الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار العربي الكردي يحتاج إلى تغير العقلية السابقة

صالح بوزان

2005 / 3 / 21
القضية الكردية


لقد تأخر الحوار العربي الكردي في سورية كثيراً، مما جعل المواضيع التي يجابهها ليست سهلة. وأزعم أن سبب التأخر يعود إلى عاملين رئيسيين؛ الأول هو طبيعة الفكر القومي العربي من خلال نموذجه العفلقي الذي ساد في سوريا، وما زال متعشعشاً في بنية العقل العربي السوري. أما العامل الثاني فيكمن في تخلف الفكر القومي الكردي نتيجة بروزه على أرضية العقلية الفلاحية.
معلوم أن هذا الفكر القومي العربي بنموذجه العفلقي قد استمد تكوينه من النظرية القومية الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية كما يشير العديد من الباحثين. ولكنه في الوقت نفسه يتماثل مع الفكر السياسي الإسلامي منذ عهد الرسول والخلفاء من بعده. فقد غزا العرب المسلمون الأراضي والممالك المحيطة تحت شعار نشر الدين الإسلامي، وامتلكوا هذه البقاع الجديدة وجعلوا خيراتها تصب في الجزيرة العربية وخزينة الخليفة، واعتبر كل ما يصل إليه الإسلام،حرباً أو سلماً، هو من ممتلكات عرب الجزيرة والخليفة، ولهذا كان الخليفة يعين الولاة على هذه المستعمرات(بلغة اليوم) من العرب وحصراً من الجزيرة العربية، وُصنف غير العرب الذين يدخلون الإسلام موالي، أي رعايا من الدرجة الثانية. ولهذا نجد تركيز ميشيل عفلق المسيحي على الإسلام كأهم مصدر للفكر القومي العربي ودور هذا الإسلام في تكوين الدولة العربية( انظر كتابه: في سبيل البعث). من هنا جاء الفكر القومي العربي في نموذجه العفلقي رافضاً الاعتراف بغير العربي، سواء على الأرضية المستوردة من الفكر الغربي أو استناداً لهذا التراث الإسلامي السياسي الذي كان يحصر قيادة الدولة في في العرب وأهل البيت خاصة.
أما الفكر القومي الكردي السوري فقد ظهر في مرحلة لم تتكون في المجتمع الكردي السوري برجوازية كردية، بل انبثق من أرضية مجتمع كردي فلاحي. ويبدو أنه تأثر كثيراً بهذا الفكر العفلقي، لدرجة يوحي وكأنه جاء كترجمة كردية له، كما كان الفكر القومي العربي العفلقي ترجمة عربية للفكر القومي الفاشي والنازي.
كان المتنورون الأكراد الأوائل مثل جلادت بدرخان والدكتور نور الدين ظاظا ونوري ديرسمي وقدري جميل هم من أكراد تركيا، جاؤوا إلى سوريا هرباً من بطش الدولة الكمالية، وكانوا يعكسون في البداية التطلعات الكردية القومية على ساحة كردستان تركيا، واعتبروا أكراد سوريا احتياطي الثورة الكردية في كردستان الأم.
مما تقدم نجد أن الحوار العربي الكردي لم يكن ممكناً في القرن الماضي، نتيجة البنية الفكرية لهذين التيارين من الفكر القومي العربي والكردي على حد سواء، اللذان كان ينكر احدهما الآخر ويعتبره مغتصباً.
كان الطرف العربي ينظر إلى المطالب القومية الكردي نظرة تخوين، ويعتبرها معرقلات جديدة أمام تحقيق الشعارات القومية العربية. وكانت هذه النظرة وراء المشاريع العنصرية والقمع ضد الأكراد منذ الوحدة السورية المصرية. وقد وثقت الأحزاب الكردية السورية هذه المشاريع والممارسات العنصرية في وثائقها.
ولكن..، حدثت تغيرت كبيرة داخلياً وإقليمياً وعالمياً، أدت إلى ظهور عاملين جد يدين يتجاوزان تجربة النصف الأخير من القرن الماضي، ويفتحان الطريق أمام حوار عربي كردي سيكون أقرب إلى الواقع.
العامل الأول أن الفكر القومي العربي بنموذجه العفلقي فشل فشلاً ذريعاً في توجهاته القومية في سوريا والعراق. وأصبحت شعارات ومنطلقات حزب البعث غير حماسية حتى داخل هذا الحزب، ناهيك بين الجماهير. زد على ذلك أن حزب البعث، ومن خلال تجربة حكمه في سوريا والعراق، أصبح أكثر قطرياً بعكس شعاراته الأساسية العروبية. إلى جانب أن هذا الحزب قد فشل في سورية على صعيد قيادة الدولة والمجتمع، وأوصل البلاد اليوم إلى أزمة شاملة؛ اقتصادية واجتماعية وسياسية. كما أن سياساته الخارجية التي كانت تتجاوز الأزمات الاقليمية والدولية في عهد الأسد الأب، أخذت تسير الآن في خضم صدامات دولية تهدد سوريا بالأسوأ.
لدى المواطن السوري القناعة الكاملة إن أكبر نسبة من الفساد في سوريا تتمركز بين صفوف حزب البعث وأجهزته المختلفة، وتحولت تلك الشعارات القومية التي كانت تلهب الجماهير العربية يوماً ما إلى وسيلة لتغطية الفساد والتفرد بالسلطة وقمع الشعب والمعارضة.
أما العامل الثاني، هو أن الفكر القومي الكردي بنموذجه الفلاحي قد تعرض لنكسات كبيرة. فمن ناحية تشظت الأحزاب الكردية التي تأسست على هذا النموذج، وتحولت إلى مجموعات تلتف حول أمينها العام أكثر مما تلتف الجماهير الكردية حول هذه الأحزاب، كما أنها فشلت في تطوير الفكر القومي من الطابع الفلاحي الإقطاعي إلى النموذج البرجوازي المعاصر. وللحقيقة أن البرجوازية الكردية السورية التي تكونت ولاسيما في دمشق وحلب كان لها طابع كوسموبوليتي، بل انحازت أحياناً إلى الفكر القومي العربي ذي النزعة العنصرية تجاه الأكراد، وفي المحصلة لم تكن حاضنة لفكر قومي كردي معاصر.
يضاف إلى كل ذلك أن المحاولات الكردية السورية التي بحثت عن خيط مشترك للقضية الكردية في سوريا مع مثيلتها في كل من العراق وتركيا أدت إلى خسائر كبيرة لها. وجلبت التضحيات الكردية السورية من أجل الحركة الكردية في العراق وتركيا الكثير من المرارة لأكراد سوريا. حيث أدركت الجماهير الكردية السورية أن وقوفها المادي والمعنوي والتضحيات الجسام التي قدمتها لحزب أوجلان كزعيم لكل الشعب الكردي(كما زعم ويزعم حزبه حتى الآن) من خلال مناداته بتحرير كردستان الكبرى واستقلالها، اختزلت تلك الشعارات الكبرى، بعد اعتقاله، إلى المطالبة بالديمقراطية والحقوق الثقافية لأكراد تركيا وأحياناً إلى مدح عدوه اللدود آتاترك.
كما أن التضامن الكردي السوري مع الحركة الكردية في العراق والذي بموجبه تعرض العديد منهم لاضطهاد السلطات السورية، لم يجلب لهم الفائدة، وأدركت هذه الجماهير الكردية أن الأحزاب الكردية العراقية تعاملت مع السلطات السورية ضمن استراتيجية مصلحة الحركة الكردية في العراق، ولم تشمل هذه الاستراتيجية معاناة أكراد سورية غالباً.
وهكذا نجد اليوم تجذر تيار كردي قومي سوري، ولاسيما بين المثقفين الأكراد، يتمركز على الشأن الكردي السوري كمنطلق أساسي في توجهاته.
أعتقد أن هذين العاملين لهما دور كبير في صياغة نموذج جديد من الفكر القومي العربي والكردي المعتدل يفتح الطريق إلى حوار عربي كردي بناء، قادر للوصول إلى مشترك وطني يخلق علاقة ديالكتيكية مترابطة بين العرب والأكراد وبقية القوميات في سوريا. كما أعتقد أن العمل من أجل حوار ناجح، لا بد أن يستند إلى أسس علمية وواقعية، يأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمع البشري الراهن، إضافة إلى التغيرات التي حصلت في المجتمع السوري، وفي المنطقة. ولعل أهم هذه الأسس:
1-الانطلاق من مفهوم الشراكة: وأقصد بهذه الكلمة أن ينطلق الطرفان العربي والكردي في الحوار مع بعضهم بعضاً على أنهم شركاء كاملي الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في الوطن، كما أنهم شركاء في التاريخ القديم للشعب السوري والمصير المشترك الراهن والمستقبلي، وإلغاء وصاية الأكثرية على الأقلية، وتمرد الأقلية على الأكثرية. فالكردي السوري ليس ضيفاً على العربي كما يدعي الفكر القومي العربي بنموذجه العفلقي، بل هو في وطنه، وأحد صناع تاريخ سوريا القديم والحديث. وكان له دور بارز في نضال الشعب السوري كله ضد الاستعمار الفرنسي، وكان من أبرز هؤلاء المناضلين شيخ شهداء سوريا الحديثة؛ يوسف العظمة وزير الحربية الذي سقط في معركة ميسلون ضد الغزو الفرنسي.
2- الاعتراف العربي السوري بكل المظالم التي مارستها السلطات المتعاقبة على الأكراد، والعمل الجاد لإزالة هذه المظالم كجزء من المسألة الوطنية العامة. وليس صحيحاً ما تردده بعض أوساط المعارضة السورية أن المظالم التي مارستها السلطات السورية كانت واحدة على كل الشعب السوري، فهذا الكلام يلغي المظالم الخاصة التي وقعت على أكراد سوريا. فعلاوة على المظالم العامة التي عانى منها الشعب السوري بكل تكويناته على مختلف الأصعدة فقد انفردت هذه السلطات فوق ذلك بممارسات عنصرية خاصة ضد الشعب الكردي في سوريا، ناهيك عن عدم الاعتراف بهويته الكردية وحقوقه القومية الأساسية، ولا يجوز تغيب هذه الحقيقة لأن من شأن ذلك عدم الاعتراف بمعانات الأكراد السوريين الخاصة بهم، مما يغلق الطريق أمام حوار بناء.
3- لن يكون الطرف الكردي محاورا ًفاعلاً إذا ظلت الأحزاب الكردية السورية مشتة ومعزولة عن الجماهير الكردية نتيجة العقلية الحزبية الضيقة. فعندما تتخلص هذه الأحزاب عن المورث التفردي، والقدرة على تغليب حقوق الأكراد القومية على تلك المصالح الحزبية في علاقاتها مع بعضها بعضاً، ستسير هذه الأحزاب في طريق التوحد والاندماج، وستكون بالتالي قادرة على قبول الآخر العربي والبحث عن السبل الموضوعية والواقعية للتعايش المتكافئ بين العربي والكردي في إطار الشراكة الوطنية.
4- لابد للطرف الكردي أن يستخلص النتائج والعبر من تجربة القرن الماضي على الساحة الكردستانية كلها، والوصول إلى يقينية كاملة أن الشأن الكردي السوري هو القضية المركزية للحركة الكردية السورية، وضرورة ربط ذلك بقضايا الشعب السوري برمته. ولا يجوز أن يلغي التضامن الكردي السوري مع قضايا أكراد العراق وتركيا وإيران شريكه الأساسي وهو العربي السوري.
5- لا بد للطرف العربي أن ينطلق من منظومة فكرية وسياسية يجد فيها الكردي وبقية تكوينات الشعب السوري مكانه الطبيعي في عيش مطمئن ومستقر. وعلى هذا العربي أن يعطي الحق للعلاقة الكردية-الكردية على صعيد كردستان كلها بنفس القدر الذي يعطي لنفسه على صعيد الأمة العربية والوطن العربي.
في الختام أعتقد أن الجانب القومي العنصري في الفكر القومي العربي والتعصب الكردي القومي بنموذجه الفلاحي أخذ ينهار واقعياً، نتيجة خروجهما عن المسار الموضوعي السوري، وآن الأوان أن نعمل جميعاً لإنتاج فكر قومي موضوعي ومعتدل، والدخول في علاقة حوارية منتجة تؤدي إلى مزيد من التلاحم، ويعزز من قوة الوحدة الوطنية التي تدفع البلاد والشعب السوري إلى مصاف الشعوب المتحضرة. وهذا هو الطريق الوحيد إلى مستقبل مشرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة هيومن رايتس ووتش تدين مواقف ألمانيا تجاه المسلمين.. ما


.. الخارجية السودانية: المجاعة تنتشر في أنحاء من السودان بسبب ا




.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ