الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو قراءة جديدة للتاريخ

جمال الهنداوي

2012 / 11 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قد يكون طه حسين هو المبصر الوحيد في زمن العماء المنتشي بسير الاجداد وامجاد الايام الذي طالت دهوره على مجمل مفردات حياتنا , وقد يكون هو اول من حاول ان يقلق الدعة الطويلة التي تناومت على طمأنينتها اجيال من النقل والعنعنة المتطاولة على مدى القرون التي تشكل دفتي زماننا العتيق, وقد تكون محنة عميد الادب العربي وسوقه الى القضاء وخسارته مقعده وطلابه ومصادرة كتابه هي ما يعسر على الآخرين فتح عيونهم على اتساعها لاعادة قراءة التاريخ خارج سياق حكايات السمر في ليالي الشتاء الطويلة..
ويعود السؤال الآن ..الم يحن الوقت لكي تتمخض آلامنا عن القدر الكافي من الشجاعة للوقوف واعادة قراءة وفهم جديد للتاريخ الذي اتخمت صفحاته بالظلال التي احالت راهننا المعاش الى فورات متكررة من الدماء والدموع والآمال الضائعة..وهل سيتمخض واقعنا عن مراجعة جديدة للاحداث التي انهكتها الايدي زيفا واكاذيبا ومغالطات وتركته قاعا صفصفا الا من شروى صدق قليل, وكيف ذلك ونحن امة ادمنت اجترار تاريخها، والعيش على قصص امجاده،يتغلغل فينا التاريخ، وقصص الخراج الذي يقاس بظلال الغمام تعيش في قلوبنا، ونخلق بايدينا هالات مقدسة ثم نعبدها كآلهة التمر, ولا نمسها حتى في ايام قحطنا وخواء روحنا..
مأساتنا اننا لا نرغب في ان نراجع حوادث ايامنا, واننا لا نبني على المستجدات ، بل ندور في متاهة من الاستعادات المنكسرة لنقطة الشروع التي تقع في مكان ما على بعد بضع من القرون..ومهارتنا الاكبر هي ان نعيد اجترار القديم، فنصنع من القماش القديم ثوبا ليس فيه من الجديد غير الرقع التي ينسجها الحواة وكهنة الكلام..ولذلك فنحن نقع في تكرار مريب في التجارب والاخطاء نفسها،ونحذو حذو من سبقنا حذو القذة للقذة, واذا تفتحت منا اعين بعد اغمضاض ,فقأناها بانامل من تسقيط وتكفير و زعيق..
ثم ان التاريخ لا يكتبه بطبيعة الحال، قديما أو حديثا، إلا المنتصرون.وحتى الافكار الرسالية ما كان لها ان تسود لولا ان يراق على جوانبها الدم, ونحن امة استساغت الهزيمة والانكسار, وتاريخنا دائما ما يكتب بايدي اعدائنا.كما ان البحث عن الحقيقة يحتاج إلى ان يخرج الانسان من جلده، ويتخلى عن شوائب المسبقات والمسلمات والعزة بالملك المستعاد ، وكيف ذاك ونحن امة استمرأت العيش في بطون الكتب القديمة ومواعظ المنابر الضاجة باخبار الامم التي خلت..وكيف بمثل هذه النظرة المكتفية بخورها الماضوي نستطيع ادارة التنوع والحياة في الحاضر..
اول الصواب هو في ان نتخلى انحيازنا العاطفي تجاه الاحداث التي طبعت تاريخنا وان نستل وريقاته من ايدي السلطان وكتبته وتجسير الهوة المظلمة ما بين احلام الشعوب في ان تبصر ماضيها بعيون مفتحة وبين وثوقيتنا القاتلة بما ليس له وجود..والخيار لنا ما بين العيش في قوقعة الماضي التليد,او المغامرة بمصالحة الذات من خلال اعادة القراءة المنصفة والفطنة والشجاعة للتاريخ, حتى لو كان مصيرنا كما آل اليه العظماء الذين استبقوا زمانهم كعلي الوردي ونصر حامد ابو زيد..وكما امتحن المبصر العظيم طه حسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق