الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضغاث أحلام

احمد عبدول

2012 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيرة هي الظواهر والفعاليات النفسية والسلوكية التي تمتلك القابلية على القياس والتطبيق على الإفراد والشعوب معا على مستوى من المستويات ,فلو أخذنا مسالة الأحلام على سبيل المثال لا الحصر فان الأحلام تلك الفعالية التي تنبثق من نقطة اللاوعي (العقل الباطن ) عندما يمتلئ وعاءه بهاجس ما أو فكرة ملحة أو عندما يكون مختزنا بمقدار غير قليل من المخاوف والتحديات أو الرؤى والأماني التي قد لا تجد طريقها على ارض الواقع عندما يمر العقل الباطن بهكذا أطوار فانه يبدأ بضخ ما يمتلئ به عبر صور تجسدها مخيلته الفاعلة على غير إرادة منه ,هذه هي الأحلام بأبسط معانيها وتجلياتها .بكل تأكيد لا احد منا من لم يحلم فنحن كل يوم نحلم لا سيما إذا كنا نعاني من عدم إمكانية الوصول إلى هدف ما كنا قد وضعناه ضمن حساباتنا المبكرة ,والأحلام في جزء منها (الرؤيا ) قد تتحقق وقد لا تتحقق ,وهذا الأمر لا شك يرتبط بجملة من العوامل والأسباب لعل من ضمنها مستوى ذكاء الفرد الذي يحلم وخصب خياله وسعة ثقافته بالإضافة إلى قوانين أخرى تخرج عن دائرة تحكم الفرد قانون الصدفة مثلا .
الأحلام إذن هي فعالية يشترك فيها الإفراد على حدا سواء إلا أنها في ذات الوقت تمتلك قابلية التطبيق على الشعوب ,إذ إن للشعوب أحلامها كما هو الحال بالنسبة للإفراد ولا شك إن أحلام الشعوب تعبر عما تصبو له الشعوب من حياة كريمة ,وما تتوق له من أنظمة سياسية واجتماعية عادلة . والشعوب كالإفراد مطالبة أن لا تستسلم إلى الأحلام ولا تركن إلى الرؤى ولا تترك مستقبلها تتجاذبه الخيالات وتتقاذفه الشفرات والرموز والطلاسم في عالم اللاواقع ,ثمة أمر أخر لا بد أن تجعله الشعوب نصب عينيها وهي تحلم وهي أن يكون ما تحلم به له ما يعضده من مصاديق الواقع من قرائن ودلائل ومؤشرات حالها في ذلك حال الإفراد لكن بمقدار اكبر ومساحة أوسع مما عليه في حالة الأفراد .
بمعنى أخر أن تكون أحلام الشعوب كما هو حال الافراد تستمد مشروعيتها من ارض الواقع وطبيعة الأمور , إذ لا يمكن لشعب من الشعوب أو مذهب من المذاهب أو فرقة من الفرق أن يؤمن بان طبيعة البشر مثلا سوف تكون على غير ما هي عليه أي أنها سوف تتحول في يوم من الأيام إلي طبيعة أليفة لا تشتمل على عوامل الخير والشر والضعف والقوة والأمانة والخيانة والغيرة والطمع وحب الأنا إلى أخر تلك الصفات التي ينظر لها الفكر الديني التقليدي نظرة قاصرة وتقليدية على عكس البحوث والدراسات العلمية والتربوية والاجتماعية التي تؤكد أن لا وجود لحياة الإنسان فوق سطح الأرض دون وجود هكذا صفات متناقضة لأنها بمثابة المحرك الرئيسي لعملية التدافع الاجتماعي .لا يمكن بحال من الأحوال أن يؤمن شعب من الشعوب أو مذهب من المذاهب أو فرقة من الفرق بان مخلصا سوف يهبط عليه من السماء على حين غرة أو بشكل فجائي لينتشله من واقعه المتردي بطرفة عين مثل تلك الأحلام سوف تكون سببا مباشرا في تثبيط همم الشعوب وتوهين عزيمتها والإخلال بموازين نضجها وتقدمها .
ان المؤسسة الدينية في اغلب الحيان ما زالت تضخ مثل تلك المفاهيم وتروج لهكذا اطاريح ومثل تلك المفاهيم والاطاريح ما زالت تجد لها أرضا خصبة في المجتمعات ذات التاريخ المليء بالصراعات والنزاعات والإقصاء والتهميش والترويع والتشريد والتنكيل ,مفهوم المخلص هو مفهوم نفسي اجتماعي أكثر مما هو مفهوم ديني عقائدي بل على العكس من ذلك فان الأديان لا تحبذ مثل هكذا طرح فهي تحث على العمل وترفع شعار (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ), كل ما في الأمر إن الفكر الديني والذي هو حصيلة مجموعة من أراء وعقليات واجتهادات لا ينفك من الدفع باتجاه فكرة المخلص مستغلا تلك الظروف الاجتماعية والسياسية البالغة الصعوبة والتعقيد ,لا يمكن بحال من الأحوال لشعب من الشعوب أن يستمر يحلم بدولته المرتقبة التي سوف يكون فيها البشر غير البشر والشجر غير الشجر لان مثل تلك الأحلام إذا كان لها ما يبررها في ظل مرحلة من مراحل طفولة المجتمعات ضمن ظروف شديدة الوطأة على العقول والنفوس فليس لها ما يبرر رسوخها في عقول الأجيال الناشئة اليوم , لا يمكن بحال من الأحوال لشعب من الشعوب إن ينتظر دولته الموعودة في الوقت الذي يمر عليه الوقت وينسحب من تحت قدميه بساط الزمن وتتعاقب عليه الحكومات وهو ينظر لها بازدراء ويرمقها بسوء نية والنتيجة انه سوف يضيع فرصة من التقدم في سبل فكرة قادمة من كهوف التاريخ وزوايا المطامير وهي فكرة ليس لها سند من قول أو نقل اللهم إلا ما كان ما كان بشأنها من باب التأويل لا سيما التأويل السياسي والذي اصطبغت بصبغته العقائد في جزء كبير منها .
إن المخلص الوحيد للإفراد والجماعات والشعوب هو الإنسان نفسه الفرد هو المخلص في كل زمان ومكان ولا يكون الخلاص إلا بالإنسان وعن طريق الإنسان وعلى يد الإنسان نفسه ,فهو من ينشر العدل ويطبق القانون ويقسم الفيء بين أهله بالتساوي أي يحقق العدالة الاجتماعية ,الإنسان هو من يستطيع النفاذ من أقطار السموات والأرض بسلطان العلم وإرادة النفس وإصرارها على اختراق الحواجز وتذليل العقبات واختصار المسافات ,وهذا ما نراه جليا واضحا في المجتمعات المتحضرة حيث التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي ,وحيث يتساوى المواطنون في جميع الحقوق والواجبات بمختلف جنسياتهم وألوانهم وأعراقهم وطوائفهم .لقد تقدمت تلك المجتمعات تقدما ملحوظا بسبب إيمان الفرد بقدراته وإصراره على مواصلة إعمار الأرض واستخراج كنوزها واستثمار طاقاتها الكامنة عبر حقب زمنية متباعدة ، قدم خلالها الإنسان قوافل من الضحايا والمعاقين في سبيل مسيرة التقدم والازدهار والرفاهية ,ولو أن هذا الإنسان قد آمن بفكرة المخلص لبقي على سيرته الأولى تفتك به الإمراض وتجتاحه الفيضانات وتعصف به الفتن وتتقاذفه الأهواء والنزعات الفردية وتتلاعب بمقدراته الساسة والحكام من الطغاة والمعتوهين ,كما هو حال بعض الشعوب اليوم التي ننتظر أن تنفض عن كاهلها تراب الجهل وأوهام الانتظار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إزاى تحمى ابنك من الأفكار المتطرفة ؟.. داعية إسلامى يكشف الت


.. موجز أخبار السابعة مساءً - قوات الاحتلال تقمع آلاف المصلين ف




.. 60-Al-Aanaam


.. هوية وطنية وفطرة سليمة.. معا لمواجهة الإلحاد والتطرف والعلاق




.. 59-Al-Aanaam