الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تمنيع العقل

آلان كيكاني

2012 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدهشني زميلي هذا بمواقفه الغريبة رغم بلوغه الستين وباعه الطويلة في علوم الطب والجراحة، فهو يعتقد جازماً بأفكار كانت تجد مأوىً لها في أذهان الأولين في العهود الغابرة من الزمن وتبدو غريبة في عصرنا هذا الذي انتشرت فيه التكنولوجيا وعمت فيه المعلومة ولم تعد حكرا على طبقات معينة دون غيرها. فعلم اللاهوت بدأ يتشمر عن أذهان الناس منذ بداية عهود النهضة في أوروبا حتى آل إلى الزوال في أيامنا هذه إلا من عقول بعض الجماعات التي أدمنت أذهانها على الخرافة والتصقت بها شر التصاق، إلّا أن زميلي يصر على إحضار هذا العلم المنقرض في كل مرة أجالسه فيها أو أضطر إلى مجالسته بحكم الزمالة في العمل.
بالأمس سبب لي الصداع بالحديث عن الشيطان وكيف يقوم بوظيفته في خدعة الناس وكيدهم ونصب الفخاخ لهم وتحريفهم عن جادة الصواب وجرفهم إلى الضلالة والكفر وإبعادهم عن الإيمان بالله وكيف يجري هذا الشيطان في جسم الإنسان مجرى الدم في العروق ويوسوس في النفس وينخر فيها حتى يبعدها عن فعل الخير. واليوم أبهرني وحيرني بقصة أخرى، قصة النبي سليمان بن داود مع النملة، قال إن سليمان الذي كان ملكاً على ممالك الإنس والجن ويبسط سلطانه على الإنسان والحيوان في مشارق الأرض ومغاربها حبس نملة لجرم ارتكبته لمدة سنة في زنزانة انفرادية ووضع حاجتها السنوية من الطعام معها, ولما انتهت مدة سجنها جاء ليفرج عنها ليجد نصف الطعام لم يُمسَّ وعندما سألها سيدنا سليمان عن السبب قالت له النملة: كنت آكل نصف حاجتي اليومية من الطعام يا سيدي، فقد خشيت أن تنسيك مشاغلك عن الإفراج عني لذلك كنت اقتصد في الطعام ليكفيني لمدة سنتين، احتياطا. ما إن انتهى زميلي من قصته حتى انفجر في البكاء وتبللت لحيته الطويلة بالدموع وأطال في النشيج وقال بصوت متقطع متهدج : أنظر يا دكتور، نملة بحجم ظفري هذا يوحي إليها ربنا تعالى من الحكمة مالم يوح إلى كثير من الناس ، فسبحان الله العزيز القدير. وبكى، وبكى، حتى أبكاني معه.
ليس هذا فحسب، فهو يشجع شيوخ الدين على قراءة الرقى والتعاويذ على بعض مرضاه، ويمارس الحجامة على البعض الآخر، وينصح البعض على قراءة صور من القرآن الكريم لعلاج أمراض معينة ويشدد على دخول الحمام بالرجل اليمنى ويعتبر الدخول باليسرى ذنباً عظيما يعاقب عليه الله شر عقاب.
المشكلة أنني أرى صعوبة كبيرة في مجابهته والرد عليه خشية أن يتهمني بالكفر والزندقة ومن ثم يقوم بنشر هذه التهم بين الناس، وأنا بغنى عن مثل هذه التهم في الواقع الذي أعيش فيه، وما علي إلا الإصغاء إليه على مضض وهز الرأس تصديقاً لأقواله.
للعقل مناعة كما للجسم، ومناعة العقل تتأتى من الاطلاع في مختلف مجالات الفكر والادب والفلسفة والتاريخ والعلم والمثولوجيا، وإذا ما حدث خلل في هذه المناعة بات العقل مرتعاً للخرافات وعلى استعداد لتقبل كل ما هو شاذٌّ وغريب، كما أن خلل مناعة الجسم يؤهبه لدخول البكتريا واستيطانها وتعريض الجسم لأمراض خطيرة، ولا يمكن للتخصص في مجال علمي أو أدبي معين أن يردع المرء عن الإيمان بالخرافات والخزعبلات، فالطب والهندسة والرياضيات هي مهن تماماً كما النجارة والحدادة والزراعة وهي لا تحمي صاحبها عن الوقوع في فخ الإيمان بالخرافة مالم يتم دعمها بالاطلاع على مختلف صنوف المعارف.
فرب طبيب في مجتمعنا بطقم رسمي وربطة عنق ومئزر وسماعة طبية ونظارة أنيقة ويقود سيارة فارهة وعند اختباره تجده جاهلاً إلا من مهنته، ورب مهندس يعلق شهادة كبيرة على جدار مكتبه ويجلس خلف طاولة كبيرة وعند المقاربة تجده سفيهاً إلا من مهنته ، ولا يمكن للمرء أن يكون عارفاً ومثقفاً وذا ذهن متفتق إلا عند الجمع بين مختلف أنواع العلوم والمعارف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال