الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحة عن تطوّرات الشعر الإيطالي الحديث

حذام الودغيري

2012 / 12 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يعتبر الشعر الإيطالي النوع الأدبيّ الأكثر إبداعا في القرن العشرين، حيث حقق نتائج حيوية مدهشة رافقت القرن كله، بل استمر ذلك ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم. فقد عرف تجارب متنوعة، وطرقا كثيرة مختلفة، ميزت إنتاجه. وهو بصورة مجملة، الأكثر أصالة في أوروبا بأسرها، باعتراف عالميّ . وتكاد تكون إيطاليا، حصريّا، من أُعْطيَت لها مهمّة ترجمة أزمة الهويّة المعقّدة ، أدبيّا. فكلّ ما ميّز العصر الحديث من سُحْق الأنا وفقدان الإحداثيات، ووَعي بحركة الحَيَدان داخل سرّ الحياة، وتأمل في الوجود، ومحاولة إعادة تأليف نظام أدنى، وَجد حلولاً مختلفة ومتكاملة في مختبر اللغة الإيطالية (لغة شابة، لم تكن من تراث حتى ربع الإيطاليين، الذين تعودوا طوال قرون أن يتكلموا بلهجاتهم أو لغاتهم الخاصة).

ينبغي أن نتساءل ، إذن، عن ما يميّز، أو بالأحرى عن خطّ ترسيم الحدود، بين الشعر التقليدي، أو الطريقة التقليدية لصناعة الشعر، والشعر الحديث، حتى لا ننجرف وراء سهولة التبسيط الزّمني الذي يحدّد نهاية الأول مع القرن التاسع عشر وبداية الثاني مع القرن العشرين. وإن كان صحيحاً أن الشعر الحديث، يتموقع كلّه تقريبا في القرن العشرين. لكن يظهر أن النقد الحديث كلّه يُجمِع على أن أوّل انشقاقٍ واعٍ وَأصيل عن الماضي جاء مع شاعرية "الرمزية" Simbolismo.
في هذا الصّدد، من الضروري تحديد إحداثيات الزّمَكان: فرنسا، النصف الثاني من القرن التاسع عشر . فالرّمزية تعني بودلير، وبخاصّة رامبو ومالارميه، وَتعني قبل كل شيء " الشعر الخالص". يعرّف الناقد إيليو جانولا هذا المفهوم، المهيمن على الرمزية :
"الشعر الخالص" هو الكلمة (...) التي تقطع أيّة علاقة تواصل مع الواقع لتجعل نفسها حقيقًة كلّية ، كائنا مطلقاً "رمزاً "(...) فهي لم تعد تعني علاقةً بين كائن وتمثيله اللفظي، بل استبدالَ العالم بالكلمة واعتبارَ الكلمة الشعرية عالَماً ". ويقول روجيرو ياكوبّي: " تصبح الكلمة مقدّسة ومشحونة بقُوَى السِّحر، أو ببساطة أكثر، بالحكمة ."
مفهوم "الشعر الخالص" جاء كنوع من انتقام الشعر من قرنٍ سيطرتْ عليه ـ كما لم يحدث من قبل ـ إيديولوجيات أخرى انطلاقا من العقلانية والنزعة التاريخية. فَلِذا، ليس من قبيل الصدفة أنّ شعر الرمزية " الخالص" تأكّد في ذروة فترة الحركة "الوضعية" Positivismo، كردّ فعل عليها، لأنها تعتمد على العلم في حل المشاكل الشخصية والاجتماعية وتحاول تفكيك كل ظواهر الواقع على شكل بيانات تحليلية، متجاهلة احتياجات الروح الأنقى.

والآن، إذا افترضنا أنّ ما يميّز بين الشعر التقليدي والشعر الحديث هي شاعرية الرمزية، فإنه ليس من السهل ـ بل إنها مسألة مثيرة للجدل للغاية ـ تحديدُ من يََُعتبر مؤسسَ الشعر المعاصر في إيطاليا. ففي خلاف تام بين النقاد هناك مراكز مهيمنة، وكل واحد يستخدم حججا صلبة لفرضها، سنراها باختصار:
هناك من يعتبر جوڤانّي پاسكولي (1855 – 1912) وغابرييلي دانّونزيو ( 1863 – 1938) الممثلين الرئيسيين للحركة الأدبية التي تُحَدّد زمنيا مابين القرنين التاسع عشر والعشرين، ويُطَلقُ عليها "الانحلالية" أو "ما بعد الرّمزية" Decadentismo. ويمكن البحث عن رَحِم الاتجاه الجديد ـ وليس صدفة ـ في فرنسا: فقد تطور في درس فيرلين ورامبو ( من الشعراء الملعونين)، وقدمّ ابتكارين رئيسيّين: فمن الناحية التقنية ـ الشكلية، تمّ ابتكار الشعر الحر ( مالارميه، آدم...) ومن ناحية المضمون، أصبح الاهتمام منصبّا على النبل الروحي للفنان، الذي لا يُنْجيه من تلوث الضمائر إلاّ النّهجُ عكس الاتجاه، وضِدّ التيار.
هذه الخطوط الشعرية ستمنح خاصّيتين جديدتين للتأليف الأدبي: "الجمالية " و"الفردية"، التي سيتميز بهما پاسكولي ودانّونزيو في الشعر.
بالنسبة لپاسكولي، للفنّ خاصية بارزة لاعقلانية وحدسيّة ، ومن هنا يرفض العقل ويعترف بفشل "الوضعيّين" كما لا يعتبر الشعر تغييراً للواقع وإنما بحثا موضوعيّا عن القيم الأبدية والبدائية للواقع: "أنت الطفل الأبدي، الذي يرى بعين الدهشة كل شيء ، كمثل المرة الأولى". والشعر الحقيقي لا يتبلور إلا في الأشياء الصغيرة وفي بساطة التجربة اليومية. لذا وجب أن تكون اللغة الشعرية دقيقة لتعبّر بوضوح وفورية، عن المشاعر، دون زخرفة أوأغلفة بلاغية، وأن تُوفِيَ كلّ شيء اسمَه الصحيح.
أما شاعرية دانّونزيو، فتتميز بتبجيل القوة والطاقة اللتين تؤديان إلى العنف وازدراء الأخطار على غرار السوبرمان، كما تبجُّل الجمال الذي لا يتأتّى التمتعُ به وإثمارُه إلاَ لنخبة قليلة تتميز عن الغوغاء المبتذلة، وبالتالي تبدو مزيجا من الهمجية البدائية والصّقل الإستطيقي المتكلّف.
إلاّ أنّ الحداثة الحقيقية عند الشاعرَيْن تتجلّى في اللغة التي يقيمان ثورة حقيقية فيها: يقف پاسكولي في منتصف الطريق بين استمرار التقليد الشعري والانشقاق عنه أو ربما، يجمع ما بينهما: فهو يضيف إلى - قواعد اللغة الصحيحة، المألوفة في التقليد الشعري، لغة تتألف مفرداتها من لغات تخصّصية، حتى من اللاتينية وخليطا من الا نجليزية ـ الأمريكانية ـ التوسكانية كما فعل في قصيدته الطويلة Italy، بل أضاف أيضا مُحاكِيات صوتية، من عالم الجماد والحيوان والطبيعة، وهكذا ، فإنه من خلال هذا الاتجاه، يسترِدّ ويستوعب الشاعريّة الشعبية والقروية التي رفضها دائما الأدب الرسمي.
أما دانّونزيو، فكما نجد في تحفته "ألكيون" Alcyone، فقد تميز بخلق مزج رائع بين الكلمات والموسيقى، حيث تفوق الكلمات نفسُها المعنى أو تكتفي بذاتها، بفضل علاقة التناغم بينها وشحنة الإيحاء التي تنبثق منها، فضلا عن الجناس والمُحاسّة synaesthesia.
لكن رغم هذا كلّه، لا نجد عند هذين الرّائدين، خصائصَ "الشعر الخالص" فقصائدهما تعتبر نوعا من الشعر" التطبيقي"، ولربما يُعزى ذلك إلى أنه لم يسبقهما في إيطاليا شعراء من طراز مالارميه أو بودلير.
وهناك عدد كبير من النقاد الذين يؤيّدون بشراسة فكرة انبثاق الاتجاهات الشعرية البارزة في القرن العشرين من عند "الشفقيّين"Crepuscolari و"المستقبليّين" Futuristi.
مصطلح "الشفقية"، صاغه أنطونيو بورغيزي ، في مقالة نقدية بجريدة "لاسطامپا" عام 1910 استعرض فيها قصائد لشعراء من بينهم مارينو موريتّي، ليحدد نوعا أدبيا استعاره من كلمة "شفق"، يتميز بنوع من الانفصال واليأس، والتنازل وغياب المثل العليا وتهيمن على شعرائه نغماتٌ لينة وخافتة إذ لا تؤججهم عواطف خاصة ماعدا نوعا من الشجن.
حين تجذّرت شاعرية الرمزية في إيطاليا، بداية القرن الماضي، في فترة مابين 1903و1911، كان هذا التيارقد فقد خاصّيات المجابهة "العدمية" والتمرد اللذين كانا يطبعان رامبو ومالارميه، وأصبحت النماذج تؤخذ من عند الرمزيّين المتأخّرين أمثال البلجيكيين ـ الفرنسيين جول لافورغ و موريس مايترلانك، فكان الغسقيّون يجهلون دَرْس مالارميه، وبالتالي كان شعرهم ينفتح تماما على كلّ ما يحظره "الشعر الخالص". وهكذا مع الأزمة الحاسمة للعقد الأول من القرن الماضي التي نجمت عن ديناميكية العلاقات الاجتماعية الجديدة وأفرزها التصنيع وفشل المثل العليا: الله ـ الوطن ـ الإنسانية، نشأت أسطورة "الإنسان الوحيد" الذي يعلم أنه لا "يتصرّف" وإنما "يُتَصَرّفُ به". وهذا الموقف الانهزامي يتعارض تماما مع طرح دانّونزيو الذي يُختَزَل في مُسَلّمة "الإنسان يصنع التاريخ"، كما يتعارض مع نظرة پاسكولي و كاردوتشي ودانّونزيو لرسالة الشاعر "النّبي ـ الرّائي" vate، فالشفقيون يعتقدون أن الشعراء فشلوا مثلما فشل النموذج الاجتماعي والدولة الليبرالية. يقول غوتزانو:
"أشعر بالخجل
نَعمْ، أشعر بالخجل، لأنّني شاعر"
وكذلك كُوراتزيني :
"لماذا تقول لي: شاعر؟
أنا لست شاعراً.
لستُ سوى طفلٍ صغير يَبكي."
مواضيع الشفقيين تتميز بالجدة، فهم يعرضون مشاهد ومحيطات ومواقف غريبة وغير مسبوقة: ( منتزهات، مستشفيات، أديرة، مساءات بئيسة، متسولين، متشردين، نصّابين، مطاحن ، وأشياء عديمة الذوق :أثاثا قديما، مفروشات، حليا، ملابس غيرمرغوب فيها...) أما المرأة والحب: فلن نجد أبدا نساء دانّونزيو الفاتنات ولا "ماريا الشقراء"، حسناءُ كاردوتشي، فهاهو الوصف الشهيرلـِ : "الآنسة فيليتشيتا (سعادة)" كمايكتب غوتزانو:
" تكادين تكونين قبيحة، عديمة الإغراء
في ملابسك الريفية تقريبا،
لكنْ لكِ وجهُ ربّةِ بيتٍ طيّبٌ،
وَشعرٌ جميلٌ بلون الشمس،
مُلْتوٍ في ضفائر رقيقة،
فتبدين نوعا من جَمال فَلَمَنْدي ...
(في القصيدة نفسها نجد: الثوم الريحان، الكراث والخس ...)
أمّا مارينو موريتّي، فبِكُلّ ابتذال نثري، يكتب:
"يُمطِر. إنه الأربعاء. أنا في تشيزانا
ضيفٌ عند أختي المتزوّجة..."
أما المستقبليّون، فقد كان لهم وقع أشدّ وطأةً على شعر القرن العشرين، وهم شهود الأزمة كذلك إلا أنهم عارضوها وفرّغوها بشحنة ثورية هائلة وعبّروا عنها بعنف وعدوانية.
كتب فيليپو مارينيتّي "بَيان المستقبلية" في صحيفة الفيغارو عام 1909، وَخَتمه بـ: "إنّنا من إيطاليا، نُطلق للعالم بَيانَ عنفِنا الساحق هذا، الذي نؤسّس به لِـ "المستقبلية"، فنحن نريد تحرير بلادَنا من هذه الغرغرينا النتنة للأساتذة، وعلماء الآثار ومؤرّخي العصور القديمة، وكل الشيشرونات(من الشاعر اللاتيني شيشرون) ".
ومن خلال البيان الفنّي، فسّر المبادئ الأساسية التي ينبغي توظيفها في الشعر، من جملتها: تدمير قواعد النحو، وترتيب الأسماء بعشوائية، كيفما أتت، دون أدوات تعريف، واستعمال صيغة المصدر والأفعال غير مصروفة لتتكيّف بمرونة مع الأسماء، وإلغاء النعت والظرف والحال، فالاسم العاري يحتفظ بلونه الأصلي، وحذف علامات الترقيم، وتدمير "الأنا" من الأدب، لأنها تعني النفسية...
من أهم تجليّات وتطبيقات هذا التيّار، قصيدة: "زانغ، تومب، تومب" Zang Tumb Tumb لمارينيتّي، ويمكن سماعها بصوته في الإنترنت.

وهناك مجموعة نقدية ترى في "الصّوتيّين"( I vociani) روادَ الحداثة الحقيقيين. إنهم أولئك الشعراء الذين تعاونوا مع مجلة "الصوت" La Voce من (1908إلى1916). وقد اهتموا من ناحية المضمون بموضوع التناقض بين حاجة فوضويّة للتمزّق والاختلال وتأكيد الذات الفردية وبين أخرى تطمح للأخلاق والنظام والتضحية والتضامن. أما من الناحية الشكلية فقد فضّلوا نوع القصيدة النثرية القصيرة، التي تتذبذب بين الأبيات والنثر الشعري. كما بحثوا عن تعبيرات جديدة مثلا :تجاور صفتين بشرطة، استعمال الأسلوب الاسمي، حيث تطغى الأسماء على الأفعال أو تختفي الأخيرة فيه تماما، الاستعمال المكثف للفعل بطريقة فعّالة، حادّة وجافة.
من جانِبَيْ الأسلوب واللغة، يتميز ريبورا ب"التعبيرية"، وقد سُرّح من الجبهة لمعاناته من مرض عُصابيّ ،استحوذ عليه نتيجة الأهوال التي لقيها في الجبهة، وهذه القصيدة المعبّرة "القِربان" من أشهر ما كُتِبَ في حقيقة الحرب الحارقة:

°أيها الجريحُ أسفل الوادي،
توسّلتَ طويلاً
حتى سقط من أجلكَ ثلاثة رفاق
كامِلينَ، يا منْ لمْ تعدْ أنتَ تقرياً،
بين الطين والدم
جذعًا بِلا ساقَيْن
وأنينك لا يزال
ارحمِ الباقين
نبعثُ حشرجة الموت والساعة لم تأتِ،
عجِّل الاحتضار،
يمكنك الانتهاء،
والرّاحةُ لكَ
في الخَرَف الذين لا يعرِفُ الجنون،
فيما تقفُ اللحظةُ
والنوم فوقَ الدماغ،
اُترُكنا في صمتٍ
شكراً لكَ، يا أخي."
وهناك فريق رابع وأخير يجد في جوزيپي أونغاريتّي Giuseppe Ungaretti (1888 - 1970) الممثل الرسمي للحداثة في إيطاليا، في مرحلته الأولى.
بعد هذا العرض، نصل إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى حيث أقلع معظم الشعراء والكتاب عن مواقفهم الاستفزازية ضد الدولة والمجتمع، ونبذوا روح القطيعة مع الماضي. وقد عرف "الطّّليعيون" فترة انتعاش قصيرة، بعد الحرب، إلى أن وصلت الفاشية إلى السلطة عام 1922 فحدثت نقطة تحوّل أدت إلى العودة إلى النظام.
هذه العودة إلى التقليد ظهرت مع مجلة "الدّورية" La Ronda من 1919 إلى 1923. و العنوان بذاته مهمّ لأنه يعارض مفهوم"الطليعة"، فالدّورية هي المسؤولة عن مراقبة وقمع غير الأسوياء وغير المنضبطين. وكان يمثلها ڤينتشينزو كارداريلّي الذي انتهى به مساره الشعري إلى تقليد نموذج جاكومو ليوپاردي ( 1798-1837). وهكذا أُغْلِق تيّار "تعبيرية" الصوتيّين ليترك المجال لعودة قصيرة إلى الكلاسيكية، بمعنى استعادة المعايير التقليدية.
تحت الفاشية, كان أمام الشعراء والمثقفين، عموما، اختياران: إما أن يكونوا "عُضوييّن"، تصادق عليهم السلطة، التي تمارس رقابة صارمة وتطالبهم بالدعاية لدعم النظام، أو الاستسلام والتخلّي عن أي التزام اجتماعي وسياسي، والانحصار في الكتابة لـ"نخبة". والثاني كان الطريق الذي سلكه أفضل الشعراء، الذين عادوا إلى "الشعر الخالص" الذي تبنّاه الرمزيّون. وفي هذه العودة سنجد أسماء لامعة مثل جوزيپي أونغاريتّي، سالڤاطوري كوازيمودو (نوبل 1959) وغيرهما...سيفتح هؤلاء الأبواب أمام موسم كبير من "الهرمسيّة" Ermetismo، وسط فلورانسا، تظهر معالمه في البحث عن نقاء غنائيّ، وأناقة شعرية، وفي أرستوقراطية تبرز في الإيقاع والقوافي التي تسترد النموذج الكلاسيكي، وفي لغة مفعمة بالرموز والتشبيهات والصور التي تستدعى الحواس السمعية، البصرية، الشمية والتعبيرات التلوينية، وفي هيكلة تساهم في خلق لغة محكمة "هرمسية".
لكن مع سقوط الفاشية (1943) وبداية فترة الحرب الأشد ضراوة، ستدخل الـ"هرمسية" في أزمة، تاركة المكان لتيّار جديد سيمتد إلى منتصف الخمسينيات وهو "الواقعية الجديدة" Neorealismo.
بعد هذه الاتجاهات البارزة التي أثّرت في الشعر الإيطالي وأبدعت روائعه، سنجد الأجيال اللاحقة تتأرجح بين حركات جديدة أو ترجع إلى أخرى قديمة أو تجمع بينها و تدخل في تجارب متعددة وغنية، محلية وعالمية، إلا أنّ حصرها أكثر تعقيدا لسبب بسيط وهو انعدام وجود أي مدرسة. وهنا يمكن الإشارة لنماذج من تجربة شعرائها الكبار أمثال پازوليني، مونطالي، لوزي ، ميريني، زانزوطّو وغيرهم.
وفي الأخير، يبدو من الضروري التأكيد على نقطة رئيسة للثقافة الإيطالية، وهي أن إيطاليا منذ نهاية القرن التاسع عشر عانت من اضطرابات حقيقية ـ لم تمر دون صعاب ـ بشأن توحيد محافظاتها المختلفة في دولة واحدة. وإذا عرف المشهد الأدبي تغيرا عميقا، فإن فنون إيطاليا ستحتفظ ببصمة جِهويّة مهمة جدا. وَواحدة من خصائص الشعر الإيطالي المعاصر هو أنه لم يتخلّ عن إسهامات "لغاته" المختلفة، بل بالعكس سعى لتسليط الأضواء عليها، فهناك شعراء اللهجة أمثال رافايلّو بالديني، جاكومو نوڤينتا، بل حتى پيير پاولو پازوليني وأندريا زانزوطّو استعملا اللهجة في القصيدة، أو بعض شعراء سويسرا الإيطالية مثل جورجو أوريلّي أو فابيو پوستيرلا ، الذين يظهرون مندمجين تماما في الشعر الإيطالوفوني ويسامهمون في تاريخه. بهذا الصدد، ينبغي اعتبار الشعر الإيطالي "مختبرا" دائما للغة ، فضلا عن كل الاتجاهات أو الحركات الأدبية التي وضعت علامات تطوّره. وهكذا أيضا، ندرك أنه منذ دانتي وپيتراركا على الأقل، لم تتوقّف أهمية الشعر في إيطاليا ـ أكثر من الرواية، ذات الواقع الحديث نسبيا ـ بل كان بؤرة الإبداع والبحث في اللغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل