الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق صفراء

حامد حمودي عباس

2013 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


دماء ودموع وخراب بيوت ، تشريد أسر ومواكب متزايدة من اللاجئين .. رصاص وقذائف مدمرة .. أطفال تسرح في الشوارع وقد غابت عنها الأبوة والأمومة .. أعلام بصبغات وأشكال مختلفه .. وثمة من يظهر على خلفية هذه المسرحية المعفرة بروائح الموت ، ليعلن عن انشقاقه عن النظام ، وتسجيل أسمه في قائمة الثوار .. كل ذلك المشهد يبدو حاضرا وفي جميع مراحل الربيع العربي مغلفا بصرخات .. الله اكبر ..
سطو على بقايا السلطة .. تزييف للانتخابات .. تشريع دساتير فاقدة للصلاحية ومعطلة للحياة .. تراجع مريع في مقتضيات الأمن ، ونهب منقطع النضير لخزائن المال العام .. تناحر ديني ومذهبي يسحق جميع الطوائف الأصغر من حيث العدة والعدد .. مديونية تتفاقم ، وتضخم عالي الوتيرة .. هبوط سريع في قيم العملات الوطنية .. سيطرة المافيات المسلحة بشتى صنوفها على مقدرات الشعوب ودون أية مرجعية معروفه ..
كل ذلك يبدو جليا كسمة بارزة من سمات الربيع العربي أينما حل وسيحل مستقبلا في البلدان المخطط لها ان تثور ..
هكذا كان الأمر في تونس ، صاحبة الشرارة الأولى في التغيير ، حيث بقي المواطن التونسي تائها في غياهب البطالة وتدني مستويات الدخل ، وتفشي حالات انعدام الأمن ، وغياب عنصر التخطيط الاقتصادي المعتمد على أسس علمية ، مما جعل تونس اليوم بلا مستقبل واضح المعالم ، فتحرك الشباب مرة أخرى حاملا الحجارة في مدينة سيدي أبو زيد مهد الثورة ، ليقذف بها النظام الجديد بعد أن قاوم بها أجهزة النظام القديم ، ولم ينسى التونسيون من كلا الطرفين ، الحكومة والشعب بالاحتراس بنداء .. الله اكبر .
وهكذا بدأت معالم الربيع الجديدة في ليبيا ، ليتراجع كل شيء إلى الخطوط الخلفية ، مخلفا شوارع تغزوها فرق المراهقين المسلحة ، وجيشا رمزيا وشرطة لا تكاد تستطيع حماية نفسها ومواقعها من سطوة الشارع ، كما صرح بذلك وزير الداخلية الليبي عبر شاشات التلفزيون مؤخرا .. تلاطمت الأحزاب السياسية في هذا البلد المصاب بجفاف الفكر السياسي وعلى مدى قرون ، ليولد برلمان عاجز عن حماية البناية التي يقيم فيها من غزوات راحت تعبث وتخرب وتنشر الرعب مرددة وبقوة متناهية شعار .. الله أكبر .
مصر الكنانة .. ولادة الحياة المزدانة بكل معاني الرقي ، هي الأخرى لم تنسى ان تستعين بنداء التكبير ، وهي تزيح من أمامها في كل لحظة ، معلم من معالم حضارتها المعروفة ، وبرزت منذ بداية رحيل النظام السابق ، أولى إرهاصات الانتقام من أبطال رحاب الفن والثقافة ، وانطلقت بواكير الوعيد بالإطاحة برموز التمدن والعودة بالبلاد الى محافل التخلف .. في مصر اليوم يجري ترتيب الأوراق على طاولة جديدة مصنوعة من خشب يختلف عن جميع الطاولات القديمه ، وتتحرك بيارق اللعبة بأيدي قد لا تظهر ملامحها بوضوح لحسني النية ممن يطاردون وراء رياح التغيير، وفق هواهم المنبثق من الحس الوطني المتأصل في نفوسهم العامرة بالبراءة ..
في سوريا .. والتي لا زالت تعاني من آلام المخاض ، زحفت الطائفية بوجهها القبيح ، لتفعل فعلها وتحت لواء ( الله اكبر ) أيضا ، لتعيد إلى الأذهان ما جرى ويجري في العراق ، فذات الخصمين راحا يتباريان على الساحة السورية ، وهما إيران والغرب ومعهما الجارة تركيا ، لتنهد ثمنا لذلك صوامع وبيوت وأرواح ، ويتشرد أكثر من نصف الشعب السوري في الفيافي وعبر الحدود .. والنتائج ستكون حتما بعد أن يهدأ دخان الصراع ، وتبدأ الأجهزة الدولية المتخصصة بحقوق الإنسان ، بجرد حصيلة الحرب الشرسة بين النظام وأعدائه ، لتفتح صفحات جديدة لإحصاء نتائج حرب من نوع آخر هي بادئة لا محالة ، بين الطوائف والأحزاب المنضوية تحت لواء المعارضة هذه المره .. حرب سوف لن تبقي من سوريا إلا اسم من المحتمل ان يتغير إلى ولايات وأقاليم بفعل مبادئ الديمقراطية المحببة إلى النفوس .
في العراق .. البلد الذي لم يتخطى بعد وديان وشعاب الإرهاب ، وامتهن أهله أعنف سبل الموت بشتى صنوفه المرعبه .. عاد من جديد ليحقق رغبات جيرانه ومن هم في الأطراف البعيدة ، لينادي أهله بالتقسيم .. وبلغت الآن صراعات ابنائه من الاحزاب والقوى ( الوطنية ) وارثة عرش التغيير ، على أشدها لرسم هوية جديدة للعراق ، تجعله بعيداً عن أخلاق مزاحمة جيرانه في الشرق ، ومتخليا والى الأبد ، عن دوره المتميز في المنطقة من حيث القوة العسكرية والاقتصادية ، حتى بلغ الأمر به من الضعف ، بحيث يقوم وزراء خارجية الدول المجاورة بزيارة مدنه دون تأشيرة مسبقة ، أو إذن مسبق من الحكومه ، بعد ان كان أسد تهابه غربان الأسر الحاكمة في الخليج ..
ونداء الله اكبر .. لم يغب عن بال أحد أيضاً في بلاد الرافدين ، حين تتداعى أصوات الاحتراب الطائفي المقيت .
الربيع العربي سيستمر .. ونهاياته لم تبلغ حدودها المرسومة بعد .. وستمر رياحه ببقية الدول العربية تباعا .. وسوف تهتز عروش المتبقين ممن ساقهم غباؤهم للشعور بالأمان .. فنداء الله اكبر ، وساريات الأعلام الجديدة في الطريق ، لا ينقصها سوى الخياطين الذين سينفذون تصاميم بيارق الثورة ..
الكل مهددون ومرسومة لهم دروب النهايات المحزنه ..
وقد قالها المرحوم معمر القذافي يوما ، وهو لا يعلم بأنه سيكون ضحية لمقولته تلك ، (على أمراء الخليج ، أن لا يبيعوا حميرهم ، كونهم سيحتاجون لهذا النسل من خلق الله ، يوم يقدر لهم ان يعيشوا بلا نفط ) .

موعدنا مع ورقة اخرى .. وطابت اوقاتكم .

حامد حمودي عباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف