الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهاب النخب والخوف من الإسلاميين؟

سلامة كيلة

2013 / 1 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في العقود الماضية انتشر الخوف من الإسلاميين الذين أصبحوا قوة حقيقية بعد أن أصبحت تعتبر قوة المعارضة الأساسية للنظم، لكن هذا الخوف تصاعد بعد الثورات في البلدان العربية. ويمكن القول إن حالة رهاب تتحكم في قطاعات «مدنية» من اليسار إلى العلمانيين. وتقود إلى ضبط الصراع كصراع «مدني/ ديني».

ورغم كل «نقاط الضعف» التي ظهرت بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في تونس ومصر (وحتى المغرب) من خلال الانتخاب، لا زال الخوف يسيطر على هؤلاء. على العكس تصاعد إلى حدّ القناعة بأن الإسلاميين يعملون على السيطرة الشاملة، وأنهم سوف يسيطرون لسنوات طويلة. لهذا يشار إلى أن «الربيع العربي» انقلب إلى «خريف إسلامي»، الأمر الذي فرض الميل لتقليل الاهتمام بالحراك الشعبي، وحتى التشكيك فيه. وأيضاً الميل إلى اعتبار أن الصراع «الأساسي» بات مع الإخوان المسلمين، وأن «الحلقة المركزية» (هذا المصطلح الذي عممته الماركسية السوفياتية) تتمثل في مواجهتهم والتأكيد على أن الصراع الآن هو صراع بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية. وأن كل التحالفات يجب أن تنبني على أساس هذا الاصطفاف.

هل من خوف من أن يسيطر الإسلاميون؟ أو أن يتحكموا بالسلطة لعقود؟

ربما كانت تجارب إيران مع سيطرة الخميني ورجال الدين وتحكمهم في السلطة منذ 1979، وسيطرة الإسلاميين على السلطة في السودان واستمرارهم فيها منذ 1989، تؤسس لخوف عميق من تكرار هذه التجارب. طبعاً دون تلمس اختلاف الظروف المحلية والعالمية، وخصوصاً أن وصول هؤلاء إلى السلطة الآن مرتبط بالوضع الذي أوجدته الثورات، والذي بالضرورة سيرتبط بوضع الثورات ذاتها. فالثورات بدأت ولم تنته بعد، ولكي يستقر الوضع يجب تحقيق تغيير اقتصادي يقود إلى حل مشكلات قطاع كبير من الشعب في ما يتعلق بالعمل والأجر والتعليم والصحة والخدمات، وأيضاً الدولة المدنية.

ولهذا نقول إن الإسلاميين هم الآن أمام مأزق حاسم لا حل له، يتمثل في أنهم لا يملكون لا الرؤية ولا المصلحة في ما يسمح بحل كل هذه المشكلات. لأن الحل اقتصادي ويقوم على تجاوز النمط الذي كرسته النظم السابقة كاقتصاد ريعي متحكم به من قبل فئة مافيوية عائلية، بينما يؤكد الإسلاميون الاقتصاد الريعي عبر تكريس النشاط التجاري والخدمي والمالي، ورفض النشاط الصناعي والزراعي. إنهم ليبراليون في زي إسلامي، وهم ليبراليون بالمعنى الذي تكرس في إطار العولمة بالتحديد، أي كمافيا.

هذا الأمر يفرض بالضرورة ألا يستطيعوا امتصاص احتقان الشعب، وسيصبحون هم واجهة الصراع الطبقي.

إذن، لماذا الخوف من تسلط طويل الأمد؟

لماذا يخاف اليسار والعلمانيون من سلطة شمولية مستقرة؟

ربما يظهر واضحاً أن المنظور «الثقافي السياسي» هو الذي يتحكم في تحديد طبيعة الصراع، وانطلاقاً منه ينشأ الخوف (وحتى الرعب) من سيطرة الإسلاميين وسلطتهم. هذا المنظور يلمس واقع القوى ومنطقها ومطامحها ويؤسس رده على أساس ذلك دون تلمس إمكانية ذلك في الواقع. فلا شك في أن الإخوان المسلمين يعدون لسيطرة طويلة على السلطة، ويتوهمون بأن «الوعد الإلهي» قد تحقق بـ «توريثهم الأرض وما عليها»، وأن عليهم إعداد «القوة ورباط الخيل» لكي لا تفلت منهم. وأن منطقهم يدفع لتأسيس «دولة دينية» وسلطة كهنوتية شمولية. وبالتالي إنهم يخططون لفرض سيطرتهم على أجهزة الدولة وتمكين أعضاءهم منها. وأيضاً أنهم باتوا يُظهرون جوهر موقفهم «الفاشي» وإرادتهم في السيطرة وفرض قيمهم على المجتمع. لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل بإمكانهم تحقيق ذلك؟

هذا سؤال ليس في وارد النخب والأحزاب لأنهما تنطلق من أن الإرادة الذاتية هي التي تنتصر بمعزل عما هو موضوعي، وأصلاً هي لا تتلمس ما هو موضوعي وتنطلق من إرادتها الذاتية. لهذا تصبح إرادة الإخوان في السيطرة هي الأساس، ولأنها إرادة شــديدة القوة، وتظهر اعتماداً على الميل العنيف لديهم للســيطرة، يتصاعد الخوف منهم وكأن ما يعملون من أجله سوف يصبح حقيقة مطلقة. الأمر الذي ينتج كل هذا الخوف، ويدفع لتحديد سياسات خاطئة تقوم على التحالف مع كل من هو في تضاد مع الإخوان. ما يجعل هذا التحالف بعيداً عن تناول المشــكلات الواقعية والتمترس خلف صراع دولة دينية/ دولة مدنية. وبالتالي تجاهل كل مشكلات الشعب التي هي في أساس الثورات.

هذه المشكلات التي فرضت الثورات، والتي تحتاج إلى حل، هي ما يجعل مقدرة الإسلاميين على فرض سلطتهم مستحيلة، لأنهم لا يملكون حلاً لها، وبالتالي سوف يفرض استمرار الحراك وانقلاب المواقف الشعبية منهم، ومن ثم عجز السلطة كسلطة على فرض سيطرتها. الأمر الذي يقود إلى ضعفهم وتلاشي مقدرتهم على الســيطرة. الإخوان وصلوا إلى الســـلطة في لحظة ثورية ليس من الممكن توقفها قبل تحقيق تغيير يتضمن حل مشكلات الشعب، وهو الأمر الذي يعني استمرار الثورة بالتحديد. ومن ثم الفشل الذريع لسلطة الإخوان وتلاشي قوتهم.

ولأن المنظور «الثقافي السياسي» هو الذي يحكم النخب والأحزاب نجدهم لا يرون هذا الواقع ولا يرون سوى قوة الإخوان وإرادتهم، لهذا نجدهم يسيرون خارج حركة الواقع، ويؤسسون معارك «في الهواء»، وهي معارك تخدم الإخوان لأنها تنطلق من الأرضية ذاتها التي يؤسسون عليها، أي أرضية الصراع «الثقافي السياسي» وليس من واقع الشعب، ومن الصراع الواقعي في المجتمع.

بالتالي فإن كل نخبة منعزلة تنتج كل هذا الخوف من كل قوة تريد الوصول إلى السلطة لأنها تريد فرض هيمنتها. لهذا جرى الخوف الشديد من «عودة العسكر» في مصر، والآن يجري الخوف الشديد من سلطة الإخوان. وهو ما يجعل النخب تطلق كل هذا الهذيان الذي يُظهر الرعب الذي ينتجه انعزالها. إنها في قوقعة «ثقافية سياسية» ضيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل محير
حسين علوان حسين ( 2013 / 1 / 11 - 19:38 )
أخي الاستاذ الفاضل سلامة كيلة المحترم
حمداً على سلامتكم و كل عام و أنتم بخير
معلوم لكم أن الإخوان المسلمين يمثلون الآن مصالح طبقة إجتماعية أصبحت تملك فوق المال كل مفاتيح السلطة في مصر . و بالسلطة و المال الخليجي و الامريكي سيبقون إلى ما شاء الله ، و بالتالي فإن الرعب من فاشيتهم ليس فقط مبرراً ، بل هو المطلوب بعد ان ركبوا قطار الثورة و أوصلوها إلى حيث لا توجد سكة يسير عليها.
التصور بأن الثورة ستستمر لحل مشكلات الشعب المصري و أن حكم الإخوان لن يستمر لعدم قدرتهم على حل هذه المشكلات يعكس - برايي - فهماً ميكانيكياً لحركة التاريخ و السياسة في كل مكان .
الإخوان وطدوا بالدستور الفاشي حكمهم و هم باقون بقاء حكم أل سعود و حكام قطر و امريكا و إسرائيل ، و الشعب المصري سينام مثل نومة الشعب الإيراني و السوداني، على الإقل لعقد من الزمان .
و هل تحصل الثورات كي تتسنم السلطة طبقة سائدة إقتصادياً بدلاً من طبقة ، أم لكي تحل مشاكل الشعوب ؟
متى إستطاع أي نظام حكم في التاريخ حل مشاكل أي شعب ؟
و اين أستلم الدينجية الحكم ثم تركوه لفشلهم في حل مشكلات الشعب في منطقة االدين فيها أقوى أفيون ساحق على مر العصور ؟


2 - كأنك تطلب من الناس السكوت والتحالف معهم
عتريس المدح ( 2013 / 1 / 12 - 07:25 )
الكاتب المحترم
في أعوام الثمانينات وضمن الصراع بين القوى الدينية والقوى اليسارية في الجامعات، كان تفسيرهم للاية أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، تأويل لموضوع الحكمة والموعظة الحسنة هو النقاش بالسكاكين والعصي والجنازير، مسلكهم هذا لم يتغير لانهم جزء من الفكر الرجعي، في مقالك هذا والذي يشتم منه رائحة التفسير الميكانيكي الذي يراهن على فشل الاسلاميين في تقديم حل لمشكلات المجتمع ، ضلال لا يقود الا الى كارثة للقوى المدنية والعلمانية وللشعوب التواقة الى التخلص من ربقة الظلم والاضطهاد، وكأني بك تطلب المهادنة في انتظار هذا الفشل
أن مسلك الاسلاميين ينبع من استنادهم الى الفكر الديني و بالاساس بضرورة التشبث بالحكم الذي يستمدون شرعيته من الاله لا من الشعب ، لهذا ونتيجة هذا الفهم من الضروري العمل على عدم تمكينهم بل والتدرب على خوض النضال الجماهيري ضدهم لكسر حاجز الخوف والرهبة من فاشيتهم

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran