الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا ... حرملة العصر

ياس خضير الشمخاوي

2012 / 12 / 12
المجتمع المدني


يا دجلة الخير... يا نهر المحبة ...
يا أجمل علامة فارقة ... في خد الرافدين يا دجلة .
تراث وفكر وممالك ... وحبات رمل تحاكي الطبيعة .
نذور وطقوس أقدم من نهر الكنج ... ولدت على أكتاف دجلة .
حكايات منذ خضر الياس عمرها ، حيث شموع الغائبين تعانق أمواج النهر ودموع الرجاء تهمس في أذن الراحلين بلا موعد .
عمق البحار جراحاتك ...
جففوا صدرك ... قطّعوا أثداءك ....
وأنت صابرة ... بطول الأرض صبرك .
طبول الحرب تقرع ونذير العطش آتِ ....
فأين أبناءك يا دجلة !؟
حرب المياه وقعت وبات الظمأ وشيكا إذ أنّ الحكومة التركية لازالت تصر على أن الماء ليس ( H2O ) بل هو السيد المقدس ( Oil ) وأنها الوريث الشرعي الوحيد لهذا السيد ، كما أنهم أحرار بنفطهم على حد مزاعمهم من سليمان ديمرل والطيب اردوغان إلى مسعود يلماز، حيث أعلنوا وكرروا على (( أن مياه دجلة والفرات هي نفطنا ، وأن كان هناك من يقاسمنا نفطه فنحن على استعداد ان نقاسمه مياهنا )) .
وبتلك الصفاقة وهذا الأستخفاف والغباء قد ضرب زعماء الترك كل المعاهدات والمواثيق الدولية عُرض الجدار ونفوا أي حق شرعي أو قانوني لجارتيها سوريا أو العراق من منعهم في بناء السدود على ضاف النهرين حسب ما جاءوا به من تصريحات رسمية على لسان مسئوليهم سيما بعد تطورات الأزمة السياسية خلال الشروع ببناء سد ( أليسو ) المطل على نهر دجلة في منطقة وادي ( حسن كيف ) المتاخمة للحدود العراقية ، مدعين أن النهر ينبع من الأراضي التركية وأن حق السيادة يمنحهم وضع السيطرة عليه والتحكم بمياهه ومجاريه دون الرجوع لأي جهة دولية أو إقليمية .
ولكن هل لتلك السيادة سند قانوني يسمح للحكومة التركية أن تركل بأقدامها معاهدة صلح لوزان لسنة 1923 والبروتكول رقم (1) وكل الأتفاقيات والمعاهدات التي تلتها ، أم أنه أمر دبّر بليل لذبح الشعب العراقي !؟ .
وما الذي يجعل المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية تتمطى بكسل وتنظر إلى كل تلك القرارات والمعاهدات المعترف بها والمصادق عليها دوليا وقانونيا بجفون ملؤها النعاس والكرى !؟ .
وما الذي يلجم الجامعة العربية للذود عن عطش سنبلات العراق وتصحير أراضيه وقتل أبناءه ظمأ ، والغول التركي قد أنشأ سدودا على نهر الفرات بعدد دولها !؟ .
لاشك أن المسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه الشعب العراقي لكل من تلك الهيئات الدولية والعربية والإقليمية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني ، تحتم عليهم إرغام الجارة المسلمة تركيا على الألتزام بالمواثيق والعهود الدولية سيما وأنها مرتبطة مع العراق بعلاقات حسن الجوار واحترام حقه الشرعي وفق المنطوق الدولي الموجب بعدم التجاوز على خرق قانون الدول المتشاطئة .
ولابد من تذكيرها بالمادة رقم (3) من الأتفاقية التي عقدتها الدولتين المنتدبتين آنذاك بريطانيا وفرنسا على العراق وسوريا سنة 1920 لتنظيم المياه وعدم الإخلال بنسبة المياه المتدفقة للدول الأسفل مجرى النهر أذا ما عزمت تركيا أنشاء سدود أو خزانات حول نهري دجلة أو الفرات .
أضافة إلى شرعية أستمرارية بنود أتقافية لوزان وموافقة العراق عليها بعد الأستقلال وفق ما نصت عليه المادة رقم (109) ثم تلاها بروتكول رقم (1) بين الجانبين التركي والعراقي المتعلق بكيفية أقامة السدود وفق الأتفاق والمواصفات التي يجب أن لا تفضي إلى كوارث أقتصادية أو بيئية أو إنسانية ، وقد تحمل العراق معظم نفقات تكاليف تلك المشاريع لأقامتها على الأراضي التركية ، وقد أكد الجانب التركي على إيفاءه بتلك الألتزامات وتعهد على أبلاغ الحكومة العراقية وإطلاعها على مقاييس مناسيب المياه بشكل منتظم من خلال محطاته عملا بموجب الفقرة رقم (6) من البروتكول نفسه .
وتأسيسا على ذلك وحسب الأتفاقيات المعمول بها والمصادق عليها من قبل محكمة العدل الدولية والمعترف بقراراتها من قبل منظمة الأمم المتحدة ، لا يحق لأي دولة من الدول ذات الأنهار الدولية أو المشتركة ، القيام بإنشاء سدود أو خزانات ما لم تطلع عليها الدول المتشاطئة مع أشتراط حصول موافقتها .
وأن لعدم أعتراف الحكومة التركية بدولية نهري دجلة والفرات بحد ذاته ، كافيا لأدانتها ، وذلك لتلاعبها بالتعريفات القانونية للأنهار وعدم أحترامها الأعراف الدولية ، حيث تزعم أن دجلة والفرات نهران وطنيان عابران للحدود وليس ضمن الأنهار الدولية ، مضيفة إلى أنه ما من نص قانوني واضح يلزمها بذلك ولها الحق أذن بيع وأستغلال مواردها المائية وفق ما يخدم مصالحها ويطورها دون الألتفات لمعارضة أيّ من الدول المتشاطئة معها ، وهذا ما أكده بالفعل وزير خارجيتهم الأسبق لحكام تل أبيب ( حكمت تشتين ) خلال زيارته لإسرائيل سنة 1992 مشيرا إلى أن تركيا على أستعداد أن تبيع صديقتها إسرائيل الكمية التي تحتاجها من المياه .
وقد أكد ( سليمان ديمرل ) أيضا أكثر من مرة ، أن القانون الدولي لا يلزم بلاده في التوقيع على أي وثيقة حول الموارد المائية ولكنهم ملزمين من باب الأنصاف والعدل الإنساني على عدم ألحاق الضرر الجسيم في الدول التي يعبرها المجرى المائي .
هكذا ينظر ( ديمرل ) إلى أن المسألة أخلاقية وليس قانونية موجبة للألتزام من طرفهم ، وقطعا نعم الأخلاق التي يتحلى بها هذا الرجل الذي يعطش الملايين ويهجر القرى ويميت الحيوانات ويتلف المزروعات ويقطع أرزاق الناس ويغدق بما شاء على بني صهيون !!.
ويسبقه ( أوزال ) الرئيس التركي الأسبق بنفس الأخلاق الحميدة أيضا بتصريحه الشهير سنة 1991 (( إن لم يصدّر العراق نفطه عبر الأراضي التركية فلن ينتظر أن يكون هناك ماء )) .
ووفق تلك المعايير، معايير ( حرملة ) والخلق الوضيعة والقياسات الجديدة التي تضعها تركيا ، على الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أذن ، أن تنفي صفة الأنهار الدولية عن ( الراين والدانوب والنيل والمكسيك ) وغيرها من الأنهار أسوة بنهري دجلة والفرات وتبيح لكل الدول المتشاطئة حرية النهش والعض والشفط على الطريقة التركية الحديثة .
إذ لا حقوق ولا شرعية ولا مواثيق محترمة في شريعة بني أرطغرل .
فبكل وقاحة تنصلوا عن المواثيق والمعاهدات الدولية ليضيفوا جرما آخرا إلى سلسلتهم الإجرامية في زعزعة أمن واقتصاد البلد واللعب بمقدرات الشعب .
بالأمس القريب كانت توقع مع العراق بروتكول عام 1987 تضمن عدة بنود كان من بينها منح العراق حصته الكافية من مياه الفرات وقد تم توثيق جميع البروتكولات لدى الأمم المتحدة في السادس عشر من شهر تشرين الأول لسنة 1994 بموجب أحكام المادة (102) من الميثاق .
ثم تلاه اتفاق عام 1989 الموثق لدى الجامعة العربية بموجب المرسوم رقم (3) في العاشر من أبريل لسنة 1990 حيث أتفق الطرفان على تزويد العراق من المياه بنسبة تتراوح بين 42% إلى 58% .
ومن ثم أتفاق دولي آخر تم عقده في دمشق بحضور رئيس الوزراء التركي في شهر كانون الثاني عام 1993 حيث تم الاتفاق على تقاسم مياه الفرات بين الدول الثلاث وتم توثيقه أيضا لدى الأمم المتحدة .
وكل تلك الأتفاقات أصبحت لا قيمة لها على الرغم من جور بعضها بحق الشعب العراقي ، وأي معاهدة يمكن لها أن تمسي حبرا على ورق من جانب الحكومة التركية أذا ما شعرت تلك الحكومة أنها لا تصب في مصلحتها السياسية أو الأقتصادية .
المسألة باتت واضحة ، من أنها مؤامرة لأستنزاف الثروات وتجويع الشعب العراقي وقتلهم بدم بارد بكل الوسائل المتاحة ولا تفرق أن كانت بآلة عسكرية أو حرب طائفية ، بتجفيف الأنهار أو تجفيف الضمائر ، المهم أنك تموت أو يموت ضميرك على الأقل .
مؤامرة كبرى لابد أن يتنبه لها الشعب العراقي والساسة العراقيين ، إذ عليهم أن يحثوا المجتمع الدولي في مقاضاة الجانب التركي لدفع تعويضات نتيجة الدمار والخسائر التي خلفتها وراء غطرستها وأنتهاجها العدواني بتصحير أراضيه وتعريضه إلى كوارث بيئية وصحيه وأقتصادية من جراء خفض حصتنا من المياه إلى النصف .
ولازال لدى منظمات المجتمع المدني والمواطنين والمؤسسات ذات العلاقة متسع من الحق أن يرفعوا شكوى لمنظمات حقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو لضم نهر دجلة إلى قسم المحميات التراثية لمنع أكمال سد ( اليسو ) حيث أن الأتراك قاموا بتهجير أكثر من خمسين ألف مواطن من وادي ( حسن كيف ) الأثري ، علاوة على أنها تسببت بتجفيف الأهوار العراقية وتغيير مناخاتها بشكل خاص والمناخ العراقي بشكل عام أضافة إلى تهجير الطيور وقتل الأسماك والكائنات النهرية وانحسار عملية الرعي في معظم أرياف وحقول العراق .
وإن أستمرت تركيا بمخططاتها الخبيثة وأستمر العالم بالصمت فليعلم الجميع أنّ العراق يسير نحو كارثة حقيقية تؤدي إلى تغييره جذريا في واقعه الطوبوغرافي وتوزيعه السكاني أيضا ، وحينذاك سوف لن تجدوا لا دجلة الخير ولا أم البساتين .
ياس خضير الشمخاوي
رئيس منظمة حوار الديانات
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا


.. مجلس الشيوخ الأميركي يرفض مقترح بايدن باستقبال اللاجئين الفل




.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار


.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف




.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين