الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى الدين (2) نشأة الدين

داود روفائيل خشبة

2013 / 1 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى الدين (2) نشأة الدين
داود روفائيل خشبة

يمكننا أن نقرّر فى اطمئنان أن الدين ظاهرة إنسانية، فحيثما وُجِد الإنسان وُجِد الدين، ويمكننا أن نجد التفسير لنشأة الدين فى ظروف نشأة الإنسان على الأرض.
وُجِد الإنسان على الأرض فى صورته التى نعرفه عليها الآن من نحو مائتى ألف عام، ويمكننا أن نتصوّر أنه حالما امتلك الإنسان القدرة على التفكير المجرّد والتأمل، أى التفكير الذى يتجاوز إيجاد الحلول للمشاكل العملية المباشرة، امتلأ بالحيرة والعجب فى مواجهة ما يحيط به من أسرار الطبيعة والحياة.
تساءل الإنسان عن أصل هذا العالم وعما وراء هذه القوى الرهيبة والظواهر العجيبة التى تدهمه من كل اتجاه. هذه الشمس التى تطلع كل صباح من جهة بعينها وتمضى فى مسار لا يكاد يتغيّر حتى تختفى على الجانب الآخر ثم تعود لتظهر من جديد فى اليوم التالى. هذا الماء الذى ينزل من السماء، ينزل أحيانا رفيقا هيّنا ويهطل أحيانا مدرارا عارما فيُغرق الأرض. أعمل الإنسان خياله وابتدع الأساطير ليفسّر نشأة الكون ورحلة الشمس الرتيبة وانتشار النجوم واختفاءها.
لم يكن الإنسان فى حاجة لأن يخترع الآلهة، فقد كان يراها ويتبيّنها بكل أحاسيسه. هذا الرعد الغاضب المزمجر، إنه كائن حى أكثر شراسة من الأسد الكاسر. الريح العاصفة التى تقتلع الشجر وتجتاح كل ما تلقاه فى طريقها، إنها ذات أهواء، تأتى فجأة حين تريد ثم تمضى بعد أن تنال بُغيتها من غارتها المباغتة. والشمس تحتجب أحيانا وأحيانا تصُبّ لظى حارقا. والمطر يأتى أياما متوالية ثم يمتنع فترات قد تطول. هذه القوى العاتية الجبارة آلهة هو واقع تحت رحمتها وهو ليس بحاجة لمن يدله على وجودها. وقد يكون بين هذه الآلهة واحد هو أكثرها جبروتا وسطوة، وقد يكون هذا الواحد هو الشمس، وقد يكون هو ذاك القابع خلف السحب، يدمدم فتهتز الأرض ويرسل الصواعق فتحرق غابة بأكملها.
رأى الإنسان أن كل هذه القوى التى قد تأتيه بما ينفعه وقد توقع به أفدح الضرر لا بد له من أن يحاول أن يسترضيها ليجعلها تعطيه ما ينفعه وتكـُفّ عنه غضبها وشرّها. وفى هذا السبيل جرّب الإنسان أكثر من وسيلة. جرّب أن يخاطبها ويُظهر لها الخضوع والإجلال، وجرّب أن يقدّم لها العطايا والقرابين، وجرّب أن يؤثر فيها ويسيطر عليها بوسائل السحر التى كان قد جرّبها مع بعض الحيوانات التى كان يصطادها أو يقنصها أو تلك التى كان يريد أن يتقى شرّها.
هكذا، إذا كان الإنسان قد أبدع الأساطير ليفسّر نشأة الكون ويفسّر رحلة الشمس وأطوار القمر وغير هذا من ظواهر الطبيعة، فإنه ابتدع الشعائر والطقوس ليسترضى قوى الطبيعة أو ليتحكم فيها، ولجأ للضراعة والصلاة ليستعطفها.
هكذا تكوّنت عناصر الدين: الأساطير التى تحوّلت إلى عقائد، والشعائر والطقوس والتضرّع والصلاة التى تحوّلت إلى عبادات. وكان هذا هو الأساس الذى قامت عليه الأديان، فنشأت فى أرجاء الأرض مئات الأديان، أكثرها اندثر، وبعضها انحصر فى جماعات صغيرة فى بقاع ظلت بعيدة عن التيّار العام للتحضر البشرى، وعدد قليل من الأديان هو الذى يسود الآن فى الجماعات البشرية ذات الثقل الحضارى. وفى المقالات التالية سأعرض نماذج من بعض هذه الديانات قبل أن أقترب من الديانات التى نعرفها عن قرب والتى نشير إليها بوصف الديانات السماوية.
لكن قبل أن أنهى هذا المقال هناك أمران أود أن أشير إليهما فى عجالة. الأمر الأول هو أن دعاة الدين يقولون بارتباط الدين بالأخلاق ويروّجون لمقولة أن زوال الدين يعنى سقوط الأخلاق. وأكتفى هنا بأن أقول إن هذا ادعاء كاذب. الأمر الثانى أن هناك معنى للدين يتعلق بما يمكن أن نسميه بالحياة الروحية للإنسان، وهذا أيضا منفصل ومستقل عن الدين المؤسّسى. هذان الأمران قد أعود إليهما فى ثنايا المقالات المقبلة.
القاهرة، 8 يناير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟