الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال موجه إلى طلابي

علي هصيص

2012 / 11 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


سؤال أوجهه كل عام إلى طلابي، يجيبون عنه بإجابات كثيرة مختلفة، متقاربة ومتضادة، بعيدة وقريبة، مدهشة وغير مدهشة، إلا أن الإجابة الصحيحة تتأخر كثيرا وهم يحاولون ويحاولون وأنا أحاول مساعدتهم ما أمكنني ذلك ليصلوا إلى الإجابة الصحيحة بعد عصف ذهني عنيف يضربون جباههم براحاتهم بعده لأنهم لم يستطيعوا الوصول إلى تلك الإجابة السهلة.

السؤال يقول: لماذا اختار الكاتب السوري زكريا تامر شخصية النمر في قصته المعروفة "النمور في اليوم العاشر"؟
القصة معروفة لدى الكثيرين، وهي تحكي قصة نمر يقع فريسة رجل صياد ظالم معه بعض الرجال، يضع الصياد النمر في القفص ويتركه، يظل النمر يكابر حتى يعترف للصياد ويقول له: أنا جائع، بناء على طلب من الصياد، فيحصل على الطعام، وتتوالى التنازلات يوما بعد يوم، وواحدة تلو الأخرى من أجل الطعام، ففي يوم يقلد مواء القطط، وفي يوم يقلد – والعفو منكم – نهيق الحمار، وفي يوم يصفق، وفي يوم يرقص... كل هذا من أجل الطعام، حتى يأتي اليوم العاشر، فيكون النمر قد صار من آكلات العشب ومواطنا صالحا في المدينة.

لقد كان القاسم المشترك الأكبر بين الطلبة في جميع جولاتي معهم في هذا السؤال هو التفاعل الشديد مع هذا السؤال، حتى في بعض المساقات الجامعية التي قمت بتدريسها، ومن الإجابات على ما أذكر:
- لأن النمر لديه كبرياء...
- لأن النمر لا يموت إلا واقفا...
- لأن النمر أقرب الحيوانات المفترسة إلى الإنسان...
- لأن النمر يأكل جميع أنواع اللحوم...
- لأن النمر لا يأكل إلا الطعام الطازج ولكن الأسد يمكن أن يأكل الطعام الفاسد، فأراد الكاتب أن يصور النمر بهذه الحالة...
- لأن ترويض النمر أصعب من ترويض الأسد...
- لأن ترويض النمر سهل جدا...

حسنا... كنت حين يطول بهم الأمر وأوقن بعجزهم عن الإتيان بالإجابة الصحيحة، أعمد إلى إيجاد صيغ تقريبية للإجابة؛ فأسألهم على سبيل المثال السؤال الآتي:

- هل تذكرون ما قلته في البداية عن أصل الكاتب؟
- سوري...

يصمتون قليلا، والذي يفهم الإجابة بوقت أسرع يبتسم ويطلق صوتا للتعجب والتحسر معا، لأنه لم يعرف الإجابة من البداية، ثم يتوالى الفهم ومعرفة سبب اختيار النمر.
وأضيف على مسامعهم: لو كان الكاتب سودانيا ومعاصرا للرئيس جعفر النميري لما اختار شخصية النمر، وكان عليه أن يختار حيوانا آخر، ولو كان سعوديا لما اختار شخصية الفهد، خاصة لو كان سيكتبها في عهد الملك فهد، فكان من الطبيعي أن يبتعد الكاتب السوري عن شخصية الأسد.
هكذا تنسحب أدوات القمع السلطوية على الكاتب وعلى الأدب عامة، لتـنسحب بشكل مباشر أو غير مباشر على الساحة التربوية بل وعلى جميع مساحات الوطن العربي الكبير بفرقته وجهله وقتله للإبداع والمبدعين.

على الرغم من إلغاء هذه القصة من المناهج المدرسية إلا أنني ما زلت أقدمها لطلابي من خلال دروس الاستماع، وقبل الثورة السورية كان تفاعل الطلبة مع السؤال ينتهي بانتهاء الدرس، ولكن مع الثورة السورية صار التفاعل يخرج معهم ليحكوا القصة في بيوتهم ويطرحوا السؤال على أهليهم، ولكن يا ترى بعد انتهاء الثورة السورية ورحيل الطاغية؛ هل ستظل درجة التفاعل بازدياد أم أنها ستتناقص؟ السؤال موجه إلى طلابي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا