الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة المتبادلة بين الدين والأخلاق

أحمد القبانجي

2012 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميعنا نعلم اهمية الدور الي يلعبه الدين في تقوية دعائم الأخلاق وتفعيل عناصر الخير والصلاح في واقع النفس الإنسانية، ولكن هل أنّ هذه النسبة بين الدين والأخلاق أحادية الجانب ولا يوجد تأثير متقابل من الطرفين، أم أنّ النسبة ثنائية والتأثير بين الدين والأخلاق متقابل؟
هناك الكثير من علماء الإسلام وخاصة الأشاعرة يرون أنّ الأخلاق تستوحي مقوماتها من الدين لا العكس، فالدين أو القضايا الدينية مستقلة عن الأخلاق وتقوم على أساس الأمر الإلهي، فما أمر الله به يكون حسناً أخلاقياً وما نهى عنه يكون قبيحاً، وبعبارة أخرى أنّ الأخلاق تنبع من الدين فقط، أما على أساس ما تقدم من الحديث الشريف وما توحي به الآيات الكريمة فالأخلاق تمثّل أصلاً وأساساً للدين، والأحكام الدينية لابدّ أن تتوافق مع القيم الأخلاقية الموجودة في الفطرة البشرية، وبذلك تكون العلاقة متبادلة بين الدين والأخلاق، فكما أنّ الأخلاق تعتمد في اذكاء دوافعها الخيرة على الدين، فكذلك الدين يعتمد في مشروعيته على الأخلاق، فالحكم الشرعي لا يكون شرعياً إلاّ إذا توافق مع مقتضيات العدالة التي يدركها الإنسان بوجدانه، بل إننا نعرف حقانية الدين، من خلال تطابق أحكامه مع العدالة ومع متطلبات الحسن والقبح التي يفهمها الإنسان بعقله الفطري. وعلى هذا الأساس تتكون لنا المعادلة التالية في مجال علاقة الأخلاق بالدين، فالدين يعتمد في الأصل والحقانية والمشروعية على الأخلاق، ثم يقوم بدوره على مستوى تفعيل عناصر الخير في وجدان الإنسان حتى يصل في مسيرته التكاملية وفي قوة وجدانه الأخلاقي أن يستغني عن التعاليم الدينية في مجال الأخلاق ويتحرك بما يوحي إليه وجدانه من أفعال الخير والقيم الإنسانية، وبذلك يكون الدين كماء المطر الذي يسقي البذرة والنبتة الصغيرة حتى تصير شجرة كبيرة وتمد جذورها إلى حيث المياه الجوفية وتستغني بشكل كامل عن ماء المطر، وهنا ندرك جيداً أنّ الدين إنّما جاء ليفعّل عنصر الوجدان في واقع الإنسان، وهو ما يقوله الإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة (الخطبة 1) في الغرض من بعث الأنبياء: «ويثيروا لهم دفائن العقول».
وببيان آخر: إنّ الأخلاق الاجتماعية والعرفية تقوم على أساس المصلحة في الفعل الأخلاقي كما يرى التاجر المصلحة في قول الصدق وأداء الأمانة وأنّ ذلك يفضي إلى حسن سمعته وتقوية رصيده الاعتباري في المجتمع بخلاف الكذب والغش، أو أنّ صلة الرحم تؤدي إلى تقوية العلاقة العاطفية بين الأقرباء والإرحام، والحكم بالعدل يؤدي إلى تعميق عناصر الود والمقبولية لدى الناس تجاه الحاكم وتقوية أركان سلطته وأمثال ذلك، بينما الأخلاق الوجدانية ـ وهي المرحلة الأخيرة للتكامل الأخلاقي في الإنسان ـ تقوم على أساس الحق فقط، فالحاكم في هذه المرحلة يحكم بالعدل لا من موقع كسب ودّ الناس، ولا كسب رضا الله تعالى، بل من موقع العمل بالحق وأنّ هذا الحكم العادل يتوافق مع الحق، والتاجر إنّما يقول الصدق لا لتقوية رصيده الاعتباري بين الناس ولا لأنّ الله أمر بالصدق، بل لأنّ الصدق حق وأنّ وجدانه يأمره بذلك (كما يقول كانت الألماني)، ويلعب الدين دوراً وسيطاً بين الأخلاق الاجتماعية والوجدانية، أي أنّ الأخلاق الدينية تقع في مرحلة متوسطة بين الأخلاق الاجتماعية والأخلاق الوجدانية، حيث يقوم الدين بتوسيع دائرة المصلحة في الفعل الأخلاقي بما يستوعب المصلحة الأخروية، أي ينتقل بالإنسان من أجواء المصلحة الدنيوية الضيقة إلى أجواء أرحب وأوسع، وبذلك يرتفع بالدافع الأخلاقي في الإنسان من دوافع أنانية لا تمثّل عنصراً إنسانياً في البعد الأخلاقي، إلى دوافع دينية خارج دائرة الأنانية الدنيوية، ولكن لا ليبقى الإنسان في إطار الأخلاق الدينية، بل ليتجاوزها إلى الأخلاق الوجدانية، وهي التي يكون الفعل فيها بدافع وجداني بحت، أي بدافع الحق فقط، وهو عبارة أخرى عن الخلوص التام لله تعالى ومن دون طلب الثواب أو الخوف من العقاب، فالأزمة التي يعيشها المتدين في عالم الأخلاق وما نراه من انحطاط أخلاقي في أجواء المجتمعات المتدينة ولدى المتدينين بالذات يعود إلى جمود المتدين على الأخلاق الدينية بتصور أنّها هي الأصل والغاية في الأخلاق الإنسانية، وهذ التوهم أدى إلى إفراغ القيم الأخلاقية من مضمونها الإنساني والوجداني وتحويلها إلى كسب وتجارة، فيعطي في الدنيا ليأخذ أضعافها في الآخرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني