الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيماء و المتاجرون بالمآسي .

صالح حمّاية

2013 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع أن التعاطف و الغضب الذي أبداه الجزائريون إثر الجريمة الشنيعة التي طالت الطفلة شيماء يوسفي التي تم أخطافها وقتلها من طرف مجهولين كان أمر طبيعيا ومفهوم بل و مطلوب حتى ، فأي شخص لديه بعض الإنسانية لا يمكن أن يقبل وقوع مثل هذه الجريمة ، إلا أن غير المفهوم هو حالة السعار التي طالت بعض وسائل الإعلام الجزائرية التي غطت الحدث ، فهذه الوسائل كما ظهر راحت و بدل البحث في دوافع الجريمة أو الخلفيات التي أدت بمرتكبها إلى الإقدام عليها ، تبحث عن أبشع الطرق و الأساليب الوحشية للانتقام من الجاني ، وهذا حتى قبل أن تفصل الجهات الأمنية في حقيقة الملابسات التي أحاطت بالجريمة .

الملاحظ من متابعة الإعلام الجزائري لقضية الطفلة شيماء وخاصة المتأسلم منه ، أن الهدف من تغطية الحادثة لم يكن التأثر بالجريمة النكراء التي راحت ضحيتها الطفلة شيماء، ولا الخوف على أطفال الجزائريين من القتل أو الاختطاف ، بل كان تحديدا محاولة الضغط على النظام الجزائري للعودة لتطبيق عقوبة الإعدام بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من إلغاءها ، فهذه الوسائل الإعلامية مباشرة وبعد العثور على الطفلة شيماء مقتولة راحت تمارس الحث المفضوح و التحريض العلني للجزائريين لتبني عقوبة الإعدام كعقاب لهذه الجرائم ، هذا مع أن الجاني لم يثبت عنه بعد السلامة العقلية إذا كانت أصلا ستتوفر لمن يرتكبون من هذه الجرائم ، وهو الشرط الضروري لتحق عليه عقوبة الإعدام ، بل إن هذه الوسائل الإعلامية و من فرط الحماسة في التحريض نحو ذلك المنحى أغفلت الحديث عن خلفيات الجريمة و دوافعها في مقابل انهماكها للترويج لعودة العمل بعقوبة الإعدام ، و محاولة حشد أي رأي يمكن أن يخدم هذا المسار ، إلى الدرجة التي تحول بها الأمر من تغطية لوقائع جريمة بحق طفلة بريئة إلى محاكمة للفلسفة الحقوقية التي تعارض العقوبات البدنية ، بل و محاكمة لقيم حقوق الإنسان عامة .

الملاحظ الثاني التي يمكن أخده حول التغطية الإعلامية لقضية شماء أن أغلبية الذين وقفوا وراء هذا الترويج و نفخوا فيه كانوا جميعا يشتركون بطريقة أو بأخرى بانتمائهم للتيار الإسلامي ، أو على الأقل بالتعاطف معه ، فأغلب الشخصيات التي دعت للعودة لتطبيق الإعدام و التي ركز عليها الإعلام كانت إما أئمة أم أحزاب إسلامية ، أو منضمات قريبة من هذا التوجه ، وهؤلاء يمكن بسهولة تبين أن هذا التعاطف منهم لا يهدف لحماية الطفولة والسعي للانتصار لها فما تعرضت له الطفولة في الجزائر من جرائم على أيديهم لا يمكن حتى تخيله ، ما يعني أن المسالة بالأساس كانت انتصارا للايدولوجيا ومحاولة لذود عنها وليس انتصارا للعدالة ، وعليه يمكن القول أن الفيلم الذي تابعه الجزائريون عن الطفلة شيماء و التعاطف الجياش الذي أبداه هؤلاء معها لم يكن في الحقيقة سوى حملة إعلامية تم شنها لضرب مسار السلطة الجزائرية في التخلي عن العقوبات البدنية ، فالظاهر أن التيارات الإسلامية قد وجدت في قضية شيماء ضالتها للإحياء عقوبة الإعدام ، خاصة بعد أن واجهت مطالباتها الأولى بهذا الصدد تجاهلا من طرف السلطة فقد راسلت حركة النهضة الرئيس بوتفليقة سنة 2009 تطالبه بعدم إلغاء العقوبة ، وقد أصدرت بيانا صحفيا بهذا الصدد انتقدت فيه توجه السلطة الجزائرية لإلغاء عقوبة الإعدام، ووصفت موقفها (أي السلطة) بأنه "جاء استجابة للأصوات الناشزة المتطرفة المنسلخة عن حياة المجتمع الجزائري وقيمه ومبادئ ثورته وهو انتصار واضح ضد إرادة الأمة الجزائرية) " العربية نت 17 أكتوبر 2010 ) و قد صرح فاروق قسنطيني للعربية حول هذا الموضوع " بشراسة -الحرب- مع الإسلاميين وقال في هذا السياق " إن رجال الدين في الجزائر يرفضون إسقاط عقوبة الإعدام بدافع أنها وردت في القرآن الكريم لكن الجميع يعرف أن الدولة الجزائرية لا تطبق الشريعة في كثير من الشؤون ما عدا الأحوال الشخصية". (العربية نت نفس المصدر)

يمكن القول ختاما أن قضية شيماء التي تأثر لها الجزائريون وغضبوا لها لم تكن في الحقيقة سوى حلقة أخرى من المعارك التي تدور رحاها بين الإسلاميين ودعاة الحداثة، حيث تم استعمال هذه الحادثة عن طريق التضخيم الإعلامي كحصان طروادة لتمرير أجندات الإسلاميين بضرب كل ما هو حضاري و إنساني ، أما مأساة شيماء و أمل أطفال الجزائر بمحيط آمن فقد كانت أخر ما يهتم له هؤلاء في الحروب التي يخوضونها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran