الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل القبلية هي عملية ممنهجة في نظام العالم الجديد ؟

سونيا ابراهيم

2012 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كيف استطاعت حماس تحويل غزة إلى قبيلة تتكون من عائلات كثيرة ، يكره فيها الناس بعضهم بصمتٍ ، و ينتقمون ضد أنفسهم منها بالصمت أيضاً ؟

" الخوف ليس من البكاء ، الخوف يجب أن يكون من عدم قدرتك على البكاء "

كانت و ستظل الدول العربية تحتفل بانتمائها لقبائل كبيرة ، أو عائلات تحكم و يسود فيها التفرد بالآراء على العائلات الصغيرة ، أو الأفراد الذين ينتمون إليها .
كنت متفاجئة عندما أخبرني صديق يعيش في البرازيل عن اليهود : أنهم مثل عصابة مافيا التي تكرر نفسها ، يوجد فيها عائلات كبيرة غنية ، يحصل أبناءهم على أفضل تعليم في أكثر الجامعات عراقة ، و يحصلون على أفضل فرص للعمل ، و إن كانوا فقراء فهناك برامج منح للدراسة تقدم لأبنائهم . و كانت مفاجئتي غير بعيدة عن تلك القصة التي قرأتها في إحدى الصحف الانجليزية عن شابة جامعية لم تملك النقود و هي في السنة الأولى من دراستها الجامعية ، لتجهض طفلها ؛ فتجد الممرضة تنظر إلى قلادتها " الرمز الديني اليهودي " و تعطيها خبراً سعيداً بأنها ستتلقى مساعدة مجانية من مجموعات نسوية يهودية .. و تنتهي القصة بسعادة الطالبة الجامعية اليهودية لحصولها على مساعدة طبية مجانية للتخلص من طفل سابق لأوانه في سنوات دراستها الأولى !

أما الفارق بين المنهجية في المجموعة الدينية اليهودية ، و القبلية في الدول العربية هو كبير جداً من حيث اعتناء الأغنياء برعاياهم ، على عكس ما يحصل في القبائل العربية ، التي تستغل الصغار ، و الشباب .. ما بالكم سيكون مصير هذه الشابة لو كانت في دولة عربية تحمل من علاقة خارج الزواج و هي في سنواتها الجامعية الأولى ؟؟

لست أحاول أن أوضح انحيازاً غير مرغوب فيه لليهود بشكل عام ، بل في الحقيقة ربما ما يزعج الآخرين منهم هو كونهم جشعين كما عرفهم الجميع تاريخياً و إن كان هذا يُسقطنا بالتعميم ، و هذا شئ مرفوض و لكنه حقيقي جداً في حالات كثيرة في هذا الواقع الذي نعيش فيه عالمنا اليوم ! ليست صفة الجشع هي حصرية على ديانة ، و لكنها تتعلق بمفهومهم للجماعة و ما هي أهمية و آلية الاختلاط بالجماعات الأخرى ، التي تلاحظ تحسنا مترقباً بين مصالحهما المشتركة . إذن الكل خاضع لهذه القوانين ، التي يحاول الجميع التملص منها بشكل أو بآخر ..

الطائفية التي تنتج عن القبلية ، هي أيضاً أحد رواسب التعصب الديني ، و الجهل بأهمية القيمة المعنوية للإنسان في بناء الحضارات . و هذه قضية نحن معروفون بها في الشرق الأوسط ، في كل دولة عربية هناك غالبية طائفية لا تتبعها بالضرورة كافة الفئات الخاضعة لنظام القوي السياسية المسيطرة على مصائر شعوبها ، و لكنها تعيش تحت وطأتها ، و تتجنب حدوث الصدام معها ، و يصبح هنا سؤالي : هل تتغلب الطائفية أم القبلية على مفهوم المجتمع الذكوري ؟ أم أن المقارنة خاطئة بينهما ؟ المجموعات المثقفة من هذه الشعوب - بطموحها و آمالها ، التي تنطوي عليها رغبات غير محققة في بلدان لا تتيح الكثير من الحقوق - في حال حلقت هذه القوى الشعبية ضد سرب الحكم السياسي ، عادة ستجد قمعاً متطرفاً أو اقصاءاً من كافة الدوائر الحكومية المسئولة في حال عدم وجود مجموعة مقربة من الحكومة السابقة أو الحالية تفيدها ، و تقرر مصيرها ، و ذلك بأن تُمنع مؤسسات المجتمع المدني من الإقرار بالحقيقة بقيامها بالدور الحيادي المطلوب كل حسب إطار عمله المقيد بأهدافها التي تخدم المجتمع ، و تكشف عيوبه ، بل تحرره أيضاً من الجهل المفيد لأنظمة الحكومات المستبدة !

الحل المفيد لكل قبيلة / عائلة كبيرة تحكم حياة شعب أكمله ، هي بتغذية الطائفية بين الأطراف المتنازعة على الحكم ، و إن كان باقي الأطراف من هذه العائلات الكبيرة لا يعيش حالة تنافس متناغمة طيلة الوقت ، و لكنها ستؤدي في النتيجة إلى التشتيت و التمزق كل حسب الدقة التي يعتمد عليه في خياله ، أو حتى تحليله العلمي إلى حد غير بعيد !

المؤسف في هذه الدول التي تحكمها القبلية الدينية ، و يغزوها التعصب الديني هو ازدياد حالة العصاب الذهني ، فستجدهم يسبوا حتى العلمانين الذين هم ضد كل معاني التطرف أو الانحياز لدين على مصلحة الانسان – في سياق معنوي آخر للعلمانية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة – لأن العلمانية التي تحدد جيداً مسئوليات الدولة خارج نطاق الدين تشكل خطراً كبيراً للنقيض الذي يتمثل فيه كل المتعصبين أو المنحازين لفكر قبلي ، أو طائفي ، أو ديني بحت !

الديكتاتورية قد تندرج في شخصيات بعض الحكام العرب الذين يدعون أنهم يميلون إلى العلمانية ، و لكنها لا تخدم نفسها بشكل واضح بسبب التناقضات التي ينشأ عليها الشعب بمختلف مكوناته ، و التي تسمح له بالرضوخ لحكم رجل واحد ، و كأن رجل واحد و عائلته بيدها مصير هذه الفئات المختلفة من الشعوب ؛ و حينها تصبح الممارسة الخاطئة للديمقراطية لشعوب لم تنتفض على نفسها ، هي محاولة فاشلة و إن كان البعض قد يرجح استخدامها من أجل العدالة و الانفتاح على كافة أطياف الشعب بخياراته المتعددة التي يدرجها حسب مصالحه المشتركة مع الجهات التي تعارضه في تفويضها !

دراسة التاريخ العربي ، و مفهوم النزاع على السلطة من القبيلة / العائلة الحاكمة ، و أصحاب الأموال / الأراضي هو ما لا يفهمه إلا من يتقن فن التعامل مع أصول القبيلة / النظام التي يدرسونها ، أما ما هو مفيد جداً بالنسبة للمجموعات الأخرى التي تسيطر على قوى أخرى في أماكن متفرقة في العالم ؛ هو السيطرة على جنوح هذه القبلية التي لها مصلحة في : أن تمص دمائها ، و الاستفادة من ثوراتها – الدوافع الاقتصادية هي محرك دائم و أساسي في هذه العلاقات المتراكمة على بعضها في بعض الأنظمة المسيطرة حول العالم – عن طريق الوصول إلى نقطة تصبح فيها القبلية المنقذة هي أقل تطرفاً من قبلية جديدة تحكم العالم المخترق حولها ، و تسيره إلى حيث لا نخرج من هذا المأزق إلا بالتعويض عن خسارته بخسارة أخرى .. أقل أنواع الخسارة هي بناء حضارة مادية تطابق قواعدهم الرأسمالية ، و يحدث فيها تبادل ثقافي بين الجميع في مجتمع قد يكون غنياً جداً في ثرواته و لكنه عنصري جداً ، قديم جداً ، يهتم بالعادات و التقاليد المحافظة .. و لكنه يستيقظ كل يوم و هو يعيش من خيرات نظام يبيح له القدر الأكبر من العمالة .. الحكومة العميلة هي دائماً المنقذ من كل المصائب التي تخترق المنطقة المحيطة بهذه القبيلة .. و التي كونتها في الأساس هذه القبيلة التي تتبنى علومها الرأسمالية من جهة أخرى تستفيد من قبليتها على الدوام .

سؤالي الذي أطرحه في هذا المقال : هل المنقذ الوحيد لشعوب بعض هذه الأنظمة العربية هي هذه القبلية التي تسيطر فيها على أكثر المناطق الغنية من ناحية ثرواتها ، و مواردها ؟؟ هل تطعم بعض الدول العلمانية العربية - التي تدع الانفتاح الحضاري - أبناء شعبها من الجوع أم أنها تدفعهم للخروج منها إما للإيمان بالحاجة إلى نظام المُسيطِر أو المُسيطِر على المُسيطِر ؟ يبقى الجواب مجهولاً مسطراً على وجه كل فقراء العالم العربي الذين فقدوا معنى الكرامة بسبب الفقر و الاستغلال و الظلم ..
"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل