الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقومات بناء المجتمع المدني في كوردستان

خدر شنكالى

2013 / 1 / 4
المجتمع المدني


مقومات بناء المجتمع المدني
في كوردستان / ح1

عند الحديث عن المجتمع المدني في كوردستان ، لابد لنا ان نتعرج بالتاريخ قليلا الى الوراء والمرور بعدة محطات او مراحل في تاريخ هذا الشعب الذي لم يكن اقل شأنا او تقدما او تطورا من غيره من الشعوب ، الا ان التاريخ قد ظلمه كثيرا نتيجة للمؤامرات والدسائس والمصالح الاستعمارية ، حيث تم تقسيمه لاول مرة بعد معركة جالديران سنة 1514 بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية ، وفي المرة الثانية بعد اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 بين الدول المنتصرة في الحرب الكونية الاولى وبموجبها تم تقسيم ممتلكات الامبراطورية العثمانية بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ومن ضمنها ارض كوردستان حيث الحقت فيما بعد اراضي كوردستان الشمالية بخارطة تركيا وكوردستان الجنوبية اصبحت ضمن خارطة العراق وكوردستان الغربية اصبحت من ضمن خارطة سوريا بينما كوردستان الشرقية ظلت على حالها ضمن خارطة ايران ، ونتيجة لهذه المؤامرات المتتالية فقد تم هضم حقوق الشعب الكوردي في تكوين دولته المستقلة على ارضه ، بل اصبحت هذه الحقوق تتزايد عليها هذه الدول في سوق مؤامراتها الخبيثة لتحقيق مصالحها على حساب حقوق الشعب الكوردي .
بعد الحاق الجزء الجنوبي من كوردستان بالدولة العراقية او ما يعرف اليوم ( اقليم كوردستان العراق ) والذي هو موضوع مقالنا هذا ، فقد ظلت حقوق الشعب الكوردي رهين المصالح والمؤامرات الدولية والاقليمية ، بالاضافة الى تسلط الانظمة السياسية التي حكمت العراق ابتداءا من العهد الملكي وانتهاءا بالعهد الدكتاتوري في عام 2003 وعدم اعترافها بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي ضمن العراق ورفض مطالبه بتحقيق حكم الذاتي لهم وباعتبارهم القومية الثانية في العراق بعد العرب بل قابل مطالبهم بالقتل الجماعي والابادة الجماعية والتهجير والتعريب وتغيير ديموغرافية مناطقهم .

لم يقف الشعب الكوردي مكتوف الايدي امام هذه الدسائس والمؤامرات التي حيكت ضده عبر التاريخ بل قام بعشرات الثورات والانتفاضات ضد هذه السياسات الاستعمارية والشوفينة عبر تاريخ نضاله الطويل ، وكان للقبيلة والعشيرة الدور الكبير في قيام هذه الثورات ، لاسيما وكان للرابط العشائري والقبلي انذاك الدور الاكبر في الحراك الشعبي وتعبئة الناس للقيام بالثورة ضد الاستعمار والانظمة الدكتاتورية ، نذكر منها على سبيل المثال ، ثورات الشيخ عبد الله نهري وثورات الشيخ سعيد بيران وثورات الشيخ محمود الحفيد وثورات الشيخ عبد السلام بارزاني والثورات المستمرة للشيخ والمناضل الخالد مصطفى البارزاني وغيرها .
ان هذه التطورات السياسية والمؤامرات التي حيكت ضد الكورد عبر قرون عديدة بالاضافة الى الممارسات القمعية للانظمة السياسية التي حكمت العراق وانكارها للحقوق المشروعة للشعب الكوردي مما ترتب على ذلك عدم تمكن الكورد من اقامة نظام سياسي واداري في المناطق الكوردستانية ، هذه العوامل وغيرها شكلت دافعا قويا لظهور الحركات والثورات العشائرية والقبلية ، اي انها كانت ضمن متطلبات تلك المرحلة العصيبة في تاريخ الكورد ، وانها قدمت في الحقيقة الكثير من التضحيات في الارواح والاموال لايمكن نسيانها . بل شكل هذا الانتماء القومي لدى العشيرة والقبيلة الكوردية الارضية الخصبة للجماهير الشعبية الكوردية وبكافة طوائفها وفئاتها والتي انطلقت منها انتفاضة اذار المباركة في عام 1991 والقضاء على اخر معقل للنظام الدكتاتوري في كوردستان ، والبدء بمرحلة جديدة في تاريخ الشعب الكوردي وتحقيق مكتسباته السياسية والادارية التي طالما ناضل من اجلها والسير نحو البناء والتقدم والتطور ، واختيار النظام الفيدرالي ضمن عراق ديموقراطي اتحادي بعد رحيل النظام الشمولي في العراق عام 2003 ، اذن نستطيع القول بان النواة الاولى لبناء مجتمع كوردستاني قائم على اسس العدالة والمساواة قد بدأت منذ عام 1991 واصبحت الفرصة سانحة امام المجتمع الكوردستاني لتأسيس مجتمع مدني وترسيخ اسس الديمقراطية وحقوق الانسان .
الآن وبعد مرور اكثر من ( 20 ) عاما ، هل استطاع الشعب الكوردستاني من اتخاذ خطوات جادة وملموسة وجريئة في سبيل بناء وتحقيق المجتمع المدني وما هي مقومات بناء هذا المجتمع ؟ للاجابة على هذا السؤال ، لايمكن ان نطلق على اي مجتمع بانه مجتمع مدني متحضر الا بعد التعرف والوقوف على المستوى الذي وصل اليه ذلك المجتمع في المجالات التالية والتي يمكن اجمالها في حلقات متتالية من موضوعنا هذا :
اولا : التربية والتعليم ، تعتبر التربية والتعليم من المقومات الاساسية لبناء المجتمع المدني ، ولاشك ان المؤسسة التعليمية في كوردستان قد قطعت اشواطا بعيدة في هذا المجال وذلك من خلال فتح الكثير من المدارس والجامعات الحكومية منها والاهلية في الاقليم ومدارس اخرى لتعليم اللغات الاجنبية واعتماد النظام العالمي في البعض منها ونظام العبور وادخال الحاسوب وغيرها من التطورات الكمية في النظام التعليمي في كوردستان ، الا ان ذلك لايكفي لاجل خلق مجتمع مدني متحضر قادر على التفاعل مع معطيات العصر ومواجهة تحديات العولمة ، لذا فان المؤسسة التعليمية في كوردستان تحتاج الى تغيير جذري وحقيقي في البنية التعليمية التقليدية والاعتماد على الوسائل العلمية والفكرية في تنمية ذهن وقدرات الافراد وابتداءا من الروضة وحتى سن الثانية عشرة من العمر ، لان الطفل في هذه المرحلة من الحياة له قابلية في التطور والنمو الذهني والعقلي اكثر من اي وقت اخر ، لذا يجب اختبار قابليته على التحليل والتركيب والتخيل والاستنتاج والابداع والابتكار والملاحظة ايضا وذلك من خلال الاعتماد على عدة مهارات او اساليب متطورة ومتقدمة وان يكون لكل طفل او فرد سجل خاص به يدون فيه كل هذه الملاحظات ومناقشتها مع ولي امر الطالب ، ويمكن الاستفادة من الدول المتقدمة في هذا المجال ، ومن خلال ذلك يمكن معرفة ميول الطفل واتجاهاته وابداعه في المجال المعين وبالتالي تشجيعه واتاحة الفرصة امامه للتخصص في المجال الذي يبدع فيه ، وعلى ان يتم عزل الطلاب المتفوقين عن غيرهم بعد هذه المرحلة ، اي ان يكون هناك مدارس للمتفوقين ومدارس اخرى للمستوى المتوسط واخرى للمستويات المتدنية ، وبالامكان تأهيل المستويات المتوسطة او المتدنية والاستفادة منهم في المجال المهني ، كالتجارة والصناعة والحلاقة والمحاسبة والحدادة وغيرها ، ولايمكن تحقيق ذلك الا بعد تأهيل وتنمية الكوادر التعليمية من خلال اقامة الدورات وارسالهم الى الدول المتقدمة للاستفادة من تجاربهم وخبرتهم في هذا المجال الحيوي والمهم .
كما يجب التخلص من تلك العقلية الرجعية التي تعتقد بان فصل الذكور عن الاناث سوف تؤدي الى عدم حصول مشاكل اخلاقية او اجتماعية ، الا ان العلم والتطور الحديث قد اثبت العكس من ذلك تماما ، فان اختلاط التلاميذ وفي سن مبكرة سوف ينشأ لديهم علاقات زمالة قائمة على اساس المحبة والتأخي الحقيقية ، وانهم اولا واخيرا سوف يختلطون عند التحاقهم بالجامعة وعند ذلك سوف تكون تلك العلاقة علاقة طبيعية لانها قد اخذت مسارها ومجراها الحقيقي والطبيعي وعلى اساس العلم والمعرفة الصحيحة ، فعلى حكومة الاقليم المبادرة بأتخاذ خطوات جريئة والغاء نظام فصل التلاميذ او الطلبة على اساس الجنس لانه بالتأكيد نظام يؤدي الى فقدان الثقة بين الجنسين من جهة وبين الاسرة واولادها من جهة اخرى وخلق مشاكل اجتماعية مستقبلا وبالتالي لايخدم تطور وتقدم المجتمع الكوردي .
كما ان هناك مسألة اخرى وهي المناهج التربوية في اقليم كوردستان ، حيث يجب اعادة النظر في هذه المناهج الدراسية في كل سنة وتعديلها حسب المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وبالشكل الذي يلائم ويواكب التطورات التي تحصل في العالم وابتعاد المدرسين والمعلمين عن الدراسة التقليدية والتلقين والاعتماد على الاساليب العلمية الصحيحة وعدم تثقيل كاهل الطالب بالمواد الدراسية والواجبات واعطائه مجال اوسع للابداع فيه وعدم الضغط عليه من قبل الاسرة واعطائه الحرية في اختيار التخصص الذي يرغب فيه ، والغاء درس الدين من المدارس ولكافة الاديان والاستعانة بها بمادة التربية الاخلاقية وفي جميع المراحل الدراسية .
فلو نأخذ دولة متقدمة مثل اليابان التي لاتمتلك نصف ما يمتلكه اقليم كوردستان من الثروات والموارد الطبيعية واكثر مساحتها غير قابلة للزراعة وتستورد اغلب الاشياء ورغم ذلك فانها تعتبر الدولة الثانية اقتصاديا على مستوى العالم ، ويجمع المراقبون ان سر تقدم اليابان يعود الى تدريسهم مادة تعرف باسم ( التربية الاخلاقية ) الهدف منها تربية وتنمية الانسان الياباني على عدة مفاهيم وقيم منها ، الاخلاص وحب العمل والانضباط والشعور بالمسؤولية واحترام القوانين وغيرها من الامور التي اثمرت الى نتائج ايجابية كما هو معروف عن اليابان والشعب الياباني اليوم ، كما ان هناك قصة طريفة نوعا ما ، وهي ان اليابان كانت في فترة ما تقوم باستيراد التمور العراقية ، ثم اعادة تصنيع مخلفاتها اي الصناديق المعبأة فيها هذه التمور على شكل العاب للاطفال وتصديرها الى العراق بسعر اعلى من سعر التمور ، ولا اعرف مدى صحتها الا انها تعبر عن مستوى التقدم الذي وصل اليه الشعب الياباني ، وكذلك ما لاحظناه ايضا عند المجتمع الالماني الذي خرج من الحرب العالمية الثانية مدمرا ومحطما في كل شيء ، ولكن في فترة قصيرة جدا استطاع هذا المجتمع من بناء دولته على احسن حال بفعل العمل المستمر والاخلاص له واحترام القانون وتعتبر اقتصاد المانيا اليوم من اقوى اقتصاد الدول الاوربية والرابعة على مستوى العالم ، كل ذلك بفضل العلم والمعرفة .
بلاشك لايمكننا البحث في كل جوانب هذا الموضوع في اسطر قليلة لان التعليم موضوع واسع جدا يحتاج الى بحوث ودراسات كثيرة ، الا ان الهدف الذي نسعى الوصول اليه من خلالنا مقالنا هذا هو ان التعليم يعتبر من مقومات نجاح اي مجتمع لما له من دور كبير في بناء شخصية الانسان وتنمية قدراته ومهاراته وقابليته على التفاعل والتعامل مع البيئة التي يعيش فيها ، كما ان التربية على اسس صحيحة تعتبر من اهم العوامل التي تؤدي الى تماسك المجتمع واشاعة روح المحبة والتعاون والتسامح والتعايش المشترك ، بل ان تطور وتقدم وبناء اي مجتمع اصبح اليوم يقاس بالمستوى الذي وصلت اليه المؤسسة التربوية والتعليمية .
خدر شنكالى














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة


.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر




.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ