الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاقيّة الأسد والأرنب

مصطفى القلعي

2012 / 12 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رفيقي السلفيّ
الرسالة الأربعون
اتفاقيّة الأسد والأرنب

رفيقي
إن كنت ستبحث عن هذه الحكاية في كتاب "كليلة ودمنة" فلن تجدها بنصّها، وإنّما ستجد مناخاتها. فهذا الكتاب بحّ صوته وهو يصرخ في حكاياته بأنّ العدل لا يكون مع تفاوت القوى. وأنّ أخلاق السياسة غير أخلاق الأدب والمجتمع والدّين. فحين دخل الثور إلى أجمة الأسد أُكل رغم العهود والضمانات لأنّ دخوله مخالف لشروط الطبيعة. وحين دخل ابن آوى النّاسك إلى أجمة الأسد ظُلم وكِيد له لأنّ أخلاقه تتعارض مع الأخلاق السياسيّة.
رفيقي
حين يتآخى الأسد والأرنب فهذا مخالف لقانون الطبيعة، أيضا. ولا يحدث هذا إلاّ في حدائق الحيوان المروّضة المعدّة للعرض الجماهيري. وليس فيها حدّ أدنى من التوازن والموضوعيّة. اتّفاقيّة الشريك المتميّز مع الاتّحاد الأوروبيّ هي اتفاقيّة الأسد والأرنب التي لم يروها راوي "كليلة ودمنة"، يا رفيقي.
رفيقي
كيف يسمح حليفك لنفسه بأن يعتبرنا معادين لمصلحة تونس لأنّنا نرفض اتفاقيّة الشريك المتميّز؟ وهو لا ينفكّ يقدّم نفسه صاحب الفوز العظيم باعتبار أنّه نجح في ظرف وجيز من تولّيه السلطة في ما فشل فيه سلفه في عقود. حليفك يدخل شراكة اقتصاديّة صناعيّة تجاريّة بلا اقتصاد ولا صناعة ولا تجارة! يلهث حليفك وراء الإنجازات الوهميّة لغايات انتخابيّة لا أكثر.
رفيقي
نحن لا نرفض هذه الاتفاقيّة. ولا نريد لك إلاّ الخير والرفاه. ولكنّنا نناقش الأمر بمنطق المصلحة الذي يفكّر به شريك حليفك المتميّز. ما مصلحة أوروبّا في أن تشارك ضعيفا متعثّرا مفلسا متداينا عاجزا عن الحياة خارج الهبات والقروض؟ هل ستضمن الاتفاقيّة حريّة التنقّل والعمل والملكيّة؟ كيف سيتبادل الصانع منتوجه مع من يملك نفس المنتوج ولكنّه أكثر جودة وأقلّ سعرا؟ لماذا يريد حليفك أن يصدّنا عن النقاش وعن مشاركته بالرّأي؟ هل له ؤيا استراتيجيّة تقرأ العلاقات الدوليّة في ضوء موازين القوى وحجم الثروة والقدرة التقنيّة والعلميّة؟
رفيقي
أبسّط لك الأمر؛ سلعة الشريك تأتي إلى أسواقنا وتعرض مع سلعتك في نفس السوق بأعلى جودة وأكثر إغراء وأقلّ ثمنا. على أيّ بضاعة ستقبل، يا رفيقي؟ ألا ترى أنّنا جميعا نتنقّل بين الباعة نبحث عن الماركات الأصليّة (original)؟ ألا ترانا جميعا نلهث وراء المستورد؟ رفيقي؛ أرجوك ادخل إلى مطبخك وحاول أن تتكلّم بالعربيّة! لن تستطيع لأنّ كلّ ما فيه غير عربيّ وليس من إنتاجنا. كلّ هذا ونحن لسنا شريكا متميّزا ولا تأتي إلينا بضاعتم بتسهيلات الشريك المتميّز. فما بالك لو صرنا شركاء وصارت بضاعته أمام أبوابنا. هل ستنافسهم في الصناعات الصيدليّة والكيميائيّة والتكنولوجيّة والمعمليّة والثقيلة والآليّة التي هي من اختصاصه؟ بِم؟ بصناعة سراويل الدجين وماسحات السبونتكس؟
رفيقي
إنّ هذه الاتفاقيّة لن تكون في خدمتك إلاّ متى ضمنت لك حدودا من التنافس. ولن تكون مفيدة إلاّ متى ضمنّا حماية لصانعنا ومنتجنا وفلاّحنا. سيُغرقوننا في السّلع، يا رفيقي. سنكتفي بالدهشة وبالاستهلاك وبالفسي والبراز. سندفع صانعينا إمّا إلى الانتحار وإمّا إلى الحرقة. سنفلس. وسنغرق أكثر.
رفيقي
لابدّ من حكومة قادرة على تثمين ثرواتها وعلى تحديد عناصر قوّتها اقتصاديّا حتى تتمكّن من بناء مفاوضاتها على شروط وعلى عناصر قوّتها. لابدّ من حكومة تصنع أسباب قوّتها وتعرف كيف تجبر الشريك على أن يطلب مشاركتها. كيف ذلك؟ هذا مربط الكفاءة والتمكّن اللذين يفتقد إليهما حلفاؤك.
رفيقي
نحن نريد أن تكون اتفاقيّة أسد مع أسد لا اتفاقيّة أرنب مع أسد. ولن يكون الأمر كذلك إلاّ متى بنينا اقتصادا قويّا قائما على توازن القطاعات ويوفّر حاجاتنا الذاتيّة جميعا وننتج بضاعة ممكننة متطوّرة تسبق شريكك، وتكون قادرة على المنافسة وعلى إغواء المستهلك الأوروبيّ. هذا المستهلك، اليوم، لا يهتمّ بغير الطعام الذي ننتجه والشمس التي تدفئنا. ونحن لم نقدر بعد على تحويل هذين العاملين إلى عنصر تنافس حاسم.
رفيقي
هل تريد أن تكون أرنبا أم أسدا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال