الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بارك بلادي

إكرام يوسف

2013 / 1 / 6
المجتمع المدني


من بين النعم التي شملتني بها ثورة يناير، على الصعيد الشخصي، توطد علاقتي بكنيسة قصر الدوبارة، كنيسة الثورة، التي تشرفني بالدعوة ـ ضمن مسلمين كثيرين ارتبطوا بها خلال أيام ثورتنا ـ إلى مختلف احتفالات الأعياد، وإفطار رمضان السنوي. وفي احتفال هذا العام بالعام الجديد وعيد الميلاد المجيد، عدت ـ ككل مرة ـ وروحي مفعمة بأحاسيس رائعة تغسلها من أي مشاعر سلبية.. ويزداد يقيني أن اي مؤامرات، مهما بلغت من الشر والإجرام لن تقدر على فصم عرى وحدة هذا الشعب أبدا.. دفء الترحيب وكرم الضيافة الذي يبديه الجميع.. بداية من جناب القس سامح راعي الكنيسة والجميلة إيفا بطرس مسئولة المستشفى والنظام، والأستا ذ ماجد عادل مسئول العلاقات العامة والقسس الكرام سامح حنا، و فوزي وهيب، وعاطف سامي، والشيخ فايز اسحق، والدكتورة إيمان خير... وغيرهم من القسس الكرام والفتيات والشباب من خدام الكنيسة الأفاضل... وكانت الكنيسة تعج باكثر من ألفين من أبنائها فضلا عن أعداد كبيرة من الضيوف، منهم ـ على سبيل المثال، من اسعدني الحظ بالتحدث إليهم في حفل الشاي الذي أعقب الاحتفال ـ شباب ائتلاف الثورة (الأصلي)، وأحمد حرارة، والدكتور أبو الغار وابنته الناشطة الرائعة الدكتورة هنا، وعمنا جورج اسحق، والشاعر المناضل زين العابدين فؤاد، ومرشح الرئاسة السابق حمدين صباحي، ووالدة وشقيقة خالد سعيد، والأعلامي القدير حمدي قنديل وزوجته الفنانة نجلاء فتحي، والفنانتان بسمة وجيهان فاضل، والإعلاميات بثينة كامل وجميلة اسماعيل وأماني الخياط، والإعلامي الجريء يوسف الحسيني، والمصور السينمائي القدير يوسف مرزوق والفنان مدحت العدل والدكتور ايهاب الخراط والزميل الصحفي والسياسي البارزعماد جاد، والكاتب الكبير علاء الأسواني، والشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم؛ غير أن قدرة المضيفين جميعا على إشعار كل ضيف أنه الوحيد المقرب والجدير بالحفاوة، قدرة لا تنبع إلا من قلوب محبة بصدق.
و ككل مرة أشعر أن كورال الكنيسة ـ بما يضمه من أصوات ملائكية وألحان تنقلك عبر تاريخ مصر إلى جذورك الفرعونية ـ يعبر بي إلى أجواء نورانية، تتجاوز المكان والزمان.. كانت عظة القس موريس رائعة، فلم أستطع أن أمنع انسياب الدموع عندما قال "إن الإنسان المتصالح مع نفسه يشعر بالفرح والسلام من داخله، مهما كانت الآلام والأحزان المحيطة به. وأنا لا أخاف مهما كانت الظروف من حولنا، لأن الإنسان لا يخاف ممن يكرهونه، وإنما يخاف ممن يكرههم"! وتهدج صوته تأثر وهو يتابع: "أنا لا أخاف ممن يكرهونني ويرغبون في طردي من البلاد، ويكرهونني ويرفضون تهنئتي بالعيد لأنني أحبهم، فلا أخاف منهم"! وكم كان صادقا، صادقا في دعواته إلى الله العلي القدير أن يرحم الشهداء ويصبر أهلهم، ويشفي المصابين، ويحمي الوطن ويحفظه من كل شر، ويأخذ بيده إلى طريق الأمان.
نعمنا في الحفل بالاستماع إلى الترانيم الرائعة؛ وبالذات ترنيمة "بارك بلادي" المرتبطة بقلوب كل من شارك في الثورة. وحفظناها جميعا، منذ خرج كورال الكنيسة ومعه قسسها يرددونها معنا في ميدان التحرير، فكانت بشارة النصر التي تشبثت بها قلوبنا، حتى رحيل المخلوع! دفعتني حالة الفرحة والارتياح التي عمت المكان أن أوجه حديثي إلى الروائي علاء الأسواني، الجالس بجواري وأقول: " يمكن للإنسان يمكن أن يكون متدينا، وبشوشا ـ في نفس الوقت ـ ينشر الأمل والتفاؤل والمحبة، ويطمئن قلوب الناس، بدلا من أن يصرخ في وجوههم مهددا بالويل والثبور وعظائم الأمور". وجلست أتأمل القس سامح موريس، يتحدث عن أن الله يحب البشر ويريد مساعدتهم، وانتشالهم من الضعف، لذلك يقبل توبتهم،ويفرح بعودتهم إليه، ولا يهوى تعذيبهم وإلحاق الضرر بهم. شعرت أنه رجل الدين كما ينبغي أن يكون، وتمنيت أن يكثر من أمثاله بين رجال الدين المسلمين؛ الذين كثر المدعون منهم، وصاروا عبئا على الدين وأهله، يتفننون في الإساءة إليه وتشويهه؛ حتى أنني ذهبت إلى الاعتقاد بأن بعضهم ربما يكون مشاركًا بالفعل في مؤامرة لصرف الناس عن الإسلام، الذي يصورونه على أنه دين يجيز الفحش في القول، والكذب الذي يدللونه ويسمونه "المعاريض"، متجاهلين أن الكذب من الكبائر في الإسلام، ويبررون لأتباعهم في ميكيافيللية بغيضة، ارتكاب مختلف الجرائم، من قتل وإثارة فتنة، بزعم أن أشقائهم في الوطن ـ المسلمين الذين يخالفونهم في الرأي، قبل المسيحيين ـ كفارًا، وأن الكذب والقتل والفتنة وسائل مشروعة لتمكين شرع الله!
بعد الحفل، تحرص الكنيسة على دعوة الضيوف المسلمين إلى حفل شاي في الدور العلوي، فنخرج وسط ترحيب صادق مؤثر، يستدر الدمع فعلا، من أبناء الكنيسة الذين وقفوا يصفقون ـ تصفيق المحبين المرحبين بصدق، وليس تصفيق النفاق الذي تعودنا على سماعه في مختلف المناسبات ـ خلال مرورنا من بين صفوفهم، وحتى وصلنا إلى قاعة حفل الشاي. وهناك، تكون فرصة لتبادل الأحاديث الودية، والمناقشات، والتقاط الصور التذكارية. ويغرقنا قادة الكنيسة بفيض الكرم، حيث يمر جناب القسيس سامح على كل مجموعة قائلا "مالكم ايديكم فاضية كده ليه؟ حد يجيب هنا أكل ومشروبات"! وبين الحين والآخر تجد قسا أو مسئولة من السيدات الفضليات اللاتي يعملن في خدمة الكنيسة وخدامها الشباب الأفاضل، يسألك بود حقيقي "أجيب لك شاي واللا قهوة واللا حاجة ساقعة".. ويمر عليك بين حين وآخر أحدهم حاملا بعض المأكولات أوالحلوى! وشرفتني الجميلة إيفا بطرس بالتعرف إلى توتا،وهبة، من فريق الكورال، وكنت أتمنى التعرف عليهما فعلا، حيث تمتازان ـ إلى جانب الصوت الرائع ـ بصدق خاص في الأداء، فتشعر أنهما تصليان من القلب، وإن ما يخرج من شفاههما ليس صوتا، وإنما تسابيح وجدانية، قادمة من فضاء آخر، لتستقر في قلبك بسلاسة ودون استئذان، فتملؤه فرحا. ثم دعتني إيفا، إلى جلسة جانبية للدردشة ضمت (مع حفظ الألقاب) جميلة اسماعيل، وحمدين صباحي، ويوسف الحسيني، فضلا عن مجموعة من أبناء الكنيسة وأطباء المستشفى الميداني الذي تشرف عليه، لتسألنا السؤال الذي يقلقها "سوف نفتح المستشفى الميداني في الكنيسة يوم 25 يناير، فهلا تظنون أننا سنتلقى حالات كثيرة، أم أن اليوم سيمر بسلام؟"..
يوم من أيام العمر، نعمت فيه بلحظات غالية من الفرح والسلام والأمان والمحبة.. خرجت مع الجميلة جيهان فاضل لأوصلها إلى حيث ينتظرها أصدقاء، ففوجئنا بعدد من الشباب من خدام الكنيسة، يحيطون بنا وهم يسألوننا عن مكان السيارة حتى يوصلونا إليها، ولم يتركونا إلا بعد أن انطلقت السيارة.. خرجت وأنا أردد بيني وبين نفسي "يارب بارك بلادي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال


.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله




.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو