الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفطنة العاطفية

عائشة خليل

2013 / 1 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


منذ سنوات عديدة اعتل ابني بنزلة برد حادة مما يلتقطه الأطفال بكثرة من المدرسة أثناء فصل الشتاء البارد، ولمدة يومين قاومت محاولات العائلة في الذهاب به إلى الطبيب، فقد كان مريضًا، غير أنني اعتقدت أن أدوية البرد العادية (والموجودة بكثرة لدى أية عائلة بها أطفال) سوف تقوم بمفعولها، وسوف يتحسن، فأنا لست ممن يسعون إلى الأطباء من أول وهلة. ولكنني في اليوم الثالث ذهبت به إلى الطبيب الذي سألني: ما به؟ فأجبته إنه متعرض لنزلة برد منذ يومين، ولكنه اليوم ليس على ما يرام. واعتقدت أنه سوف يؤنبني كما هي عادة الأطباء في إلصاق الإهمال بالأمهات. ولكنه ابتسم وروى لي حكاية مفادها أنه عندما كان طالبًا بكلية الطب حضر البروفسور إلى قاعة المحاضرة وكتب جملة قصيرة على السبورة: "الأم دائمًا على حق" ثم تناول حقيبته وهم بالخروج، فسأله الطلبة ماذا يعني بما كتب، فقال لهم: هذه الجملة هي محاضرة اليوم، ولا أريد أن أضيف شيئًا اليوم، اذهبوا إلى بيوتكم وتذكروا أن الأم دائمًا على حق. وأضاف الطبيب إنه يتفهم ما أقول فبما أنني قلت إن الطفل ليس على ما يرام اليوم، فلابد أنني لاحظت تغير ما حتى وإن لم أستطع وصفه.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ عن نظرية "وجهة النظر" لدى النسويات، والتي تقول بأن لدى النساء وجهة نظر فيما تمر به من أمور الحياة، ليست بالضرورة موضع بحث علمي لدى علماء الاجتماع الذين تمحورت دراستهم حول الذكور في المجتمع، وأهملوا نساءه، حتى جاءت النسويات بنظرية "وجهة النظر" النسوية تلك فبدأن بدراسة النساء ومشاغل حياتهن وأدمجن التجارب الشخصية للنساء وأخضعنها للبحث والدراسة. فكان من نتاج ذلك أن تحدثن عن "الفطنة العاطفية" والتي تحدثت عنها بالأخص آلسن جاجار، فقالت إن النساء ينمين الفطنة العاطفية من خلال أدوار الرعاية المفروضة مجتمعيًا عليهن، فيطورن مجموعة من المهارات التي تلائم تلك الأدوار والمهام. فالفطنة العاطفية لدى جاجار هي مقدرة خاصة في قراءة وتفسير الألم والعواطف المخبئة وفهم تكوين تلك العواطف. ولعل تذكري لما أملاه البروفسور على طلابه من أن الأم دائمًا على حق، هو التطبيق العملي لمثل تلك الفطنة العاطفية، فالأم بحكم التصاقها الوثيق بأبنائها تستطيع أن تحدد تلك التغيرات الطفيفة التي قد لا يلحظها الآخرون.
على أن الفطنة العاطفية - كما قالت جاجار - ليست محصورة في المجال العائلي، وإن كان هذا ما أشرت أنا إليه في مستهل حديثي. فبالنسبة لجاجار تمتد الفطنة العاطفية إلى خارج الأطوار المنزلي وتطبق في المجال الاجتماعي، ولها العديد من التطبيقات: فيمكن تطبيقها في علم الاجتماع، والفلسفة، وعلم النفس، ولعل أفضل تطبيق لها هو في المجال السياسي. فالفطنة العاطفية تمكن النساء من التكيف الأفضل في المواقف المختلفة، بحيث يستشعرن الخطر أو الظلم أو غياب العدالة، وبهذا تكون السيدات أكثر تهيؤًا لكشف مثل تلك العيوب المجتمعية. فبإعطائهن المؤشر الأول أن شيئًا ما ليس على ما يرام في الوقائع المطروحة، أو في التفسير التي قد تبدو مقبولة للأشياء، تستطيع الفطنة العاطفية أن تمكن النساء من إبداء ملاحظات أولية تتحدى الأفكار السائدة للوضع القائم.
ولقد تحدثت النسويات (قبل وبعد جاجار) كثير عن عواطف النساء التى تنزلها الثقافة البطريركية السائدة منزلة متدنية مقارنة بالعقل، والذي يختص به الرجال دون غيرهم من البشر! وعملت النسويات على تشجيع النساء على الاستماع لصوت مشاعرهن أو حدسهن الداخلي. ففي الثقافة البطريركية يتم تدريب النساء على عدم الاستماع لما يشعرن به أو ما يخبرنه، ويتم استبدال حقائقهن الخاصة بصور متوهمة تملى عليهن من الخارج (أي من خارج ذواتهن) ولكن ها نحن نرى أن حدس الأم وفطنتها العاطفية تُدرس في الجامعات العالمية (كان الطبيب من جنوب أفريقيا) وتَكتب عنه النسويات نظريات. فلما لا نزال نشك في قدرات النساء على إسداء خدمات جليلة لمجتمعاتهن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقتِ عزيزتي الأستاذة عائشة خليل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2013 / 1 / 6 - 09:07 )
الفطنة العاطفية، هي النقيصة التي يصمونا بها . ويا ليتهم يعلمون أنها خاصية نتميّز بها . تضفي الحساسية المرهفة في النساء التعقّل على الأمور
العالم يتجه أكثر فأكثر نحو إفساح المجال للنساء للمشاركة الفعالة في مجتمعاتهن ، ولا يمكن للتاريخ العودة للوراء ، إن التي ذاقت طعم الحرية أو تستشعرها، لا يمكن إلا أن تمشي قدماً إلى الأمام، متحررة من تلك الثقافة البطريركية
بدأ تحول جديد في العالم كله سيأخذ في طريقه الأفكار الرجعية . الأمر يحتاج إلى بعض الوقت
تهنئتي إليك عزيزتي الكاتبة بعام جديد أتمنى لك فيه تحقيق آمالك، وأنت ترفلين بالصحة والعافية ودمت بخير


2 - نعم هي النقيصة لديهم
عائشة خليل ( 2013 / 1 / 7 - 05:27 )
كل عام وأنتم بألف خير وسعادة عزيزتي ليندا كبرييل المحترمة
نعم للأسف الفطنة العاطفية هي النقيصة لديهم، وعلينا أن نغير ذلك بالعمل الجاد لإرساء معايير جديدة لمجتمعاتنا كما تفضلتي
خالص التحية والشكر على مداخلاتك القيمة
ودمتم


3 - ألحدس أو الفطنة العاطفية متناقضة !
ماجد جمال الدين ( 2013 / 1 / 7 - 08:19 )
عزيزاتي ألأخوات عائشة وليندا ، سأتحدث بعضا من تجربة شخصية :
في شبابي كانت زوجتي تقعد معنا حين أتحدث مع زملاء عرب وهي لا تعرف العربية ، ولكنها تقول لي بعد ذلك صفات الأشخاص ، مثلا هذا خبيث وتافه أو هو ذكي ومخلص أو أنه غبي أو شجاع وبالعكس ألخ .. بعضا من هذه الأحكام كنت أتفق معه منذ البداية وأتعجب كيف عرفت ذلك .. وأحيانا أكتشف صدقها بعد فترة طويلة نسبيا .. بحيث أصبحت لاحقا أؤمن بصحة حدسها بدون أي مناقشة ، وحتى كنت أعرفها على أصحابي الجدد لأستطلع رأيها عنهم ..
والآن عن التناقض : أغلبية النساء ( وهذا كما أعلم تؤكده الدراسات الإجتماعية الإحصائية عدا عن التجربة من موروثنا الثقافي ) ، يفضلن ويعشقن بالعادة بهيام وحب عنيف الرجال الأنذال والخبثاء الذين يستطيعون التلاعب بمشاعرهن .. وهنالك مظاهر أخرى لمثل هذا التناقض .
كما أعتقد هذا التناقض ناشئ عن عدم التوازن بين العقل والعاطفة ، والذي هو أيضا نتيجة التجربة التاريخية الطويلة من الهيمنة الذكورية والفصل الجنسي .
تحياتي


4 - فارق كبير بين الفطنة العاطفية والفطنة الغريزية
ليندا كبرييل ( 2013 / 1 / 7 - 15:28 )
أهلاً بالمحاور الفذ الأستاذ ماجد جمال الدين المحترم
أرجو أن تتفضل بقبول تهنئتي بالعام الجديد من صفحة الأستاذة عائشة راجية أن يحمل النجاحات والسعادة لك وللعائلة الكريمة
أخانا العزيز
الوعي ضابط العقل والعاطفة والغريزة أيضاً، ويجلو أكثر مع العلم والدراسة.
هناك من الناس ذوي التحصيل العلمي البسيط لكنهم يمتلكون الحاسة المرهفة للحكم على الظواهر
التناقض الذي تفضلت بذكره ، يفتقد الشرط الأساسي برأيي المتواضع : الوعي، العقل المحكم الضابط للأهواء
هذه النماذج من النساء موجودة دون شك، لكني أعتقد أنهن لا يمتلكن القدرات على إسداء خدمات جليلة لمجتمعاتهن
إنهن متفرغات لإرواء النقص الغريزي والعاطفي . مثل هذه المرأة أراها مريضة
نعم وعيها مريض، عقلها هزيل، نفسيتها مضطربة
لكني لا أفقد الأمل حتى في هذه النماذج من النساء، لأني أؤمن أن البيئة الصحية والظروف الإيجابية تعمل على تهذيب مشاعر الإنسان والارتقاء به
حكمي هذا صادر من شعور فطري لا عن دراسة وعلم
وأرجو أن أكون قد وُفِقت في تفسيره
الأستاذة عائشة تتطرق لمواضيع رائعة، تستحق التحية والاحترام
لكما التقدير ودمتم بخير


5 - ليست بهذا التناقض
عائشة خليل ( 2013 / 1 / 8 - 08:00 )
السيد ماجد شكرا على مداخلتكم القيمة
أعتقد أنه هناك بعض التداخل في المصطلحات وهذا أمر متوقع لأننا نتطرق لموضوع لم يفصل كثيرًا
ورؤيتي المتواضعة أن ما رويته عن معرفة زوجتكم بالنوازع البشرية هي الشعور الفطري الذي تحدثته عنه الأستاذة ليندا، واتفق معها في الطرح بأنها ملكات وقدرات فطرية، فحين تجردت زوجتكم من لغة للحوار استخدمت ملكاتها الفطرية للتعرف على ماهية الأشخاص ، والفطنة العاطفية التي تحدثت عنها في المقال قريبة إلى ذلك
أما الحالة الأخرى التي وصفتها في مداخلتك فهي أمر آخر. تتحدث الدراسات عن العنف والإساءة في المجال الأسري عن وصف دقيق لها. فيشرح أحد الباحثين أن المرأة لا تحب هذا الشخص الذي يسيء إليها، وإنما أغرمت بشخصية أخرى تقدم نفسها على أنها المحب الولهان، والإنسان الرقيق، أو المعذب الذي لا يفهمه أحد فتأتي السيدة لتحاول أنقاذه، ثم تبدأ دورات الإساءة (العاطفية أو الجسدية) وتتبعها فترات محبة خالصة، فالمرأة واقعة في دوامات لا تعرف كيف تتخلص منها. وهذا موضوع يطول شرحه، ولكن المرأة سيدي ليست سادية لتحب شخص تعرف مسبقا أنه دنيء وإنما يقدم لها نفسه على غير حقيقته

اخر الافلام

.. صباح العربية | مستشارة أسرية تشرح كيف تؤثر علاقة -الأنتيم- ع


.. حديث السوشال | تفاصيل مقتل ملكة جمال الإكوادور.. وأمطار غزير




.. سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد


.. الحسكة في يومهم العالمي على العمالات الانضمام للنقابات وا




.. الصحفية المستقلة حواء رحمة