الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوم الكافرون

احمد عبدول

2012 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت هاربا كعادتي من ظلام غرفتي الدامس شبه المزمن بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها , إلى سطح المنزل لكي احظى بفرصة ما للقراءة ومطالعة بعض الصحف التي اعتدت قرأتها بشكل يومي وانأ كذلك استغرق في فعل القراءة فوق سطح المنزل وإذا بصوت المؤذن وهو يؤدي الأذان كعادته بصوت اقرب إلى الصراخ منه إلى الأذان الهاديء والمتزن والذي يبعث في النفس السكينة والاطمئنان والتفاؤل , وبعد ان أتم المؤذن أذان الظهر اخذ يعقب بعبارات ولوازم اعتاد على ترديدها اغلب المؤذنين في عالمنا الإسلامي إلا ان ما اثأر انتباهي وحفز أسئلتي هو تلك اللازمة التي اخذ يكررها المؤذن وهو يصيح (اللهم انصرنا على القوم الكافرين )عندها تركت الصحيفة جانبا وأخذت أفكر في ما يقوله المؤذن فمن هم هؤلاء الكفار الذين وجب على الله إن ينصرنا عليهم وهل يوجد بين ظهرانينا اليوم كفار يجب علينا إن نتصدى لهم بكل ما أوتينا من قوة ومن رباط الخيل ,والاهم من ذلك كله من هو الكافر وما حقيقة الكفر وإذا كان مثل هذا النموذج قد وجد على ارض الواقع في يوم من الأيام فهل له من وجود في أيامنا هذه ,فإذا كان الكافر هو من لايؤمن بالله واليوم الأخر كما نفهم من مدلول الكلمة وما يصلنا من رجال الدين من أراء وفتاوى ، فهل هذا يعني إن نجيش الجيوش ونشحذ السيوف ونعقد الهمم لمحاربة هؤلاء الكفار وانى لنا ذلك في عالم فسيح يقوم على التعددية في الرؤى والتباين في المشارب والثقافات والأديان أنى لنا ذلك وسط عالم يقر بوجود الأخر المختلف ويقاتل من اجل معتقده وما يؤمن به وما يراه مناسبا لسد احتياجاته الروحية والفكرية والنفسية والاجتماعية حتى الرمق الأخير أضف على ذلك إن ذلك الذي لا يؤمن بالله واليوم الأخر لا وجود له في اغلب العهود والعصور والأزمان إذ ليس هناك من لا يؤمن بوجود رب خالق لهذا الكون مبدع لهذا الصرح المتناهي الإبعاد لا يوجد من لا يؤمن بوجود صانع خلق فهدى وصور فأحسن التصوير لان مثل هذا الأمر يعد إمرا مركوزا في الطباع كما يقال وهو أمر غريزي فطري , لا يوجد إنسان منذ فجر الخليقة من لا يؤمن لان الإيمان لا مفر منه إلا إن الاختلاف إنما يقع في أصل التصور لهذا الرب أو ذاك فالأقوام البدائية مثلا كانت تصور إلهتها على شكل ظواهر طبيعية وهي الظواهر التي كانت تخاف منها وتهرب من لعناتها وإضرارها كما كانت هنالك إلهة للشمس وإلهة للنار وهناك إلهة لدرء الإخطار وأخرى لدرء الفيضانات والسيول وهكذا ,واما الأديان والتي نضجت لديها رؤية متقدمة من التصور كانت أكثر رقيا وتجردا مما سبقها من تصورات ورؤى فقد اختزلت الإلهة بإله واحد لاشريك له ليس كمثله شيء لم يلد ولم يولد, ,بينما لا تزال شعوب كثيرة ترسم لإلهتها صورا شتى من الجماد وصورا وإشكال بعض المخلوقات من غير الإنسان (البقرة )كما عند الهندوس في الهند فإذا ما سالت هؤلاء عن سر اختيارهم لهكذا أنواع من الإلهة فأنهم سوف يسهبون بذكر جملة من الأسباب التي دعت إلى اتخاذ هكذا إلهة فالهندوس يأولون اختيارهم للبقرة كإلهة على أساس أنها مصدر رئيسي للخير ومنبع أساسي للرزق والنماء والعطاء فهي إلام في تصورهم لذا فأنهم يقدسونها ويعلون من شانها ويتبركون بمخلفاتها ومثل هكذا تصور قد يبدو تصورا ساذجا عند الأخر المختلف لكنه لم يأت من فراغ ولن ينبثق من عدم فقد تضافرت عدة عوامل على بلورته وتداخلت جملة من الأسباب على تكوينه ليتخذ في نهاية الأمر شكلا من اشكال العقيدة المتجذرة داخل منظومة الوجدان البشري .ما يهمنا هنا هو ان الجميع يؤمن بوجود خالق ويقر بوجود قوة فاعلة أدت إلى صيرورة الحياة ودوام دوران عجلتها .
التاريخ لا يدلنا على قوم أو جماعة أو مجتمع بشري لا يؤمن فالكل مؤمنون لكنهم يختلفون بشكل الإيمان وطبيعة ما يسلكه من قنوات وأدوات . يقول المرحوم الشيخ (موسى السوداني ) وهو احد مجتهدي الشيعة المعاصرين في كتابه (الإسلام والفطرة ) ما معناه إننا لا يمكن ان ندعي بان الوجوديين لا يؤمنون بإلهٍ ، فهم يقولون إن الطبيعة هي التي خلقت الحياة وهم بذلك يقرون ويعترفون بوجود خالق اسمه (الطبيعة ).
ولا شك إن مثل هذا الكلام يدحض وبقوة ما درجنا عليه من أفكار ومعتقدات تصنف الخلق إلى معسكرين (معسكر الكفر ,ومعسكر الإيمان ) .فالإيمان هو قاسم مشترك بين إفراد العائلة البشرية منذ بدء الخليقة وسيبقى كذلك ما بقي الليل والنهار .لا شك إن الكثير من الأفكار والمفاهيم التي سلمنا بصحتها لا بد أن تخضع إلى عمليات من الفلترة والتنقية والمراجعة والتمحيص على ضوء ما نشهده اليوم من تقدم جامح قد شمل كافة المناحي وطال كافة الحقول المعرفية والفكرية والعقائدية , بغية الوصول إلى عملية صياغة عصرية ناضجة وبما يناسب روح العصر وطبيعة المجتمع .لقد أصبح العالم اليوم قرية صغيرة بفضل التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي , ولا شك ان القرية الصغيرة يجمعها هم واحد ومصير واحد وتحديات واحدة , ومثل هكذا قرية ليس من مصلحتها ان تعود لمربع التصنيف على أساس (مؤمن ,كافر ) وهو المربع الذي يريد منا المؤذن إن نستمر على العيش داخل شرنقته الخانقة لسبب وأخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل


.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل




.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس