الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن والتحدي بمجموع الآيات

أحمد القبانجي

2012 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يدعى أن القرآن معجزة بمجموع ما ورد من جهات اعجازية لا على شكل منفرد، يقول العلامة الطباطبائي: «فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، والعالم في علمه، وللإجتماعي في اجتماعه، وللمقننين في تقنينهم، وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب والإختلاف في الحكم والعلم والبيان، ومن هنا يظهر أن القرآن يدعي عموم اعجازه من جميع الجهات، فهل يتأتى للقوة البشرية أن تختلق معارف الهية مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن ومتماثلة في الحقيقة؟ وهل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنية على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء والفضيلة؟ وهل يمكنها أن تشرع أحكاماً فقهية تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد؟ وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والتقارن الغريب من رجل أمي لم يتربّ إلاّ في حجر قوم يرتزقون بالغارات والغزوات ونهب الأموال وأن يئدوا البنات ويتباهوا بالفجور ويذموا العلم ويتظاهروا بالجهل؟..» الميزان ـ الطباطبائي بأختصار.


ونلاحظ عليه:
1 ـ إذا كانت اجزاء المركّب وكل واحد من أفراده غير معجز، فكيف يكون المجموع معجزة، والكل عبارة عن مجموع هذه الأفراد؟ وببيان آخر: إن المجموع تارة يكون من قبيل المجموع أو المركب الكيمياوي كالماء المركب من الهيدروجين والاوكسجين، فحينئذ يمكن أن يكون للمجموع ماهية جديدة ذات خصائص معينة تختلف عن الأجزاء، لكن فيما نحن فيه المجموع عبارة عن مركب فيزياوي لا تستهلك فيه الأفراد في الكل، فمجموع عدد من الاحجار والصخور تشكل جبلاً ولا تشكل غابة، ومجموع عدد من الأشجار تشكل غابة ـ أي من نفس النوع ـ ولا تشكل قطيعاً، وهكذا .. فكذلك الإعجاز القرآني المدعى لا يمكن أن يتشكل من جهات وأفراد غير إعجازية.
نعم، قد يقصد من هذا الوجه استخدام «حساب الاحتمالات» للوصول إلى النتيجة القطعية بأن هذا القرآن ليس من محمد (صلى الله عليه وآله)، كما هو الحال في عملية الاستقراء، ولكن أين هذا من دعوى الاعجاز؟ لأن المطلوب هو اثبات أن البشر عاجزون عن الإتيان بمثل هذا القرآن، لا مجرد أن هذا القرآن ليس من محمد (صلى الله عليه وآله) وبعبارة اخرى: إن حساب الاحتمالات يأتي في غير المعجزة ايضاً فيما لو اريد اثبات حقيقة معينة من الحقائق، وهذا لا يعني نفي ما عداها من الفرضيات، فحساب الاحتمالات يثبت أن هذا القرآن ليس من محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكن كون البشر لا يستطعيون الإتيان بمثله فمسألة اخرى لا علاقة لها بحساب الاحتمالات المذكور.
2 ـ القرآن نفسه يكذب هذا الإدعاء، لأنه يتحدى البشر بأن يأتوا بسورة من مثله وكذلك عشر سور: (وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين)، ومعلوم أن سورة واحدة من قبيل سورة «الناس» لا تحوي أصنافاً من الإعجاز القرآني المدعى، ومع ذلك تحدى القرآن الجميع بأن يأتوا بسورة واحدة مثل سوره.
3 ـ سلمنا، ولكن يأتي الإشكال العقلي المذكور، وهو أن هذا النوع من الإعجاز لا يدل على أكثر من كون القرآن ليس من محمد(صلى الله عليه وآله) ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولكن هذا لا يعني أنّه من الله حتماً، فقد يكون من الملائكة أو من مخلوقات اُخرى مجردة لا يراها الإنسان. والمطلوب اثبات أن هذا القرآن من الله، والعقل عاجز عن اثبات هذا المعنى قطعاً.
4 ـ نلاحظ أن العلاّمة الطباطبائي يستعمل في هذا المورد الأسلوب الخطابي بدل الدليل العلمي، لاثبات فرضية طوباوية ليس لها رصيد في الواقع الخارجي، فمتى استفاد السياسيون من سياسة القرآن؟ ومتى اغترف علماء الإجتماع من القرآن؟ ومتى انتفع الحكام في حكومتهم من القرآن؟ ومتى كان للقران سياسات على المستوى المتداول بين المجتمعات البشرية؟ وكيف يدعي أن علماء الإجتماع على اختلاف نظرياتهم وأفكارهم قد اقتبسوا علومهم من القرآن؟ إلى آخر هذه الدعاوي والمزاعم التي لا تقوم على مشاهدات علمية ولا ممارسات خارجية على أرض الواقع العملي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تلاسن بين الرسول وأعدائه
شاكر شكور ( 2012 / 12 / 15 - 04:57 )
استاذنا الفضل الشيخ أحمد القبانجي المحترم ، لو تأملنا الآية القرآنية التي تقول (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً) فإن كلمة (كثيرا) لا تنفي وجود القليل من الأختلاف ، بالنسبة لكتاب نهج البلاغة نجد فيه ترتيب وتنسيق وترابط للأفكار اكثر من القرآن نفسه وأكثر قوة بلاغية من آيات كشتيمة ابي لهب رغم ان نهج البلاغة من تأليف بشري ، فحاشا الله ان يشتم ويقول مثلا إن شانئك هو الأبتر ، او يقول كمثل الحمار يحمل أسفارا، وفي آية اخرى يشتم الصم والبكم ويقول إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، او يتصرف كأنسان ويقول موتوا بغيظكم ، وفي آية اخرى يشتم ويقول عتل بعد ذلك زنيم ، ويقول ايضا شر الدواب عندالله الذين كفروا ، فهل الأله القدوس يصدر منه هذه البذاءات ، اذن لا بد وأن يكون مؤلف القرآن من البشر لأن البشر يتعصب ويشتم والله قدوس لا يشتم وهذه الشتائم بأعتقادي لم تكن سوى تلاسن الرسول مع اعدائه ، تحياتي ومودتي


2 - مولانا هناك من يراى اعجاز وطب وصناعة
جمال علي الناصري ( 2012 / 12 / 15 - 08:49 )
تحياتنا لكم وجزاك عنا خيرا


3 - الدائرة المفرغة
مدحت محمد بسلاما ( 2012 / 12 / 15 - 09:56 )
إلى متى نواصل اللجوء إلى الحذلقة والتظاهر بالنقد علما أن النتيجة معروفة سلفا . نبحث دائما عن مخارج وتبريرات لا طائل لها ، نرقّع ونلفّق لإنقاذ الأوهام والهراء في القرآن وشرائع محمد. والنتيجة معروفة سلفا. لا نهوى إلا تصديق القرآن وتكذيب العقل والعلم. فالشعوب التي ولدت في الإسلام وتقبّلت الإسلام بلا وعي وتعقل، تحتاج إلى عمليات جراحية للتحرر منه ومن مماحكاته وسفسطاته. لربما يكون هذا الباحث الجريء رائدا في عملية التحرر التتي ننشدها جميعا . نشد على يده ونتمنى له التوفيق ومواصلة الكفاح في هذا الصراط.


4 - الكلام الصريح
احمد حسين البابلي ( 2012 / 12 / 15 - 16:09 )
السيد احمد القبانجي المحترم
كما ذكر الاستاذ مدحت معناه لماذا نلف وندور عندما يكون كل شيئ واضحا لماذا لا نرد بصورة اكثر صراحة ؟ كلام مثل ما ذكر الطابطبائي وغيره من تفاسيرلا تقنع اقل الناس ذكاء..فقط قل كيف يخر جبلا ويتصدع من خشيت الله وهناك ملائيين الناس لا يخشون لا الله ولا البشر ولكنهم لا يخالفون القانون ويعملون لفائدة البشرية..وكذلك هناك اكثر من عشرين غلط من ناحية القواعد اللغوية في القرأن .وهل الله عز وجل لا يعلم القواعد اللغوية.. عندما ذكر المتنبي الركاكة اللغوية الموجودة في القرأن قال كما هو معروف لكل الباحثين ان بامكانه ان يكتب احسن منه.. وبهذا دفع حياته ثمنا لصراحته وليس كما قيل لنا في روايات غير حقيقية مصيره المرتب .. واني اشكر الشيخ احمد القبانجي لتترقه لهكذا مواضيع لعلها تظهر الحقائق المخفية..تحياتي

اخر الافلام

.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم