الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هم المنافقون (1)

المرتضى إعمراشا

2012 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من هم المنافقون ؟ (1)

إن النفاق لا يتجلى في "الكفر" إنما يتجلى في "الإيمان" ، فمن كان "كافرا" لا يمكن أن يتهم بالنفاق ، لكن المؤمن قد يتهم ! ، كذلك لا يظهر في الدعوة إلى الكفر ! إنما يظهر أكثر في الدعوة إلى الإيمان .. هذه قاعدة نص عليها القرآن والسنة والتاريخ ، لكن أرادها الفقهاء عكس حقيقتها .
هدم النبي صلى الله عليه وسلم "مسجد الضرار " وهو مسجد (شعار ديني ) وصيّره مزبلةً ، هل كان الرسول ضد المساجد ؟ لا .. فالمؤسسة الموافقة مظهريا لا تعني بحال الإنتساب لصاحبها بالأصل ، كما قتل الإمام علي عليه السلام الخوارج وهم لم يريدوا إلا تطبيق الشريعة زعموا واتهموا الصحابة رضي الله عنهم بالكفر واستباحوا دماءهم ، ورفعوا شعارا دينيا ( إن الحكم إلا لله ) يدعون الناس به إلى العودة إلى الدين والإيمان ، وكلا الطائفتين من المنافقين ، سواء التي بنت المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو من دعت لتطبيق الشريعة في عهد الإمام علي ، وثبت بأحاديث صحيحة أن الخوارج من المنافقين ، بل نص عليه القرآن ! راجع تفسير ( ومنهم من يلمزك في الصدقات.../التوبة ) ، إذن فأكثر النفاق الذي حاربه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذر منه لم يكن يرفع شعار "الكفر" ، بل كان يتجلى باسم الدين ونصرة الإسلام ، وأكثر المنافقين كانوا من العلماء والحفاظ والمصلين وهذا على مر التاريخ ، لا العكس كما أوهمونا ، وفي الحديث الصحيح ( أكثر منافقي أمتي قراءها ) ، وأول من تسعر بهم النار ، لكن كي يبعد العلماء والفقهاء تهمة النفاق عنهم تسلموا زمام التصنيف ، ليقولوا للناس أنتم منافقون أنتم ضالون .. طبعا قاصدون بذلك أن يقولون نحن الأفضل ، ونسيت الأمة حديث ( أخوف ما أخاف على أمتي ، منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ) ولم يقل ضد القرآن أو يحارب القرآن ، بل يرفع القرآن على رأسه وسيفه ، فإذا حذّرنا واحترزنا من المنافقين اليوم وبحثنا عنهم فسنجدهم أكثر فيمن يرفعون "الإسلام هو الحل" والدعوة إلى تطبيق الشريعة ، في زمن طغى فيه الجوع والبطش والجهل ، أيعقل أن يسبق حد السرقة عمارة الأرض ؟ وحد الزنا توفير فرص الشغل ؟ لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الفقر والكفر فقال ( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ) ، بل قال ربنا : (الشيطان يعدكم الفقر) وروي عن بعض الصحابة (كاد الفقر أن يكون كفرا ) و في كل التاريخ لم تأتي الهزائم والدسائس إلا عبر طريق المسجد والمشايخ والزوايا ، ولم يستغل الإحتلال شيئا أكثر من إستغلال الحمية والعصبية الدينية ، وأقرب شاهد العراق وإيران ولبنان وسوريا اليوم ، لكن الأمة لاتتعلم ، وتركت الحبل على غارب كل من أحسن هندامه ولحيته و رفع شعار "احذروا أعداء الدين" .

الدين لا يحتاج من يدافع عنه فقد حفظه الله عز وجل ، والدين غرسه ربنا في فطرة كل إنسان وشهدنا به (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة / سورة البقرة ) ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم / سورة الروم ) ، لكن الذي نحتاج لحمايته والذود عنه هي أرواحنا التي تذهب هدرا باسم الدين المفصل على أهواء الطغاة وخالصة لوجه الله ! كما يدعون ، واقرؤوا التاريخ يا مسلمون ، فالذين قتلوا عثمان رضي الله عنه قتلوه باسم الله ، والذين قتلوا عليا قتلوه باسم الله ، كما قصفت الكعبة و استبيحت مكة والمدينة عدة مرات وقتل الآلاف من الصحابة والتابعين والصالحين في الامة باسم الله ولأجل دين الله زعموا وقالوا عن عبد الله بن الزبير ملحد واتهموا من خالف المؤسسة الدينية الرسمية بالزندقة والردة ، وسجن العلماء وقتلوا وقتل المسلمون بعضهم البعض باسم الله ، وهذه الأمة مع ذلك لم تتعلم و تبقى منساقة وراء الشعارات البرّاقة وتجر بعاطفتها الدينية وهم يظنون أن المشايخ صادقون ، وقد يكونون صادقين حقا ، لكن ليس الصدق وحده كافيا ، فالخوارج المارقون أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فوصف من عبادتهم ما بلغ درجة أن يحقر الصحابة عبادتهم إلى عبادتهم ومع هذا هم كلاب أهل النار ، لماّ لم يراعوا الواجب في الواقع وقدموا فهمهم النص على الواقع المشهود فضلوا وأضلوا ، فأزمتنا ليست أزمة شح النصوص أو خلافا على قدسيتها ، إنما كل الأزمة في تنزيلها على الواقع و إجبار الناس على بناء المسجد قبل حفر الآبار ، أنّى لهم بماء ليتوضؤوا ؟ ، إذا لم تبني دولة عادلة فلن يخشع الناس في صلاتهم ولن يرفعوا السلاح في وجه العدو الخارجي إنما في وجه بعضهم البعض وسيأتون لسماع خطبة الجمعة وقد ملؤوا كمدا وحسرة طلبا في الرزق الذي ضيقت الدولة أبوابه إلا عبرها وفقد الأمان ، لذلك فالحذر الحذر من أن تضللنا الشعارات الدينية التي ما تغيرت عبر التاريخ و أصبحنا نسمعها اليوم في البرلمانات و المنتديات وكأننا التحقنا بجيل الصحابة ، كلا ما هذا بدين محمد صلى الله عليه وسلم ..
وفي كتب التاريخ أن يزيد بن عبد الملك الأموي لما ولي الخلافة بعد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، أراد أن يسير في الناس بطريقته فبقي على ذلكم أياما فجاءه ثلاثون عالما من العلماء ، فحلفوا عنده أنه ليس على خليفة حساب ولا عذاب ، فعاد لفجوره وظلمه " وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها " .. وإلى الآن نراهم مع السلاطين هم أكثر من يزينون أعمالهم وظلمهم للناس ، بل ويأمرون بقتل العلماء من خصومهم في المذهب لا لشيئ إلا حسدا وعصبية دينية .
إن منهج الإسلام هو إقامة العدل أولا وبه تستدر خزائن الرحمن ، فإن جمعنا الإيمان والعدل مكنّا في أرضنا وإلا فلننظر إلى أوربا " الكافرة " اليوم ، وما يغدق ربنا عليها من أمطار لأنها إقتربت من العدل الإلهي أكثر من دولنا التي رفعت الشعار وأفسدت المضمون ، لذا نجد تعامله سبحانه مع الأمم بحسب عدلها ولم يهلك الله قرية لكفرها به أبدا ، إنما أهلكهم لظلمهم للعباد وجورهم ، انظر تفسير قوله تعالى ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) "وأهلها مصلحون أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق ; أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد .../ تفسير القرطبي " ..
وما قل وكفى خير من الإملال بالإسهاب والله المستعان ، فكم سنحتاج من دماء لتسفك حتى نعي مراد ربنا منا ..
وللحديث بقية وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
الكاتب : المرتضى إعمراشا / إمام وخطيب مسجد ( إقليم الحسيمة / المغرب )
الصفحة الرسمية :
https://www.facebook.com/Tifinagh.rif








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا