغامرة.

في الغرب عملت المؤسسة الدينية على اعاقة التنمية، وتعطيل حركة تطوير المجتمع وتحديث آليات عمله، وفي سبيل فرض هيمنتها اصطدمت مع المجتمع القائم، وتكاثرت قوائم الملحدين، وتفشت ظاهرة ذبح العلماء والمكتشفين بدعوى الهرطقة والالحاد، واتسعت دائرة التسلط من خلال سيادة سلطة الكهنوت، وانتشار ظاهرة التحليل والتحريم وصكوك الغفران، ولم تكن امام المجتمعات الغربية من حل سوى بالتمرد على الكنيسة وفصل الدين عن الدولة مع ظهور «فلسفة التنوير» في القرن الثامن عشر على يد مفكرين امثال مونتسيكو وفولتير وروسو.

استلت الخطوات التصحيحة المناهضة لاستبداد الكنيسة مشروعيتها الاجتماعية نتيجة اصرار رجال الكنيسة ومن هم في حكمهم، على توظيف الديني في السياسي من خلال فرض مقولات ورؤى مصنعة داخلياً بما يعنيه ذلك من قياس الايمان والالحاد حسب مستوى القرب والبعد، فالاقرب هو المؤمن الذي يستحق كافة الحقوق والتسهيلات، والابعد هو الملحد الذي يستوجب انزال اشد العقوبات عليه، وما يترتب على تلك المقولات من اغفال تام لمبدأ المواطنة والعدالة الانسانية.

ان هذا الاستدعاء التاريخي للتجربة الاوروبية لا تعني انطباقها على المجتمعات الاسلامية، ذلك ان الاسلام فيما نعتقد لم يضع نفسه بديلا عن العلم والمعرفة، ولم يغلق ابواب الحوار والتثاقف مع سائر المجتمعات الانسانية، كما انه لم يعمد الى الغاء ثقافات الشعوب وطبائعها، ولم يعمل على توحيد لغتها او سد الطرق امام ممارسة الاخرين لعباداتهم في اديرتهم وكنائسهم وحرم الاعتداء عليهم.

على ان الاصرار على تلغيم الفهم الاجماعي للاسلام بأطروحات مغلقة، وخلق حالة من التقابل او التعارض بين الاسلام وبين الحداثة والمعرفة الانسانية، سوف يفضي بنا الى تكرار التجربة الاوروبية في التمرد والعصيان، لاسيما وان اجندة الانغلاق عند السجاليين المهمومين بانتزاع الامة من قضاياها الحيوية ورميها في متاهات المقولات التاريخية، تستبطن رغبة دائمة في اشغال جبهات داخلية في صراعات وهمية متكررة، وعلى الامة ان تقتفي اثرهم لتبرهن على صدق اتباعها للارشادات الفوق ارضية.

ان اي مجتهد سوف يوصم بالمروق عن الدين وان جاءت نظراته من خلال قراءة متمنعة لكن مختلفة للنص الديني المتفق على قداسته بين المسلمين، بالضبط كما وصف الشيخ «سفر الحوالي» في رسالته «مجدد ملة عمرو بن لحي» السيد الراحل محمد بن علوي المالكي «شيخ المالكية في السعودية» بأنه رأس من رؤوس الوثنية، او وصفه للصوفيين بالخرافيين والخروج من ملة اهل الاسلام.

وفق هذه المدرسة يتم اعتماد سلطة التراث على حساب ادراكات الحاضر، ضمن رؤية معتمة تقضي برفض الاجتهادات المعاصرة التي تختلف مع مقولات محددة سلفاً، واعتبارها من البدع التي يجب القضاء عليها وتهميش اصحابها، رغبة في تحويل الدين ورجاله ومؤسساته الى سلطة قهرية في مقابل فكر الانسان وانتاجه وابداعه الكوني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah