الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل مِن خيار سوى تسييس اللغة؟

محمد الحمّار

2012 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ألم يصبح الوضع السياسي في تونس والمتصل بالانتقال الديمقراطي، مفهوما وممارسة، ظاهرة لغوية؟ و أليس من الأجدر بالنخبة السياسية أن تقوم بالمراجعات اللازمة لفكرها ولممارستها من المنظور اللغوي؟

ليست اللغة معزولة عن الدين حيث إنّ ثقافتنا الأصلية تتميز بتداخل هاذين الرمزين بصفة مستمرة، مما يضفي عليهما قيمة المحركين للثقافة. وبالرغم من ذلك فهما اليوم ليسا في وضع استخدام سليم . أما المؤشرات على هذا العطب فنلمسها من خلال إرهاصات الوضع السياسي في البلاد حيث إنّ هذا الأخير يتسم بالهذيان واللغو والمزايدة الكلامية و والوعود الكاذبة وغيرها، فضلا عن التجاذبات الدينية التي أضحت خبزا يوميا. وهي علامات دالة على تفاقم معضلة المسلم المعاصر: عدم التطابق بين القول والعمل.

مع هذا، فالسياسيون لم يعوا أنّ اللغة والدين لم يعودا مجرد رمزين ثقافيين ذوي أهمية غير مباشرة، وأن ليس لهم من خيارٍ سوى العمل على تسييس اللغة بغية تفعيل العاملين معا، اليد في اليد، مما يعني ترقيتهما إلى مستوى السلوك المباشر والمؤثر في الفعل السياسي الشعبي.

فاللغة تستبطن الدين. وهي تفعل ذلك مثلما تفعل بكل مجالات النشاط البشري. إذن فإنّ تسييسها كافٍ للتفعيل الطبيعي للدين بناء على أنه جزء محوري من الخلفية الفكرية والعقدية المكونة للسياسة في مجتمع مثل تونس. و طالما لم ينجز هذا العمل، بالتشارك بين المفكر والسياسي والإعلامي وسائر الفاعلين في المجال الثقافي عموما، لن تكون هنالك ضمانة لانحسار الظاهرة السلفية، ولا لتوضيب الشأن اللغوي المتدهور جدا، من بين ظواهر ومظاهر هجينة أخرى. إذ ما السلفية وما الإسلام السياسي إن لم يكونا من بين المحاولات الغريبة والتي تكمن غرابتها في أنها ترمي إلى أسلمة مجتمع لا يطالب بالأسلمة؟ وما الفساد اللغوي (الكلام البذيء والعنف اللفظي والإيحاءات الجنسية والاضطراب بين اللغات) إن لم يكن مرآة عاكسة لفساد باطني يطال طريقة التفكير؟ وما هو السبب في تفاقم هذا التخلف المنهجي المزدوج إن لم يكن انعدام الوعي بأصل المشكلة، وذلك في انتظار المسك بزمام المنهاج الإصلاحي المناسب؟

فلكي تثبت صحته وجدواه، كل منهاج للغرض ينبغي أن ينبني على مُسَلمة مفادها أن لا داعي لأسلمة مجتمع مسلم بعدُ لكي يتم تحرير الخلفية الدينية التي يتطلبها الحراك السياسي السليم. واستبدال الهوس اللغوي مكان الهوس الديني منهاج مرشح لعلمنة (من عِلم بكسر العين) المسألة الدينية ووضعها في إطار دنيوي تطبيقي ملموس، بُغية السيطرة عليها وتوظيفها لفائدة التطور المجتمعي العام، بما فيه التطور اللغوي.

(هذا النص من صنف "الإسلاميات اللغوية التطبيقية")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran