الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ... الحضارة ... الحزن ... والتشيع

أسامة رائد

2012 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



من أكثر ميزات التي استوقفتني كثيراً في الشعب العراقي هو الميل الشديد الى الحزن والندب الى درجة التطرف وهو وجه واحد من أوجه العاطفة القوية التي تطغى على هذا الشعب والتي لها محاسنها كما لها مساوئها.
هذا الحزن يضرب عميقاً في تاريخ شعوب هذه البلاد الى فجر الحضارة ويصبغ البلاد بصبغة خاصة منذ زمن مواكب الحزن السومرية والاكدية على الإله تموز وملحمة إختطافه إلى العالم السفلي وتبعه الجفاف والقحط في البلاد وعودته وعودة الرخاء معه وتأدية هذه الطقوس بشكل يشبه كثيراً طقوس العزاء التي نشهدها اليوم في كربلاء.
الأمر ليس محصوراً بدين أو طائفة بل هو صفة عامة لدى جميع الطوائف من سكان هذه البلاد. حتى الفن وشعرنا وموسيقانا وأصوات مغنينا لا تنجح إلا إن كانت حزينة بدرجة مؤلمة.
سألت مرة أحد الأصدقاء عن سبب هذا الحزن الشديد فقال أنه – وبسبب أن هذه البلاد تحمل إرثاً حضارياً عريقاً- قد يكون تعبيراً عن جلد الذات وتحميلها كل ما حدث من نكبات بطريقة لا واعية ..... ربما هو تنفيس عما بداخلنا من غضب تجاه الظلم الواقع علينا ...
يرى الدكتور علي الوردي أن الدين بحد ذاته يختلف من منطقة لأخرى حسب تقاليد المجتمع وطباعه في حياته اليومية ...هذا الرأي ينطبق إلى حد كبير مع ما يحدث في العراق وأنا شخصياً أميل إلى هذا الرأي حيث أن التشيع لم يكن ليظهر بهذا الشكل لو أن واقعة كربلاء كانت قد حدثت في مكان آخر من العالم ... لكن طبيعة الشعب في هذه البلاد أدت به لأن يتبنى فكرة الشهادة والبطولة والتضحية بكل شيء من أجل فكرة العدالة والمساواة ثم أن يجعل منها رمزاً لرفض الواقع الأليم الذي نمر به سواء لأسباب سياسية أو غيرها مع نزعتنا الشديدة للحزن والأندماج مع هذا الحزن والإنغماس فيه إلى حد التطرف أدت إلى ولادة المذهب الشيعي الإثني عشري بالطابع العراقي المعروف –الذي اقض وازعج حكام هذه البلاد لزمن طويل- كنتيجة حتمية لكل هذه الظروف. حتى مع وجود طوائف أخرى في العراق إلى أنني أذهب ألى تفاعلها العاطفي وتأثرها وتأثيرها بهذه الطباع الاجتماعية فهي جزء من الصورة الكبيرة للبلاد.
في رأي علي شريعتي أن الساسة الصفويين حرفوا مسار التشيع من الثوري –ثورة كربلاء- إلى الروحاني البعيد عن السياسة –مصيبة كربلاء- فبدأوا يوجهون الناس إلى النحيب والعويل بدل التفكر في دروس الثورة وأنا أرى أنه مصيب إلى درجة كبيرة في هذا. لكن الوضع في العراق يختلف حيث ميل الناس إلى النحب والعويل والإغراق والإستغراق في الحزن والكآبة والسواد نابع من طبيعة الشعب نفسه ربما هو تعبير عن غضبهم ورفضهم ضد الظلم –إسقاط المصيبة والآلام والظلم في واقعة كربلاء على واقعهم الشخصي- فهو كسلاح ذو حدين فمتى ما تحول السلاح ضد الظلام كانت نتائجه عظيمة ومتى ما تحول ضد أنفسهم كانت نتائجه أليمة وقد رأينا تأثير الحدين معاً!
على هذا أعتقد أن التشيع وجد في الميزوبوتاميا (بلاد النهرين) بسبب الظروف أعلاه وأنه لولا ثقافة الميزوبوتاميا وكل ملابساتها ما كان ليكون هناك تشيع . وأود أن أصف وصفاً فكرياً وثقافياً بعيداً عن العقائد الدينية: فالتشيع ميزوبتوامي والميزوبوتاميا شيعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د