الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبنائي وصحن القهوة

علي هصيص

2013 / 1 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي



مع أنهم محترفون في تكسير الصحون والصواني يوما بعد يوم، وأحيانا كل يوم، مما يضطرنا إلى شراء الزجاجيات المطبخية بين الحين والآخر، إلا أنهم يكونون حريصين جدا على صحن القهوة عندما يكونون في الصف الأول، مع أنه لا قهوة فيه ولا فنجان، والأمر ببساطة يتعلق بتلك التجربة التي تعلمناها قبل ألف عام حين كنا نضع القطن على غطاء علبة النيدو، ونضع عددا من حبات العدس لتنمو البذور قليلا بعد أيام قليلة.
مازال نظامنا التربوي متمسكا بهذه التجربة التي ستحل أزمة الغذاء العالمي عام 2030، وكأنها كذلك ستؤمن احتياجات الأجيال القادمة من العدس والفول وسائر البقوليات!
أما آن الأوان أن تتسع هذه الرقعة الزراعية؟ أما آن الأوان أن نستغني عن القطن ونعود إلى التراب؟ ولست أدري ما هو السر الدفين المخبوء في أدمغة التربويين حتى يصروا على أن تبقى هذه التجربة الزراعية في هذه المساحة المحمولة بين يدي طفلتي الصغيرة حتى في أيام البرد؟
هل هذا الصحن هو البديل عن الأحواض الزراعية الشاسعة التي كانت تسحرنا بمنظرها الخلاب في سهل حوران والأغوار التي بدأت أراضيها تتفتت هي الأخرى؟ والمقصود بتفتيت الأراضي هو فرزها رسميا من مساحات كبيرة إلى قطع صغيرة.
يقول نجيب نصار في جريدة الكرمل الفلسطينية بتاريخ 16/5/1926م: "بحت أصواتنا ونحن نصيح إن المعارف في فلسطين غير عملية وتعلم الطلبة على أن يصيروا اتكاليين يطلبون الوظائف الكتابية في الحكومة، بحت أصواتنا ونحن نطالب المستر بومن والإدارة بتعليم مبادئ الزراعة في مدارس القرى، وتخصيص كل مدرسة بعشرات من الدونمات يتمرن فيها الطلبة على غرس الأشجار وترتيبها، وعلى البستنة وزراعة الحبوب..."
حدثني الأستاذ الروائي هاشم غرايبة عن مدرسته في قرية حوارة شرق مدينة إربد حين كانوا في الخمسينيات من القرن الماضي يخصصون لكل طفل قطعة يزرعها، ويعلمونه كيف تتم عملية الزراعة من ألفها إلى يائها، ويأخذ محصولها كاملا في نهاية الموسم لأهله. واليوم ما زال نظامنا التربوي مصرا على الزراعة في القطن وفق استراتيجيات تدريس واستراتيجيات تقويم حديثة يوثقها المعلم في دفتر التحضير، مع أنهم في حوارة لم يكونوا يعرفون هذه الاستراتيجيات إلا أنه تعليم نفعي إنتاجي، لا تعليم استهلاكي كما هو في هذه الأيام.
قبل عامين أو ثلاثة جاءنا الإعلامي المبدع أحمد الشقيري في برنامجه الشهير "خواطر" بحلقة عن التعليم في اليابان، شاهدنا في تلك الحلقة كيف يصطف التلاميذ الصغار ذوو السنوات الثلاث والأربع كل صباح ليجلسوا تباعا – والعفو منكم- خلف بقرة يمسكون ضرعها ويتعلمون كيف تحلب البقرة!
أما عندنا فقد استدعى المدير العام الذي تم تعيينه بالواسطة في إحدى المدارس معلم التربية المهنية ليمنعه من أن يذبح خروفا في المخيم الكشفي المراد إقامته! وعندما سأله المعلم عن السبب أجابه بأن الطلاب يخافون من الدم! طبعا هؤلاء طلاب الكشافة! فما بالنا بغير الكشافة؟ إجمالا قام المدير العام بإلغاء البرنامج الكشفي من المدرسة بشكل نهائي؛ مع أنه برنامج عمره عشرون عاما، ومن ذلك الحين وأنا أفكر بكتابة قصة قصيرة أو طويلة بعنوان "خروف المدير العام" ولكن لست أدري من أين أبدأ!
قبل مدة كتبت ومضة شعرية تقول:
مسكين تموز
معبودٌ
مسخوه إلى شهر

يبدو أن هذه الومضة قد مسخت أيضا لتصير:
مسكين حوران
جنات
مسخوها في صحن

أما أنت يا ابنتي العزيزة، فعودي لنا بصحن القهوة سالما معافى، ففنجان القهوة من غير صحن يفقد جزءا من معناه، تماما كما فقد الفلاح في سهل حوران فأسه، وراح يشتري العدس والخبز والبيض من المدينة!
نسيت أن أقول لكم إن مارية ابنتي كانت تبكي عندما تأخر نمو العدسات قليلا، حيث كانت ترقبها ساعة بساعة، لذلك لن أخبرها بما حلّ بسهل حوران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا


.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران




.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع