الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتكار المقدس ..

حسين الصالح

2012 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الدين كان ومازال الفكرة الاقدم والاقرب الى عقل وعاطفة الانسان, ففي فترة ما من مراحل الانسان البدائي شكل الدين جوابا منطقيا لكل الاحجيات العلمية والتساؤلات الكونية التي طرحها العقل الفطري ان ذاك , وبعد تطور المجتمعات البشرية وظهور السلطة اخذ الدين منحى اخر ومهم وربما كانت هذه اللحظة التاريخية الاهم في مسيرة الدين على سطح هذا الكوكب الضئيل , فعندها تحول الدين الى منظومة اخلاقية وقانونية (مقدسة) كان لها الدور الكبير في ايجاد صيغ سلمية للتعايش بين افراد المجتمع الواحد ,لذلك نجد ان رجال الدين كانوا يمثلون الطبقات العليا في مجتمعات فجر الحضارة وكانوا الاقرب للحاكم بل في كثير من الاحيان كان الحاكم نفسه من يتقرب اليهم والسبب في ذلك ان الدين في حينها تحول الى علاقة روحانية عاطفية داخل الفرد بحيث كان الافراد يؤدون واجباتهم الدينية ويقدمون فروض الطاعة للحاكم عن طيب خاطر واقتناع بمرشح الالهة , واي حاكم يشذ عن هذه القاعدة الدينية سيضظر لاخضاع الشعوب يالقوة فقط وسيقع حينها في مصيدة التمرد في اي لحظة ضعف يتعرض لها حكمه.

لذلك فان الدين كان ومازال يشكل بعدا عاطفيا جميلا لمعتنقيه اضافة الى قيمته الاخلاقية التي لاسف يتجاهلها في كثير من الاحيان اعداء الدين بل ويذهبون الى تسفيهه وذلك لانهم يتجاهلون عن عمد (ظروف المرحلة التاريخية) فاغلب الاديان السماوية عندما تنزل الى الارض تتحول الى اديان بشرية وان الله يخاطب شعبا معينا بذاته في مرحلة تاريخية مهمة ومن الاجحاف ان نحاسب الدين بمعايير مابعد 1400 سنة من نزوله !!!!
وما اساء للدين اكثر هو رجاله البشريين , فهم لم يستطيعوا ان يقدموا توليفية تاريخية للدين تمكنه من تحديث نفسه او على الاقل تقديم تفسيرات ديناميكة لاتظهر الدين بمظهر المتناقض او الرجعي عبر مراحل التاريخ المختلفة , فقد حملوا الدين اكثر من طاقته واخرجوه من قيمته الاخلاقية والروحية الاولى , فبدل من ان يكون الدين قيمة روحية ايمانية بين الفرد وربه تحول الى قيمية مجتمعية تضبط علاقة الفرد بشريكه الانساني الاخر تحت مسمى ( الاحقية لمن هو اقرب للرب) ..
بالتاكيد سيحتج المتدينون على فكرة ان الدين مثل مرحلة تاريخية معينة حين نزوله باعتبار ان الاديان اممية وابدية في وقت التنزيل , رغم ان الجدل في هذا الموضوع كبير لكن مع ذلك من الافضل ان يعترف رجال المؤسسة الدينية بانهم فشلوا في ايجاد توليفة تاريخية غير متناقضة للدين وهذا كله بسبب خوضهم في صراع السلطة الذي دخلوه عبر قرون من حياة الدين على الارض.

في واقع الحال ان هذه المنظومة الاخلاقية والقانونية التي طرحها الدين ورجاله هي في تماس مباشر مع حياة الافراد بطريقة او باخرى سواء كانوا مؤمنين بالدين او ناكرين له, فالكل (في المجتمعات الدينية) يعاني من ممارسات الدين السلبية سواء كان الفرد مؤمنا او ناكرا للايمان , والكل في تلك المجتمعات مستفيد من الممارسات الايجابية للدين ايضا..فشانا ام ابينا فان اسقاطات الدين العملية تنعكس على علاقاتننا مع بعضنا وعلى صورة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ايضا ..

وهنا ياتي السؤال الاهم لماذا يحتكر وكلاء الرب الخوض في الامور الدينية لنفسهم ؟؟؟
فهنالك مفهوم داب رجال الدين على ترسيخه في عقول البشر مفاده ان الخوض في هذه الامور يستوجب توفر شروط خاصة في هؤلاء الافراد وياتي في مقدمتها مناقشة امور الدين وتشريعاته وخصوصا فكرة ( الحلال والحرام) التي زرعت في عقول الناس متناسين ان الدين هو علاقة روحانية بين الفرد وربه وتعمدوا اثقاله بكم هائل من المؤلفات والعلوم المستحدثة ليبينوا للبشر انهم هم اولو الالباب والراسخين في العلم , وهذا هو مفتاح قدسيتهم عند جمهورهم , اما الجانب الثاني فيتضمن التعمد في اظهار التدين للعامة والتميز في الشكل والمظهر الخارجي بحيث اصبح لرجل الدين زيه الخاص كزي الطبيب او العامل اثناء العمل .. وهذا المظهر بحد ذاته يثير عاطفة العامة ويسهل تقبلهم للافكار التي يطرحها رجال الدين, وينفر الناس من اي طروحات اخرى تصدر خارج هذه المنظومة التي اقاموها ..
وفي واقع الحال انهم نجحوا في بلورة هذه الفكرة الى عقل جمعي يتداوله المؤمنون كالحقيقة المطلقة . فالمؤمن وان اقتنع بمنطقية الافكار التي تخوض في امور الدين والمطروحة من قبل المدني او العلماني لكنه في النهاية سيصل الى قناعة بان هذا الشخص يحاول فقط التحايل عليه باعتباره لايؤمن بصورة مطلقة بالافكار التي يطرحها متناسينفي هذا ان الدين يمس كل مفصل من مفاصل حياة الانسان في تلك (المجتمعات الدينية) وان من حق الجميع الخوض في اموره مادام الله قد ارسله للناس اجمعين وتبقى مسالة الايمان والالحاد او حتى التحديث في الدين رهينة بالشخص نفسه والمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع ككل ..

لذلك على المدني ان يحاول رفع هذا الاسفين الذي دقه رجال الدين بينهم وبين الشعب عن طريق التقرب للعامة ومحاكاتهم بطريقة السهل الممتنع بدل من اثقالهم بالمصطلحات الفوقية وجلدهم بسياط النقد الهدام وبتهمة الجهل , فالانسان كان ومازال القيمة العليا في كرتنا الارضية الصغيرة لذلك فاننا بحاجة لاستفزاز القدرات الخلاقة التي يتمتع بها هذا الكائن الجميل عن طريق الايمان بقدرته على احداث التغيير فهنالك فرضية مهمة علينا ان لا نتناساها الا وهي ان بصيص الضوء يظهر جلي وواضح في عتمة الليل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah