الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكم الديني يُفضي حتما إلى الدكتاتورية

منعم زيدان صويص

2012 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا ادري لماذا أحدث إعلان الرئيس المصري الدستوري كل هذه الضجة فأنا أعتقد أن عودة مصر إلى الدكتاتورية كانت مسألة وقت لأن الحكم الديني لا ينجح إلا من خلال الدكتاتورية وحكم الفرد، فإطاعة الحاكم الديني واجب شرعا. لم ينجح أي حكم ديني، أو حكم مؤسس على الدين، لا في العصر الحديث، ولا في أوروبا في القرون الوسطى أو قبل عصر النهضة، إلا وكان دكتاتوريا وتوتاليتاريا. ولقد رأينا ما حصل في إيران التي بدأت بعد الثورة بتطبيق النظام الإنتخابي، ولم يستتب الأمر فيها إلا من خلال دكتاتورية الولي الفقيه. ولا يمكن تجنب الفوضى أو الخلافات الحادة في أية دولة يحكمها الإسلاميون أو يكوّنون في حكومتها كتلة كبيرة إلا من خلال نظام دكتاتوري. فتحْتَ نظام حكم ديني يأخذ التعددية بعين الإعتبار، يصعب إستتباب الأمن وسيطرة الحكومة الدينية على الأوضاع لكثرة الإختلافات والتفسيرات والإجتهادات المتعلقة بالمذاهب والمعتقدات المتعددة، وخاصة في هذا العصر، عصر ثورة المعلومات والإتصالات.

لم يكن الإسلام السياسي يؤمن بالديمقراطية حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكان الإسلاميون يصفون الديمقراطية بأنها من مخترعات الغرب "وكذبة من أكاذيبه." وفي سنة 1992 حاول الإسلاميون في الجزائر أن ينضمّوا للعبه الديمقراطية، واشتركوا في الانتخابات البرلمانية، وقبل أن تقفل صناديق الاقتراع، تيقن نظام العسكر الحاكم أن الإسلاميين سيكتسحونها فالغوها وقمعوا الإسلاميين، ونتيجة لذلك لجأ الإسلاميون إلى الإرهاب وبدأت فترة من عدم الاستقرار في البلاد. وكان لهذا العمل التعسفي من قبل النظام آثار مدمرة من ناحيتين. فقد دعم هذا القمع شعبيتهم وأضعف شعبية العلمانيين والمستنيرين، ومن ناحية ثانيه تأخر التنوير والتحول في التفكير في العالم العربي والإسلامي لمدة عقدين. ولو أنه سُمح للإسلاميين أن يحكموا الجزائر ويتحملوا مسؤولية الحكم لاكتشفوا أن كثيرا من مبادئهم وأفكارهم لا يمكن أن تصلح لإدارة الدول في العصر الحديث، وعندها سيضطرون إلى تعديل مبادئهم السياسية لتتلاءم مع عالم اليوم، وسيظهرون أمام الناس بصورة مختلفة عن صورتهم قبل الإنتخابات.
والحقيقة أن الإسلام السياسي يدرك ذلك الآن بعد 20 عاما من إنتخابت الجزائر.

وفي عام 2006 جرت انتخابات في الضفة الغربية وغزه وفازت حماس، ونستطيع أن نقول أن نجاح حماس أحدث انقلابا في تفكير الإسلاميين الذين بدأوا منذ ذلك الحين يؤمنون بان نوعا من الديمقراطية مفيد لهم. والحقيقة أن فكرة الإسلاميين عن الديمقراطية خاطئة إذ أنهم يعتقدون أن الديمقراطية معناها حكم الأغلبية، وليس حكم الشعب، وهم يقولون بصراحة أنهم لا يؤيدون حكم الشعب بل "حكم الله،" ويعتبرون المناداة بحكم الشعب كفرا. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم هتلر ديمقراطي، فقد إنتخب الشعبُ الألماني، الذي كان بشكل عام يتبنى مبدأ تفوق العنصر الألماني، حزب هتلر، واعتبر كثير من الألمان كتابه "كفاحي" إنجيلا لهم. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم حماس في غزة ديمقراطي ولكان حكم الملالي في طهران ديمقراطي أيضا، وهو حتما ليس كذلك. إن من أهم مبادىء الديمقراطيه هو السماح لكل الناس أن يعبروا عن آرائهم بحريه منضبطة بالقوانين، وأن يكون هناك معارضة حره يحميها نظام الحكم ويدعمها ويمنحها حتى مخصصات مالية لكي تنمو وتقوى لأن قوتها جزء من قوة البلاد وغناها الثقافي. وفي تركيا حكم ديمقراطي ناجح بقيادة حزب إسلامي ولكن هذا الحكم ليس دينيا بل علماني، وقد نصح إردوغان الحكومات الإسلامية الجديدة في العالم العربي أن تتبنى علمانية شبيهه بعلمانيته ولكنها رفضت.

أما ثورات ما يسمى الربيع العربي فقد غيّرت مفاهيم الإسلاميين عن الولايات المتحدة والغرب عموما بعد أن أعلن هؤلاء تأييدهم لهذه الثورات وتخليهم عن أصدقائهم من الحكام السابقين، الذين تركوهم يواجهون مصيرهم المحتوم، بنفس الطريقة التي تخلوا بها عن شاه إيران في نهاية السبعينات. وهذا سبّب هزة للأفكار التي كان يحملها الإسلاميون عن الغرب.

الحكومة الدينية لا تستطيع أن تتعامل مع مبادىء الديمقراطية التي تنص على حرية الفكر وتعدد الآراء، والتي لا يعترف بها الحكم الثيوقراطي. إن الدين شيء مقدس في ضمائر المتدينين، وإذا طُبّقت المبادىء الدينية حرفيا على السياسة ستصبح السياسة مقدسة، فكيف يستطيع المتدين أن يناقض أو يغير أو يعدل المبادىء السياسية المبنية على هذه القداسة ويتعامل مع الدول على أساس المصالح المتبادلة الخاضعة للتغيير والتبديل؟

أما في مصر فقد وجد مرسى نفسه يواجه أمرين: إما أن يطبق المبادىء الديمقراطية، ويخاطر بتجريد السياسة من الدين، وهذا ما لا تقبله قاعدته العريضة، وإما أن يستولى على معظم السلطات ويفرض سيطرته على البلاد تحت خيمة دينية، وهذا ما فعله في النهاية، متهما "اقلية" بمحاولةإجهاض "أهداف الثورة." وقد سمّت أجهزة إعلامه ما حصل ب "الثوره التصحيحية،" معيدة إلى الأذهان حركة حافظ الأسد التصحيحية في سوريا عام 1970. ومرسي يعلم أن أي مجلس شعب سيضع العقبات في طريقه ولذلك فمن مصلحته أن يؤجل الإنتخابات البرلمانية أطول فترة ممكنة. ولا أعتقد أن الأخوان المسلمين سيحققون في الإنتخابات البرلمانية القادمة المكاسب التي حققوها في الإنتخابات السابقة لأن المصريين إكتشفوا أن حكومة الإخوان لا تختلف عن الحكومات المصرية السابقة إلا بالاسم. لقد كان واضحا في الجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية المصريه ونتائجها أن فُرص مرسي في الفوز كانت ستتبخر لو أن حزبين كبيرين آخرين أتفقا على دعم مرشح آخر، ولذلك على أحزاب المعارضة التي تتظاهر ضد مرسي الآن أن تلوم نفسها لأن التنافس فيما بينها كان سبب نجاحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع مقدسيين مسيحيين من الوصول ا?لى كنيسة القي


.. وزيرة الهجرة السابقة نبيلة مكرم تصل لقداس عيد القيامة بكاتدر




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بمراسم -النار المقدسة- في كنيسة


.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟




.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا