الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيرة الجمال والنضال في مذكرات النصير الشيوعي العراقي فيصل عبد السادة الفؤادي

نجم خطاوي

2005 / 3 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


مسيرة الجمال والنضال في مذكرات النصير الشيوعي العراقي
فيصل عبد السادة الفؤادي ( أبو رضيه )
نجم خطاوي (رياض قه ره جوغ)


فكرة محيرة راودتني وعذبتني قبل شروعي بقراءة هذا السرد الجميل والبسيط لسيرة صاحبي ورفيقي في الكفاح أيام الجبال والسفوح في كردستان العراق ثمانينات القرن الذي مضى . كيف لي أن أبعد عن أحاسيسي ومشاعري ذلك الانحياز لهذه السفوح والجبال والقرى والناس , والتي شاركت صاحبي عيشها بكل تفصيلاتها . وكانت قراءة عسيرة وممتعة . عسرها محاولتي قراءتها دون انحياز . ومتعتها تلك الصور الجميلة والمدهشة التي لونها هذا الشيوعي العراقي القادم من عذاب ووجع مدينة الحرية في بغداد صوب كردستان , ليكون له ولرفاقه الفخر, لشروعهم في تشييد تلك البيوت الطينية البسيطة على ضفاف نهر الخابور , والتي سيبدءون منها لاحقا الكفاح ببنادقهم وإصرارهم , تلك الوجوه العراقية الحالمة بدولة الحق والعدالة .



لقد أراد صاحبي تدوين تلك الدقائق والساعات والأيام لزمن لم يكن سوى الألم والمرارة ثوبا له , ولكن كان الفرح والحلم حاضرا فيه أيضا .

يبتدأ فؤاد القص في تمهيده لكتابه ( مذكرات نصير – مسيرة الجمال والنضال ) :

( هل لي الحق في كتابة مذكرات , أنا الإنسان العادي والبسيط ؟ فقد تعودنا على قراءة مذكرات الزعماء والسياسيين وقادة الأحزاب والثوريين المعروفين ) .

القارئ سيصاحب هذا النصير من تمهيده وحتى تلك الصور البليغة والمؤثرة لأولئك البشر, والتي منحنا الكاتب فرصة التعرف على ملامحهم . وسيقرأه في متعة , وسينحاز له وينصفه ويعطيه الحق في أن يدون لنا وللأجيال القادمة تلك الأيام بكل تفصيلاتها , مرها وحلوها , نورها وظلمتها , أحزانها وأفراحها ,الصواب فيها وأخطائها .

نحن شهود زمن ستقرأه الناس ذات يوم في روية وأنصاف , وستقول كلمتها في حق تلك النساء الباسلات والرجال الأشداء الذين سطروا ملاحم وبطولات في سبيل أن يكون العراق جميلا وحرا .



لا يمكن الحكم على اللغة التي كتب بها فؤاد سيرته الجمالية والنضالية في سفوح كردستان العراق , والتي امتدت بين تشرين الأول 1979 وآب 1988 , من حيث رصانتها وقيمتها الأدبية , بسبب كون الكاتب يشرع في الكتابة وبهذا المستوى للمرة الأولى , رغم اهتماماته الثقافية المبكرة , ودراسته في كلية الآداب في بغداد . ولكن البساطة والصدق وحرارة المشاعر وتوهج الكلمات والدلالات الحية والعميقة لكل مفردة وصورة , قد أضفى ملامح نص يقترب إلى النص القصصي والروائي , رغم بساطته وافتقاره إلى الحنكة في السرد و ضعفه في استخدام المعرفة والتكنيك لتجميل وتكوين صورا وفصولا أكثر اكتمالا وروعة .



خمسة فصول وفق فؤاد أن يختصر فيها كل آلامه و عذابه وتجاربه ومشاهداته يشرع فيها بوصف وقص سيرته مبتدأ بتلك الأيام حيث شهد العراق حملات إرهاب وحشية أواخر عام 1978 , وحتى أيلول 1988 , يوم تركه كردستان , وبعد هجوم الجيش العراقي والمرتزقة من أبناء المنطقة .

في الفصل الخامس وفي باب الانسحاب ووداع كردستان , يصور لنا النصير ( أبو رضيه ) , وهكذا كان اسمه في تلك الأيام , يصور لنا وبمرارة تفاصيل تركهم لمناطقهم صوب الحدود مرورا بالقرى (كلما ابتعدنا كانوا يبدون وكأنهم خلفنا مباشرة والقصف كان يشتد أكثر فأكثر . لم نكن نرى في القرى التي نمر بها غير الحيوانات و وأكثرها كان الدجاج . كنا نتلمس القدور في البيوت فنراها ما زالت ساخنة والطعام أيضا ما زال ساخنا لم يلمسه أحدا . لقد رحل المدنيون الكرد ) .

نحن هنا لا نقرأ سيرة ذاتية محضة وذاتية , بل نقرأ سيرة الناس الذين عايشهم هذا النصير الشيوعي العراقي , وقاسمهم صحن الطعام والشوربة واللبن الحامض والخبز والبرد والخوف والتحدي والسهر ووجع الجسد والحرمان , وكل تلك الأحلام الجميلة .



لم تكن كتب السياسة والحكام والدواوين معينا للناس للتعرف على تاريخهم وتفاصيل كفاح أبناء جلدتهم , وكان الشعر والقص الأدبي والسرد دوما الصورة الناصعة لتدوين هموم الناس وكفاحهم من أجل الحرية والعيش في كرامة . وسوف لن أجافي الحقيقة حين أقول بأن مسيرة الشيوعي العراقي فيصل عبد السادة الفؤادي الجمالية والنضالية ستوثق لفصلا من تاريخنا الذي ستفخر به الأجيال وهي تقرأه عبر هذا الكتاب .

ستقرأ ملاحم تلك النسوة والرجال وهم يخطون لمسيرتهم الطويلة 1980 في مخيم البلداوي في طرابلس لبنان , وبعد السند الذي قدمته لهم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين , ومن ثم تحولهم لبيروت , ومنها إلى كردستان العراق, عبر سوريا وتركيا .

وهنا استوقفتني تلك اللحظات التاريخية يوم وصول المقاتلين لأرض الوطن , والتي صورها الكاتب بكل صدق ودهشة , وكنت سأمر بمثل هذه اللحظات وعبر هذه الأرض , بعد عامين من دخول صاحبي .

يصف فؤاد تلك اللحظات :

( كلما اقتربنا أكثر كان الدليل يشير إلى الحدود العراقية ويصف لنا القمم الجبلية والوديان .كان المسير بالنسبة لنا ليس سهلا , خاصة ونحن في ملابسنا المدنية التي لا تستعمل في تلك المناطق . بعد ذلك تحولنا إلى المناطق المحاذية للأراضي العراقية مقابل ( مركه ) إلى أن اجتزنا نهرا صغيرا عرضه حوالي أربعة أمتار . هذا النهر هو الحد الفاصل بين الحدود التركية العراقية . في الجانب التركي من النهر يمتد سهل أكبر من السهل الذي في الجانب العراقي الذي تمتد في طرفيه قرية ( يك ماله ) الحدودية للطرفين . حين اقتربنا من هذه القرية أشار الدليل إلى آمر المجموعة " تلك هي الأراضي العراقية " . تبادلنا عناقا حارا جميلا و بعضنا بكى . كانت مشاعرنا جياشة لا يمكن وصفها , قبلنا الأرض . )

هنا الصورة لا تتحدث عن بشر وأرض مجردين , هنا الدلالة كبيرة وعميقة , فالأرض هي وطن يريدون أن يفصلوه عن ناسه وبقوة وعنف , وناس يستشعرون طعم الخطوة وهي تطأ التراب ثانية .

يمضي بنا الكاتب لنتعرف على تفاصيل نقلهم الحجر والتراب لتشييدهم تلك الغرف الطينية , ومن ثم التعرف على ملامح المكان , وكيف كانت أعداد الرفاق والمقاتلين تصل متلاحقة تاركة بلدان المنفى والعيش الرغيد , ليزداد عددها , ومن ثم تشرع للتجوال في المنطقة القريبة , ولا حقا في القيام بعمليات عسكرية بطولية .



يكون من العسير جدا استعراض كل تفصيلات هذا القص الجميل والذي لو قدر لأهل السينما التعرف على تفصيلاته لأبدعوا في نقله لعشاق هذا الفن وللناس . وسأكتفي في نقل صورة مؤثرة سطرها الكاتب لمشاعره وهو يشهد مرض صديقه ورفيقه النصير فائز

( كنا متعبين وجائعين جدا , ولكن رفيقنا المريض ازدادت حالته سوءا . بدأت تنتابه حالات متواصلة من الارتجاف . لم نكن نعرف ما الذي أصابه , ما هو مرضه . كنا نرى أن الحرارة المرتفعة قد أنهكته . مع اشتداد المرض أدرك الرفيق أن ما يحدث له هو آمر خطير , وأن الخطر جدي . لقد غطت وجوه الرفاق موجة من الحزن وأنا بشكل خاص حين قال لي :

( بلغ الرفاق تحياتي ) , ثم نطق اسمه الصريح . ومع أنني شديد الصبر ورغم محاولتي لطمأنته بأن الأمور بسيطة , إلا أن دموعي أخذت تسقط دمعة أثر دمعة , بعدها انهمرت بحيث لم أعد السيطرة عليها . لم أكن أعرف ماذا أعمل ) .



لم يبق لي سوى الامتنان لصاحبي ورفيقي في الكفاح الذي سبقني في تدوين وتوثيق مذكراته , وهي مذكرات لبصمات الأنصار الذين خاضوا النضال في سفوح كردستان وبالأخص في مناطق بهدنان . وهذا السرد الجميل سيكون حافزا لنا نحن اللذين خضنا تلك التجربة المريرة في أن نقول أيضا ونحكي عن تلك الصور والملاحم التي لم تسعها مذكرات النصير فيصل عبد السادة الفؤادي ( أبو رضيه ) .



السويد

14 آذار 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi


.. لماذا طالب حزب العمال البريطاني الحكومة بوقف بيع الأسلحة لإس




.. ما خيارات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة عمليات الفصائل الف


.. رقعة | كالينينغراد.. تخضع للسيادة الروسية لكنها لا ترتبط جغر




.. Algerian Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الجزائر