الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فى الشخصية المصرية : الابن العاق 1/2

هشام حتاته

2012 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


توجد آيتان تبدو متناقضتان فى القرآن تتحدث عن الابناء ، فلدينا آية تقول ( المال والبنون زينة الجياة الدنيا ) والثانية تقول ( ومن اموالكم واولادكم عدو لكم فاحذروهم ) .
ولما كان القرآن تسجيلا لواقع الجزيرة العربية فى العصر النبوى نستطيع ان نعرف انه لاتناقض بين الآيتين ، بل ان كلا منهما كانت تشير الى واقع معاش فى هذا العصر والى الآن ، انها الطبيعة البشرية فى العلاقة بين الآباء والابناء عبر التاريخ الانسانى كله، فالآية الاولى تشير الى علاقة الآباء بالابناء الذكور( نلاحظ انها البنون وليس البنات أو الذرية عموما ) فهم زينة للاب يتفاخربعددهم باعتبارهم احد مصادر قوته فى الدفاع وصد الهجوم فى زمان ومكان البقاء فيه للاقوى ، ويحملون اسمه ويحافظون على امواله بعد مماته بدلا من ضياعها مع ازواج البنات .
اما الآية الثانية فهى ترصد حالات عقوق الابناء ضد الآباء عند الكبر ، ونلاحظ ان الاية الاولى جاءت بصيغة التعميم اما الثانية فكانت ( ومن ) بمعنى البعض . فما هى اسباب هذا العقوق التى كانت ( بعضا ) فى عهد النبوة وتماسك افراد القبيلة واصبحت الآن تمثل ظاهرة متزايدة ومقلقة داخل البيوت المصرية ؟
ظاهرة عقوق الابناء للآباء المتزايدة داخل الاسرة المصرية لها بالطبع عدة اسباب واسمحوا لى ان اذكر فى البداية السبب الرئيسى وعمدة هذه الظاهرة مع تأكيدى ان ظاهرة تمرد وتسلط للمراة والتى ذكرتها فى الجزء الاول من هذه الدراسة ترتبط الى حد بعيد بظاهرة عقوق الابناء :
1) عقدة اوديب :
عقدة أوديب من العقد النفسية التي تطلق على الطفل الذي يحب والدته ويتعلق بها لدرجة الغيرة على الام من الاب . وعقدة اوديب استوحاها العالم النفس (فرويد) من قصة يونانيه شهيره وهي قصة أوديب والتى تتلخص فى ( اوديب هو ابن لملك شهيرفي اليونان . وتحت هذا الملك مجموعة من الكهنه الذين اخبروه ان ابنه الصغير اوديب سوف يقتله عندما يكبر .فقرر الملك ان يقتل ابنه الطفل الصغير حيث امر احد جنوده ان يأخذاوديب الى الغابة ويقتله , فذهب الجندي ومعه اوديب الى الغابة ولكن لم تطاوعه نفسه على قتل طفل صغير, فترك الجندي اوديب في الغابةورجع الى الملك واخبره انه قتل اوديب . اما اوديب الذي ترك في الغابة فقد وجده رجلا فقرر رعاية هذا الطفل المسكين . فكبر اوديب واصبح ذا شأن عظيم في القرية التي عاش بها . وكانت القرية التي يعيش بها اوديب على خلاف مع الملك( والد اوديب) . فقررت القرية ان ترسل جيوش لمواجهت الملك وجعلت اوديب هوقائد هذه الجيوش . وعلم الملك بأن هناك من يريد مهاجمته فاعد العدة لذلك . وتقابل الجيشان وتقابل اوديب مع والده في الحرب ,فقتل اوديب والده . وانتصر اوديب في المعركة . واصبح ملكا وتزوج من ارملة الملك السابق( امه) دون علم منه انها والدته ودون علم منها . وبعد ذلك علم اوديب انه قتل ابيه وتزوج امه . ففقع اوديب عينيه عقابا لنفسه على صنيعه.) انتهى
للاسطورة وسبب نشوءها عدة تفسيرات ، ولكنى وكما قلت من قبل هى تعبير عن واقع معاش لايجد له الانسان البدائى تفسيرا فيخلق له حكاية او قصة رمزية تعود دائما الى زمن مضى ، وتحمل الاسطورة عدة اشارات رمزية تمكن المتعاملين معها من فك هذه الرموز للوصول الى انماط التفكيرالذى نشأت فيه الاسطورة ، وبتفكيك هذه الرموز يمكن للباحث ان يصل اسباباها .
يفكك لنا فرويد ماتحملة هذه الاسطورة من رموز ومعانى ويعود بها الى سببين رئيسيين :
*** الاول هوالجنس : حيث يروى لنا فرويد قصته مع تلك العقدة مُصرحاً بمشاعره تجاه والدته عندما كان طفلاً وكيف كانت تلك المشاعر تولد لديه الغيرة من أبيه , اعتبر فرويد أن هذا النمط من المركب الحب والغيرة شائع لدى الأطفال, لذلك تعتبر العقدة الأبوية أحد المُسميات الأخرى لعقدة أوديب.
يعتقد الطفل أن للأب وظيفة مكملة لتلك المُناطة بالأم, ولكن لن يطول الأمر كثيراً حتى يستوعب أن للأب وظيفة خاصة مُستمدة من كيانه كزوج و أب. هنا تبدأ بواكير الغيرة عند الطفل إذ يعتبر أن هذا الرجل يهدد كيانه , وبالتالي الارتباط العاطفي بالأم , يبدأ بالتحري ليكتشف أول خيوط القصة إما عن طريق التخيل للعلاقة بين الأبوين أو عن طريق المراقبة المقصودة لهما, ليكتشف أن الأم تهتم بالزوج أيضاً , أي بالنسبة للطفل سيدرك من جانبه أنه شخص ما , وأنه ليس الأهم بالمطلق بالنسبة لها في حين أنها الأهم بالنسبة له , أنوه هنا أن الطفل يربط هنا بين الأم كمصدر إشباع غرائزي وبالتالي يربط الطفل بين الشخص الذي بفضله تحققت له اللذة معتقداً أن لدى الآخر بالضرورة نفس اللذة, ليكتشف أن الإرضاع وضبط الإخراج لم تكن سوى مهام أمومية لاعلاقة لها باللذة الذي ينشدها هو . هنا تبدأ المقاربة بين وظيفة الزوج للأم ووظيفته هو كعاشق لها , ومن الطبيعي أن تؤدي تلك الأفكار بالطفل إلى أول نتائج الصراع النفسي متمثلة بالإحساس بالوحدة والانفصال .
ولاتنفصل عقدة " اليكترا " عن التفسير الجنسى لهذه العقدة ، بل ان عقدة اليكترا تعتبر دليلا على صحة تفسيرات فرويد لعقدة اوديب ولكنها فى صورة عكسية بين البنت وابيها لنجد نفس الارتباط والذى منشأه ايضا بداية نمو الرغبات الجنسية لدى البنت فى تعلقها اللاواعى بأبيها وغيرتها من أمها وكرهها لها، واستوحي سيجموند فرويد هذا المصطلح من أسطوره اليكترا اليونانية وهو يقابل عقدة عقدة اوديب لدى الذكر.وتتلخص فى ان (إلكترا شخصية أسطورية عُرفت في الأساطير الإغريقية بولائها التام لوالدها الزعيم الإغريقي أجاممنون. قامت كليتمنسترا أم إلكترا وعشيقها إجستوس بقتل أجاممنون. فأرسلت إلكترا شقيقها الأصغر أوريستيس بعيدًا عن القصر الملكي لتحميه من أمها. كرهت إلكترا أمها وعشيقها ولكنها عاشت معها، حتى بلغ أوريستيس الحلم. وحينئذ عاد أوريستيس من منفاه، لينتقم لمقتل والده بقتل أمه وعشيقها بمساعدة إلكترا )
ويفسر (فرويد) زواج اوديب من امه . بأن حب الام فطري ولكن اوديب لم يترجم هذا الحب بالشكل الصحيح.
اما عن فقأ عينية بعد ان علم انه قتل ابيه وتزوج بأمه فهى رمزية شعوره بالذنب من قتل الاب فى الزمن البدائى الاول وهو ماستوضحة فى السطور التالية .

*** السبب الثانى فى كتابه الطوطم والتابو يسوق لنا فرويد رؤيا اضافيه لقتل الاب فيقول مامعناه : عندما كان الانسان فى حالة التوحش قبل ان يخرج الى المرحلة البشرية ثم منها الى المرحلة الانسانية ، عاش الانسان فى حله وترحاله فى تجمعات بشرية يربطها صلة الدم والقربى ( وهو مابقيت عليه الحياة البدوية حتى عهد قريب .... !!! ) وكان من الطبيعى ان يكون القائد فى البداية اقوى افراد هذه التجمعات والذى تعقد له القيادة على التجمع البشرى حتى تمر به السنوات فيكبر ويشيخ ، ومن طبيعة الاشياء ايضا فى هذه البواكير الاولى للمرحة البشرية ان يتصدى له احد الابناء وعلى الارجح يكون الابن البكر لينتزع منه القيادة فى زمن لم يعرف سوى قوة الغالب فينشأ الصراع الذى ينتهى فى الغالب لصالح الابن ، واحتفالا بالنصر يتم التهام جسد المهزوم فى حفل تتويج المنتصر الجديد .. وهاكذا دوليك .
ويرى فرويد ان عقدة الذنب التى تعيش داخلنا والتى فسرتها الاديان على انها الخطيئة الاولى لأب البشرية الاول - المفترض – آدم وزوجته حواء والتى ادت الى خروجنا من جنة الرب حيث الحياة الناعمة والمترفة الى شقاء الدنيا بعد النزول الى العالم الارضى - فسرها فرويد - بأنها عقدة الخطيئة الاولى فى قتل الآبناء الكبار للآباء عند الشيخوخة فى هذا الزمن البدائى لتولى زمامن الامور فى القبيلة .
والتاريخ مليئ بالابناء الذين قتلوا اباءهم للوصول الى سدة الحكم فى بلادهم وماحدث فى العشرين عاما الاخيرة فى امارات الخليج والتى كان آخرها انقلاب امير قطر على والده والاستحواذ على حكم الامارة .
وهنا ياتى دور الام : فاما محاولة تبخيس الاب امام ابنه الاكبر او ابناءه الذكور عموما لتعميق هذه العقدة بحجة عدم الصلاحية للقيادة ووجوب تنازله للابن الاكبر عن قيادة امور العائلة ، او ان تكون حائط صد ضد تنامى هذه العقدة الاوديبية الشهيرة ، لتذكر الابناء دائما بفضل الآباء فى رعايتهم وحمايتهم وتنشئتهم .
الام الاولى هى الام المتمردة والمتسلطة والتى تحاول ان يجذب ابنائها بقدر الامكان الى صفها حتى يكونوا سندا لها فى معركتها ضد الزوج الذى يرفض حالة التمرد والتسلط لديها ( كما حدث معى ......... !! )، اما الام الثانية فأرى انها توارت كثيرا فى الاعوام الثلاثين الاخيرة .
وفى المقالة القادة سنتعرض لباقى اسباب عقوق الابناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى