الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبثية التفاهم مع الإسلام السياسى

داود روفائيل خشبة

2012 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمكن أن نقسم تيارات الإسلام السياسى إلى فئتين أساسيتين. الفئة الأولى فئة الأصولية الصريحة ويمثـّلهم السلفيون الجهاديون الذين يعتبرون كل مؤسسات وممارسات الديمقراطية والعمل المدنى السياسى كفرا وشِركا، ويعلنون صراحة أن العلمانيين والداعين للدولة المدنية كفرة ملحدون لا سبيل معهم غير الجهاد. ها هو، على سبيل المثال، أحمد عشوش مؤسس الطليعة السلفية المجاهدة يعلن "أن الشرك البيّن والضلال ادعاء الخلق أحقيتهم فى التشريع من دون الله، والتحليل والتحريم هو خالص لله لا ينازعه فيه أحد، ومن ادعى هذا الحق فهو مشرك". إنهم بهذا يؤكدون بصورة قاطعة استحالة التفاهم والتعامل بينهم وبيننا، وهم فى هذا متـّسقون مع أنفسهم، وهم بهذا يقصون أنفسهم عن حلبة المعترك السياسى، وبهذا يريحوننا، فليس لهم على هذا أن يشاركوا فى أى انتخابات أو استفتاءات أو أى مجالس نيابية، ولا يكون للدولة المدنية معهم إلا أحد أمرين: إذا التزموا حدودهم تتركهم لحالهم أما إذا سعوا لإخضاع المجتمع والدولة لما تمليه عليهم معتقداتهم فلا يبقى للدولة إلا أن تعاملهم كخارجين على القانون والنظام العام، وتستخدم معهم كل ما تملك من سلطات وقوات.
لكن قبل أن نترك هذه الفئة التى تريحنا حين تؤكد من جانبها استحالة التفاهم والتعامل بينهم وبيننا، يلزم أن نصحّح شيئا مما جاء فى دعاواهم، ونحن لا نتوجه بهذا التصحيح لهم، فهم قد أغلقوا على أنفسهم منافذ الفهم، إنما نتوجه به للبسطاء الذين يمكن أن تضللهم تلك الدعاوى، وأقصد هنا تحديدا الحديث عن "ادعاء الخلق أحقيتهم فى التشريع من دون الله" والقول بأن "التحليل والتحريم هو خالص لله لا ينازعه فيه أحد". هنا نواجه عِلـّة مستشرية فى حياتنا الثقافية والفكرية، لها آثار بالغة الخطر، تلك عِلـّة هلامية اللغة واختلاط المعانى. الدولة، من حيث هى دولة، لا شأن لها بالحلال والحرام. الدولة تنظم العلاقات بين المواطنين فى إطار الحقوق والواجبات حسب ما يقرّره التوافق الاجتماعى الذى يرسم حدوده الدستور، وهذا هو التشريع بمعناه القانونى فى إطار الدولة المدنية. لكن من يتحدثون عن "ادعاء الخلق أحقيتهم فى التشريع من دون الله" يخلطون بين هذا المعنى ومعنى آخر يتعلق بشرائع الأديان. وإذا سألنا هؤلاء الذين يتمسّكون بأن التشريع من عند الله وأن الحلال والحرام لله، إذا سألناهم كيف يكون تنظيم أمور الحياة العادية للناس، سنجد أنهم فى منتهى الأمر يعهدون بتنظيم وتسيير أمور الناس الحياتية إلى أشخاص من معتنقى فكرهم، يحكمون ويتحكمون فى حياة الناس وفى مصائرهم حسب فهمهم الخاص وحسب تأويلاتهم الخاصة لما يعتقدون أنه جاءهم من السماء، هذا إن أحسنـّا الظن، فشواهد التاريخ والتجارب الإنسانية عبر العصور، ومن بينها التاريخ الإسلامى وتجارب الأمم الإسلامية، تظهر فى وضوح أن أكثر الحكام الذين حكموا باسم الشرع الإلهى كانوا يرعون مصالحهم الخاصة ومصالح المقربين منهم، وحتى أحسنهم، الذين حققوا لبلادهم تقدما وازدهارا، كانت دوافعهم ووسائله وأساليبهم دنيوية مستمدة من تجارب من سبقهم ومن اجتهادات عقولهم وليس من شرائع الأديان. لكننا للأسف لا نعرف التاريخ على حقيقته ولا نعرف من التاريخ غير أساطير وأكاذيب وشعارات.
لقد أطلت أكثر مما أردت وأكثر مما توقعت فى الحديث عن هذه الفئة الأولى من دعاة الإسلام السياسى،بينما كان قصدى أن أتجاوز هذه الفئة سريعا إلى الفئة الثانية التى يمثلها فى المكان الأول الإخوان المسلمون. أقام الإخوان المسلمون تنظيمهم منذ البداية على اعتبار أنهم سيعملون من داخل إطار الدولة المدنية للوصول إلى غايتهم ألا وهى إقامة الدولة الدينية. وكان هذا المسار الملتوى الذى اختاروه عن قصد ووعى يفرض عليهم أن يكون خطابهم مداهنا مرائيا مخادعا. ففى تجربتنا الراهنة رأينا كيف يتحايل ويتلوّى الإخوان المسلمون، يتحالفون مع فريق لتحقيق مصلحة مرحلية، فإذا تحقق لهم غرضهم أداروا ظهورهم لحلفاء الأمس القريب. والأمثلة أكثر وأقرب عهدا من أن تحتاج إلى سرد. ثم رأينا كيف يتسللون. تظاهروا بالتنازل عن شعار الإسلام هو الحل، ورأيناهم يعودون يجاهرون به الأسبوع الماضى. ادعوا اقتناعهم بالدولة المدنية، ثم أفقدوها جوهرها بربطها بالمرجعية الإسلامية، وها هم الآن يتحدثون صراحة عن المشروع الإسلامى وعن وضع دستور "لأمّة مسلمة".
يتصايحون بإيمانهم بالحوار واحترام الرأى المغاير، فانظر سلوك أى واحد من ممثليهم فى أى برنامج حوارى أو فى أى مداخلة فى القنوات الإعلامية، تراهم مقتنعين بأنهم يملكون الحق المطلق الذى لا يقبل تكييفا ولا تعديلا. انظر كيف وفى الرئيس مرسى بوعوده الانتخابية وتحديدا بالوعود المتعلقة بتعيين نواب ومستشارين، فينتهى الأمر بحركات مظهرية، ويستقيل من هيئة مستشاريه كل مخلص وكل من وجد فى نفسه شيئا من كرامة فأبى على نفسه أن يكون غلافا برّاقا لوعاء محتواه زيف وخداع. انظر للـ "حوارات" التى أجراها هذا الرئيس مع أشخاص لا يمارئ أحد فى وطنيتهم وحكمتهم، فنسمع كل واحد منهم يقول إن الرئيس أنصت إليه جيدا وأثنى على ما قدمه له من أفكار ومقترحات، ثم ماذا؟ فى كل حالة بلا استثناء يكون ما يتخذه الرئيس بعد ذلك من قرارات مناقضا لما استحسنه وأثنى عليه من أفكار ومقترحات.
هذا ما كان حتما أن يكون. لماذا؟ لأن الإخوان المسلمين لهم مشروعهم الذى لن يحيدوا عنه، ولهم عقيدتهم وقناعاتهم التى لن يغيّروها لأنها قناعات عقائدية لا تقبل مناقشة ولا تخضع لمساءلة ولا تعترف للعقل بأن يكون له قول فيها. وعقيدة الإخوان المسلمين مناهضة ومناقضة لأسس الدولة المدنية الحضارية. من المستحيل تماما المواءمة بين عقيدة الإخوان المسلمين التى تؤسس للدولة الدينية من ناحية وفكر وممارسات الحركات السياسية المدنية المؤمنة بالحريات والقيم الحضارية. لا يقوم حوار إلا بين طرفين يقفان على أرضية مشتركة، وليس بين الإخوان المسلمين والحركات السياسية التقدمية أرض مشتركة. أى حوار بين القوى المدنية والإخوان المسلمين عبث لا طائل من ورائه، ونخدع أنفسنا ونضيّع وقتنا وجهدنا سدى حين نستدرج للحوار بزعم أن هذا ما تقتضيه الديمقراطية وما يلزمنا به احترام الرأى المغاير.
المدنيون العقلانيون لهم آراء يختلفون حولها ويتحاورون ويتوافقون. الإخوان المسلمون ليست لهم آراء بل لهم عقائد لا تعترف بحق العقل فى مناقشتها. لذا فإن أى حوار بين هذين الفريقين عبث فى عبث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2012 / 12 / 13 - 15:05 )
يبقى الفيصل أن الشعب أختاروا الإسلاميين عليكم , و السبب أنكم لم تكترثوا للشعب بل للسلطه و الثروه , هل أستوعبتم؟ .

اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني