الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليأس من وجود الله

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2013 / 1 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عزيزي القارئ، إذا كنت من أسرى التفكير المثالي الذي يفترض أن النعمة ثواب أو ابتلاء وأن الألم عقاب أو ابتلاء، وأن المصير عقوبة أو مكافأة، وأن من يبحث بلا جدوى غير مستحق لأن يجد، وأن من يفترض أنه وجد ويركن إلى ذلك، فراحته هي ثوابه أنه لم يكابر وسار مع الركب.. فهذا الموضوع لن يروقك ...

وقد يروقك إذا كنت قد أفلحت أخيرا في الابتعاد عن البحث عن ايديولوجيا الحق المطلق والشر المطلق الزائفين، لتتقبل كل ذلك التعقيد في الخير والشر ونسبيتهما، وفي الحق والباطل اللذين يجتمعان في القاتل والمقتول، في المصيب والمخطئ... وتفهم كل تلك المساحات الرمادية التي كلما اطلعت عليها أكثر كلما غفرت أكثر، وتقبلت أكثر، وأحببت أكثر، وأدركت معنى اللاغاية، ونشوة اللاشيء...

حدثنا المتصوف المتمرد..

أنه خلال مسيرته العبثية الدائرية نحو الوعي أو الغفوة، نحو التمرد أو التكيف، نحو المعرفة اللامجدية، نحو اللاشيء الذي انطلق منه، كانت ثمة لحظة فارقة لم يكن من الممكن ألا يخوضها... لحظة بدء الاغتراب، وتحمل مسؤولية الذات في وجود غاص داخل نفسه حتى أصبح الوعي الشاهد عليه (على نفسه) متخبطا في متاهة السببية

كانت تلك اللحظة،التي واجه المتصوف المتمرد فيها أكبر مخاوفه، واعترف لنفسه: "لعل الله غير موجود"

وبدأ يدخل في غربة شديدة، ووحشة لم يعهدها، أصبح يفتقد ذلك العزاء الذي كان يجده كلما شعر بمرارة الحرمان والألم، العزاء الجميل حين يعتقد أن هناك من يشهد ذلك، ويفهمه تماما، وأن هذا الشاهد، هو أعلم العالمين، وأرحم الراحمين ....

أصبح يخاف أن تفلت منه الأفكار والذكريات فتضيع في وجود لا نهائي أصم وأعمى، لا يدرك ألمك ولا شيء فيه سوى صمت غابت فيه الشهادة، صمت محايد تجاه كل شيء...

وقبل ذلك كان يعتقد أن لا فكرة تذهب، ولا ذكرى تضيع، وكله تحت هيمنة ذاتٍ شاهدةٍ واعية، ذات هي لا محالة شخصية، لوعيها استقلالية عن كل شيء آخر ... وتلك الذات تسيطر على كل شيء دون جهد . . .

وقد أصيب عندها بالاستغراب.... فكيف لم يفرح بحريته،، فقد افتك أخيرا من "آخر" يشهد كل أفكاره، وكل تخيلاته الماجنة، وتمنياته الحمقاء... وأصبح تفكيره حقلا حرا يبحر فيه دون أي استحياء أو خوف.... تلك حرية لم يفرح بها حين افتقد ذلك العزاء، تلك العناية الإلهية ...

ورغم أنه روحاني جدا، إلا أن روحانية تحكمها آليات صماء مثل التناسخ والكارما وتسير في لانهائية لامبالية، هي روحانية أسيرة، فاللانهائي ليس كالإله الشخص، الإله الشخص المباشر البسيط، الذي هو كالأب، لكن هذا الأب مطلق القدرة ومطلق المعرفة .... افتقد وجود شاهد على أفكاره التي لا يستطيع أن يعبر عنها بالكلام، ولو عبر عنها، فلن يجد من يفهمها أو من يبالي لفهمها...

افتقد ذلك الشاهد الموجود على الدوام، الذي يمكن أن يعاتبه فيقول: لا أريد أبدية من إعدادك، أريد أن أعدها، وأن أحتفظ فيها بذكرياتي، أريد أن أبقى مع هذا وهذا وهذه إلى الأبد، شبابا لا يسأم بعضهم من بعض، ألست كلي القدرة، أنا أطلب منك أن تجمعني بمن ماتوا وأن تعيد شباب من شاخوا، وأن تجعلنا ضد الموت وضد الملل وضد الفراق وضد المرض وضد الفقد ... ألست كلي القدرة، أنا عاتب عليك أنك حرمتني من هذا وذاك الآن وهنا، فعاهدني أن أذوق ما حرمتني منه...

افتقدَ ذلك .... افتقد ذلك الأمل،، ووجد أنه أصبح أمام سنن غريبة للوجود، كدورات النسيان والتذكر، كالسير الحتمي نحو إدراك أنه لا شيء ... ونسيان ذلك مرارا ... كل ذلك أصبح موحشا بالنسبة له .... حين اكتشف أنه إذا لم يكن هنالك من إله،، فإنه هو الله... يستئنس بنفسه ...

وحين اكتشف الله أنه الله، أدرك أن القدرة المطلقة سجن لا مفر منه سوى بنسيان تلك القدرة، اختيار النسيان ...أن يستخدم قدرته المطلقة ليجعل من نفسه أسير تجربة واعية يكون فيها هشا وعاجزا، ومحتاجا... فيتحول الله إلى كائن حي، إنسان يبحث عن الله .... ولا يمكنه أن يكون كذلك إلا إذا ما نسي الله أنه الله ...

والله مطلق القدرة، لذا فهو قادر على أن يـُـنسي نفسه ذاتها،، ليكون عجزه هو حل مسألة الفراغ التي مل منها ... فالعاجز محكوم بالسعي، يسعى إلى اللذة، يتجنب الألم، يرغب ويتمنى، يجهل فيصيبه الفضول،، أما المطلق القدرة المطلق المعرفة فهو سجين اللاشيء ... لا حل لديه لكسر ذلك الفراغ سوى أن يستخدم قدرته ليجعل نفسه ينسى قدرته ...


http://1ofamany.wordpress.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ان هم الانسان ابدي
طه بن شيخة ( 2013 / 1 / 5 - 16:20 )
شكرا للكاتب على هذه النفحات الروحية السامية
انها تساؤلات العقل في اعلى درجات وعيه بذاته والوجود
ان الانسان يعيش بالفعل في حالة اغتراب شديدة في عالم غامض ولا نهائي ومع ذلك فانه يستمر في البحث والتقصي والصبر على وضعيته المازومة
وكما قال عبد الرحمان بدوي سابقا ) ان التفكير في اشكالية الحياة والموت من اسمي علامات النضج العقلي عند الانسان
وقديما قال اعلم صوفية زمانه الجنيد ان همنا ابدي
وشكرا


2 - جميل ان تكون جميل
صلاح الساير ( 2013 / 1 / 5 - 16:53 )
الاستاذ محمد عبد القادر المحترم
كلام صائب فى زمن الصعب ..عميق المحتوى لا يلتقى مع الوعى الشكلى للمتاسلمين فى ذاتية الذات الالهية التى لا يسمح بان تمس لو بالشكل الرمزى ..الصوفية ذوبان الذات البشرية بذات الله لكى تنتج القوة الفعال فى مجتمع اللاشى ..مقال فذ فى المعيار المطلق والنسبى للمزيد من الطرح الفلسفى لى منتهكى العقول البشرية مع التقدير ..


3 - عميق
محمد أغ محمد ( 2013 / 1 / 6 - 00:55 )
سحرني المقال الصوفي العاقل لنفسه، والمتنكر لها، أولا، والناسي، والمتذكر شكرا للطرح العميق.،


4 - الأنتحار
نيسان سمو الهوزي ( 2013 / 1 / 6 - 06:57 )
لم يبقى إلا ان ينتحر ... ولكن بعيد ..

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل