الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كراسي المعارضة و بوصلة السخط .

صالح حمّاية

2012 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يسود اعتقاد عام اليوم أن الربيع العربي لم يحقق أي انجاز يذكر نحو الأهداف التي نادا بها ، وانه قد انتهى إلى تسليم كراسي الحكم للإسلاميين ، وهو عموما الأمر الذي حصل فالإسلاميون كانوا هم من جنى حصاد هذا الربيع حين تولوا السلطة في عدة دول ، لكن مع هذا فيجب الانتباه أن هذا الربيع أيضا وهو يقعد الإسلاميين على كراسي الحكم قد أخلاهم من كراسي المعارضة وسلمها للديمقراطيين ، وهي كراسي لا تقل قيمتها عن كراسي السلطة ، إن لم تكن قيمتها اكبر .

لاشك أن أي تيار سياسي يصل إلى السلطة سيستفيد من وسائل الدولة لتدعيم نفسه ، خاصة إذا كان تيارا شموليا كما الإسلاميون ، فالمتوقع أن يكون هناك تعسف واضح في استعمال وسائل الدولة لخدمة الإغراض الشخصية ، لكن مع هذا فلا يجب إغفال أن تصرفا من هذا القبيل له نتائج الكارثية على صاحبه ، و بالنسبة لحالتنا فقد باتت من المعروف أن السلطة عندنا محرقة ، خاصة إذا تم التعسف في استخدامها، وعليه وفي حال أي جنوح نحو هذا الخيار أو حتى بدونه فالخصوم القاعدون على كراسي المعارضة هم من سيحصدون النتائج ، حتى و إن هم لم يفعلوا شيئا .

إذا كان يمكن اليوم إعطاء خلفيات لما نراه من وصول للإسلاميين للسلطة حاليا ، فيمكن القول انه كان جلوسهم على كراسي المعارضة لا أكثر ، فهذا الأمر كان وحده كافيا لجعل المواطنين وبدافع السخط على أوضاعهم يختارونهم للحكم ، هذا حتى و إن كانوا لا يحملون أي مشروعا ، فالأوضاع المزرية كانت تكفي كدافع لجعل المواطن ينحوا هذا المنحى ، إن كراسي المعارضة الحالية لم تعد كما كانت من قبل ، بل باتت البديل الجاهز الذي يلقي بضلاله على كراسي الحكم في القصور الرئاسية وقبب البرلمان ، وعليه فأي جالس على هذه الكراسي هو المرشح الفائز حتما في أي تغيير سياسي قد يحدث مستقبلا .

سابقا وحين كانت الديكتاتوريات جاثمة على كراسي السلطة ، و الإسلاميون في خانة المعارضين كانوا هم الضيف الدائم على القنوات التلفزيونية و في الحوارات على الجرائد و في الندوات ، وتقريبا لم يكن يجري أي نقاش حول الواقع السياسي إلا كان الإسلاميون طرفا فيه، الأمر الذي جعلوهم يحرزون وبدون أي مجهود على شعبيه جماهيرية كبيرة لمشروعهم ، بل لقد حصلوا في ظل هذا الوضع وبدون دفع أي فلس على دعاية سياسية مهولة لنشر أفكراهم بين ، الأمر الذي جعل المواطنين يرون في لإسلاميون الخصم الأبرز للأنظمة الديكتاتورية ، بينما ولو دققنا في الواقع لوجدنا أن هؤلاء لا يحملون أي مشروع ، ولا يمثلون أي فرق بينهم وبين الأنظمة السابقة ليكونوا الخيار البديل لها ، لكن عموما هذا ما حصل و أعتبر الإسلاميون هم الفصيل المضاد للديكتاتوريات الحاكمة وفي النهاية انتخبوا على هذا الأساس ، في المقابل فقد ظل التيار الديمقراطي العلماني خارج دائرة الضوء، و تقريبا لم يكن يسمع له أي صوت حول الأوضاع السياسية لدرجة اعتبر معها في مرحلة من المراحل من الأمور الهامشية ، لكن طبعا كل هذا تغير بعد أن حل الإسلاميون اليوم كسلطة ، وصارت كراسي المعارضة شاغرة للقوى الديمقراطية ، فالإسلاميون قد باتوا هم محل الاتهام وهم المدانون ، في المقابل صار الديمقراطيون هو المدعي العام الذي يشرحهم كل يوم ، و حاليا نحن لا نشهد برنامج سياسي أو حوار متلفز أو ندوة سياسية إلا وفيها ضيف يمثل المعارضة الديمقراطية ، وهو ما يمثل نقلة نوعية في نشر الخطاب الديمقراطي لجموع المواطنين ، فقد بات هذا الخطاب متواجدا في كل حارة ، وفي كل بيت وهو الأمر الذي كان غائبا سابقا ، نحن نشهد اليوم وعلى خلاف ما كان سابقا تشكل هوية ديمقراطية علمانية لها معالمها الخاصة ، هوية يمكن للمواطنين اختيارها مستقبلا كنقيض للمشروع الإسلامي المهيمن ، وحاليا وحتى وإن كانت الأمور غير مستقرة تماما ، إلا أن المستقبل يبشر بحتمية تطور قطب ديمقراطي علماني له صوته ورؤية ، والذي قد يكتب له يوما ما تسلم مقاليد السلطة منهيا بهذا عصورا من الانحطاط الحضاري الذي تشهده منطقتنا .

يمكن القول أخير أن الربيع العربي ومع كل ما شابه من نكسات و إخفاقات ، ومع كل المأخذ التي يمكن أن تأخذ عليه ، فهو قد خدم التيار الديمقراطي العلماني خدمة لا مثيل لها حين قربه للمواطن ، فحاليا ومع وصول الديمقراطيين لكراسي المعارضة بفضل الربيع العربي قد صارت بوصلة السخط و ألتي لطالما خدمت الإسلاميين توجه مؤشرها نحوهم ، ما يعني أن أي مواطن ساخط عن أوضاعه قد بات فردا أخر يضاف للخزان الانتخابي الديمقراطي ، و طبعا و في ظل التردي العام لأوضاع المواطنين في بلداننا ، وفي ظل الفشل الذريع الذي سيمنى به الإسلاميون لا محالة ، فيمكن الجزم أن التيار الديمقراطي سيشهد أزهى عصور انتشاره وقوته ، ولن نبالغ إذا قلنا أننا سنشهد وعلى عكس أوضاع سادت لسنين طويلة ، عمليات هجرة ضخمة للأصوات الناخبة من الكتلة الإسلامية نحو الكتلة الديمقراطية ، خاصة مع زوال هالة الغموض التي لطالما سحرت المواطنين بحيث صوتوا للإسلاميين ، وهو ما يعني نهاية النهاية للتيار الإسلامي وبداية الصعود لنجم المولود الجديد وهو التيار الديمقراطي العلماني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس