الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكار الله فى القرن العشرين

مجدى زكريا

2012 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" يسلم الناس بفكرة غياب الله وهم ينظمون حياتهم باسقلال, للخير او للشر, ودون اى اعتبار لله. " - مئة سنة من الجدال بشأن الله - مصادر الالحاد العصرى.
رغم ان الشجرة الباسقة تشكل للوهلة الاولى منظرا مؤثرا, لكنها تصير فى النهاية امرا اعتياديا. فوجودها يصير مألوفا, ولا يعود ارتفاعها يوحى بالرهبة.
والامر مماثل بالنسبة الى الالحاد. فمع ان انكار وجود الله سبب الكثير من الجدال خلال القرن ال19, الا انه لم يعد امرا يصدم او يزعج اليوم. فقد سمح عصر من التساهل للالحاد بان يتعايش سلميا مع الايمان بالله.
" يشير الالحاد فى بعض الاحيان الى مجرد الرفض او التجاهل العمليين لله. " تذكر دائرة المعارف الامريكية. ولهذا السبب يعطى قاموس اوكسفورد الانكليزى التعريف الثانى التالى للكلمة " ملحد ", " شخص ينكر الله ادبيا, شخص لا يعترف بشريعة الهية. "
نعم, يمكن ان يستتبع الالحاد اما انكار لوجود الله ولسلطته او كليهما.
ان رفضا كهذا لسلطة الله يمكن ان يعود الى الزوجين البشريين الاوليين. فقد اعترفت حواء بوجود الله, لكنها ارادت ان تكون كالله عارفة الخير والشر. والمعنى الضمنى لذلك هو ان تتمكن ان تكون سيدة نفسها وتسن شرائعها الادبية الخاصة. وانضم ادم اليها فى ما بعد فى هذا الانكار لسلطة الله.
وهل هذا الموقف سائد اليوم ؟ نعم. ان الالحاد الخبيث ظاهر فى التماس الاستقلال. " سئم الناس اليوم من العيش وعينا الله تراقبهم ". يذكر كناب مئة سنة من الجدال بشأن الله - " انهم يفضلون ان يعيشوا فى حرية. "
ان افظع انكار لسلطة الله يصدر عن رجال دين العالم المسيحى الذين استبدلوا حقائق الكتاب المقدس النقية بالتقاليد البشرية الصنع. وبالاضافة الى ذلك, ساندوا الحروب الاكثر اراقة للدماء فى القرن العشرين, رافضين بالتالى وصية الكتاب المقدس باظهار المحبة الحقيقية.
وايضا انكر رجال الدين الله بادارة ظهورهم لمقاييسه الادبية - كما هو واضح, على سبيل المثال, من السيل المستمر من الدعاوى القضائية ضد كهنة مضاجعى اولاد. وتشبه حالة العالم المسيحى حالة يهوذا واسرائيل القديمتين. " امتلأت الارض دماء وامتلأت الارض عنفا. " قيل للنبى حزقيال, " لأنهم يقولون الرب قد ترك الارض والرب لا يرى "ولا عجب ان كثيرين هجروا كنائس العالم المسيحى كليا. ولكن هل ينبغى ان يهجروا الايمان بالله ؟
سواء لاحظ ملحدون كثيرون الرياء الدينى او لا, لا يمكنهم ان يوفقوا بين الايمان بالله والالم فى العالم. قالت مرة سيمون دو بوفوار : " وجدت الايمان بعالم دون خالق اسهل من الايمان بخالق يحمل عبء كل تناقضات العالم. "
هل تبرهن مظالم العالم - بما فيها المظالم التى يثيرها المتدينون الريائيون - انه لا يوجد الله ؟ تأملوا فى ما يلى : " اذا جرى استعمال سكين من اجل تهديد, ايذاء, او حتى قتل شخص برئ, فهل يبرهن ذلك انه ليس للسكين مصمم ؟ ألا يظهر بالاحرى ان الشئ استعمل بالطريقة الخاطئة ؟ وبشكل مماثل, يبرهن الكثير من الحزن البشرى ان البشر يسيئون استعمال قدراتهم المعطاة من الله وكذلك الارض.
لكن كثيرين يعتقدون انه من غير المنطقى ان نؤمن بالله لاننا لا نراه. ولكن ماذا عن الهواء, الموجات الصوتية, والروائح ؟ لا يمكننا ان نرى ايا من هذه الاشياء. ولكننا نعرف انها موجودة. فرئاتنا, اذاننا, وانوفنا تخبرنا بذلك. وطبعا, اننا نؤمن بما يرى اذا كان لدينا الدليل.
بعد التأمل فى الدليل الفيزيائى - الذى يشمل الالكترونات, البروتونات, الذرات, والحموض الامينية, والدماغ المعقد - اندفع العالم فى العلوم الطبيعية ارفنغ وليم كنوبلوخ الى القول " اننى اومن بالله لأن وجوده الالهى بالنسبة الى هو التفسير المنطقى الوحيد لوجود الامور كما هى عليه. " وعلى نحو مماثل, يذكر الفيزيولوجى مارلن بوكس كرايدر " بصفتى كائنا بشريا عاديا وايضا بصفتى رجلا خصص حياته للدرس والبحث العلميين, ليس لدى ادنى شك فى وجود الله. "
ان هذين الرجلين ليسا الوحيدين, فاستنادا الى البروفسور فى الفيزياء هنرى مازغنو, " اذا تأملتم فى العلماء البارزين, تجدون ملحدين قليلين جدا بينهم. " فلا تقدم العلم ولا فشل الدين يلزم ان يرغمانا على هجر الايمان بخالق. وهناك سبب.
سنة 1803 كتب رئيس الولايات المتحدة توماس جفرسون : " اننى حقا اعارض فساد المسيحية, انما لا اعارض الوصايا الاصيلة ليسوع نفسه. " نعم, هنالك فرق بين العالم المسيحى والمسيحية. فالكثير من عقائد العالم المسيحى مؤسس على تقاليد بشر. وبالتباين مع ذلك, تؤسس المسيحية الحقة معتقداتها على الكتاب المقدس وحده. لذلك كتب بولس الى الكولوسسيين فى القرن الاول انه يجب ان يكسبوا " المعرفة الدقيقة " " الحكمة " و " الفهم الروحى ".

ترسيخ جذور الالحاد
فى اواسط القرن ال18, اوكل الى الفيلسوف دينيس ديدرو ان يترجم موسوعة من مجلد واحد من الانكليزية الى الفرنسية. لكن عمله فاق كثيرا توقعات رب عمله. فقد قضى ديدرو حوالى ثلاثة عقود فى تأليف الموسوعة الفرنسية التى له. عمل من 28 مجلدا عرضت فيه روح ذلك العصر.
ورغم ان الموسوعة الفرنسية احتوت على الكثير من المعلومات المفيدة, فانها ركزت على الحكمة البشرية. ووفق مجموعة الكتب التى تحمل العنوان عصور الانسان العظيمة, " تجاسرت على الكرازة بعقيدة الفلاسفة المتطرفة القائلة بأن الانسان يمكن ان يحسن نصيبه فى الحياة اذا استبدل الايمان بالعقل كمبدأ مرشد له. " وغاب ذكر الله بشكل واضح, باختيارهم " المواضيع " يقول كتاب التراث العصرى, " اوضح المحررون ان الدين لم يكن احد الاشياء التى يحتاج الناس الى معرفتها. " ولا عجب ان الكنيسة حاولت حظر الموسوعة الفرنسية. واعتبرها المدعى العام مدمرة للسياسة, الاداب, والدين.
ورغم اعدائها, طلب الموسوعة الفرنسية التى لديدرو حوالى 4,000 شخص عدد مذهل بالنسبة الى سعرها الباهظ, وكانت المسألة مسألة وقت قبل ان يتطور هذا التيار الالحادى المعارض الى انكار الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع