الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الله عند الفلاسفة

أحمد القبانجي

2012 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو تصفحنا آراء الفلاسفة في مقولاتهم عن الله تعالى لوجدنا أن «الله» الذي يتحدثون عنه لا يعدو عن كونه خالقاً للكون وواجب الوجود وازلياً وأبدياً ولا تطرأ عليه الحوادث من العشق والغضب والعواطف وما الى ذلك، وهذا المعنى هو ما ورثه الفلاسفة المسلمون من فلاسفة اليونان كأفلاطون وارسطو، فالهدف هو اثبات أن لهذا الكون خالقاً مدبراً وانه واحد لا اكثر، بينما لا نرى مثل هذه الكلمات في الاديان السماوية ومنهج الانبياء في تعليماتهم اللاهوتية، بل نجد صياغة اخرى مختلفة تماماً عن صياغة الفلاسفة في دائرة وجود الله تعالى، حيث يشكل الوحي وكلام الله مع الانسان المحور الاساس لجميع المفاهيم الدينية وتعليمات الانبياء عليهم السلام للبشر، فالوحي يمثل الرابطة الخاصة بين الله والانسان، وكما قلنا أن مقولة الوحي لا تختص بالانبياء بل تمتد لتشمل كل فرد من افراد البشر، وعندما نقول أن الوحي هو محور العلاقة بين الله والانسان، فهذا يعني أن الله الذي أرشدنا إليه الانبياء يقيم علاقة خاصة مع الانسان بأن يتحدث معه على الدوام، ويرتبط برابطة عاطفية مع الانسان ويمتد الى قلبه ومحتواه الداخلي ليناجيه في سرّه ووجدانه، بينما إله الفلاسفة هو (العلّة الاولى) وواجب الوجود لا اكثر، وهذا المعنى يتساوى بين الانسان والحجر وسائر المخلوقات على السواء، فكما أن الانسان معلول وممكن الوجود، فكذلك سائر المخلوقات من جمادات ونباتات وحيوانات، فكلها من حيث الامكان والمعلولية على السواء ولا توجد رابطة خاصة حينئذ بين الله والانسان. واما الوحي فيقوم على وجود رابطة خاصة بين الله والانسان لا توجد في سائر الكائنات. وهذه الميزة تقوم في الاساس على وجود المحتوى الداخلي للانسان والبعد الروحي فيه خلافاً لغير الانسان، أي ان للانسان عالماً آخر في قلبه وروحه، ولا يوجد مثل هذا العالم المعنوي في المادة، وحتى بالنسبة الى الحيوانات التي تتمتع بروح حيوانية ويمكن أن يوحي اليها الله تعالى من وراء الغرائز والجواذب النفسانية لا تمتلك قدرة على التفاعل الحرّ مع الله تعالى، بل هي مأمورة كما هو الحال في حركة الجمادات وفق القوانين الطبيعة، وهذه الميزة الاساسية الخاصة بالانسان هي التي تجعله لائقاً للحديث مع الله تعالى وحديث الله معه على اساس من الرابطة العاطفية.
بينما على التصوير الفلسفي فرابطة الانسان مع الله هي رابطة الانسان مع شيء خارجي، فكما أن الانسان يقيم علاقة مع العلل الطبيعيّة لاستخدامها في قضاء حاجاته الدنيوية، فكذلك حاله مع الله تعالى والعلة الاولى، أي أنه يريد استخدامه في قضاء حاجاته فقط.
ومع الاسف فان هذه الحالة المتدنيّة في العلاقة مع الله تعالى هي الحاكمة في مجمل ارتباطنا مع الله تعالى من خلال الدعاء لاقامة ارتباط عاطفي مع الله تعالى أو لإشباع رغبة روحية في الاتصال بالله تعالى لمجرد الاتصال نفسه لا لشيء آخر، أي ان الهدف الاول والاخير من الدعاء يجب أن يكون هو الله نفسه، والدافع الحقيقي من وراء الدعاء يجب أن يهدف نحو التوجّه الى الله تعالى وطلب الاتصال به، لا أن نريده وسيلة وأداة لتحقيق رغباتنا وطموحاتنا اللامتناهية ويكون حالنا معه كحالنا مع العلل والاسباب الطبيعية التي نستخدمها لقضاء حاجاتنا، فنحن نطلب النار للتدفئة، ونطلب من السيارة أن توصلنا الى المكان الفلاني، فاذا تحقق الغرض المطلوب نتركها فوراً، وكما يقول بعض العرفاء اننا لا نعرف من الله سوى اسم «الرزاق» فنحن نريده ليرزقنا المال والصحة والعمر والامان وغير ذلك، والحال أن المفروض أن نفكر فيما يريده الله منا لأنه هو الذي خلقنا، وحتماً له غاية وغرض من هذا الخلق، فكما اذا أشعلنا النار فنحن نريد منها غاية معينة، واذا صنعنا سيارة فنريد منها غرضاً خاصاً، فنحن يحق لنا أن نطلب منها ونتوقع منها وليس العكس، فلا يصح للنار أو السيارة أن تتوقع من صانعها شيئاً سوى ما تؤدي وضيفتها تجاه الصانع، فلو لم يعطها ذلك، فهذا يعني انه ليس بحاجة إليها ولا يحق للمصنوع أن يتوقع من صانعه، ولكننا في علاقتنا مع الله نلاحظ العكس، فنحن دائماً نتوقع من الله تعالى ونطلب منه مع علمنا بأنه أرحم بنا من انفسنا وأعلم بنا منّا، فاذا لم يعطنا ما نطلب فذلك حتماً يعود الينا والى مصلحتنا، ومع ذلك فنحن نصر على ما نريد، وهذا التوقع هو السبب في زوال الحب والعشق في علاقتنا مع الله تعالى، فنحن نريده لنا ومن أجلنا، وعندما ندعي اننا نحبّ الله فهذا الحب يعود الى أنفسنا، أي اننا نحب انفسنا أولاً وبالذات، وبما أن الله يقضي لنا حاجاتنا فنحن نحبه ونريده، فالغاية الاولى والاخيرة من هذا الحب هو حب الذات لا حب الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم