الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: حتى لا تكون التربية على المواطنة صفقة خاسرة

محمد الحمّار

2013 / 1 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


يبدو أنّ وزارة التربية تزداد ابتعادا عن تطلعات المربين وعن مطالب القواعد الأستاذية على وجه التحديد وعن أجندات نقاباتهم بقدر ما يقترب موعد الإضراب (22 و23 جانفي الجاري). وهو مما يعمّق الفجوة الحاصلة بين الوزارة من جهة وسائر الأطراف المذكورة من جهة أخرى ويعطي سلك التربية والتعليم عموما حجة إضافية تقوّي موقفه من السياسة التربوية المعمول بها.

ففي 21 من الشهر المنقضي تم إبرام اتفاق بين الوزارة وسفارة المملكة المتحدة (ودولتها طبعا بتونس) بمدينة الحمامات. ويقضي الاتفاق بتمويل هذا البلد الصديق لما سمي بـ"حملة المواطنة والتوعية الانتخابية". وقد بدأ بعدُ الشروع في تنفيذ هذا الاتفاق وفي تسيير الحملة بالاعتماد على أساتذة متطوعين.
لكن أول سؤال يتبادر للذهن في هذا المستوى هو: ما دخل المملكة المتحدة (اتحاد انكلترا وجاراتها بما فيها ايرلندا الشمالية) في مواطنة الشباب التونسي؟ وللإجابة، يمكن القول إنه ينبغي أن يكون المرء سكرانا كي يستبشر خيرا من هذا الصنيع، ومعتوهًا كي يقبل به ويطبقه، ومنقرضا ثقافيا وحضاريا كي يترك الآخرين يفكرون ويقررون في مكانه.

ولسائل أن يسأل أيضا هل أنّ الهدف من إبرام هذه الاتفاقية المشبوهة والصفقة الخاسرة أن يصبح البريطانيون تونسيين أم أن يصبح التونسيون بريطانيين، أم أنّ انصهار الجنسيتين أضحى، بدعوى العولمة، استحقاقا من حق أي طرفٍ كان أن يموّله ويشرف على إنجازه، وهل لم يعد يهم أن يبقى التونسي تونسيا والبريطاني بريطانيا.
إنّ سياسة تونس اللغوية بلغت أسوأ مستوى يمكن لبلد أن يصل إليه. بل ليست هنالك سياسة لغوية البتة (ما جعلنا نقترح إنشاء وزارة للشؤون اللغوية). وليست الطريقة المتمثلة اليوم في الاتفاق المذكور أفضل الطرق لكسب ودّ الشباب التونسي حيال ثقافة بريطانيا واللغة الانكليزية ولا لترسيخ ثقافة المواطنة والانتخابات.

وأكبر دليل على ذلك أننا عندما كنا شبانا، توصلنا إلى عشق اللغة الانكليزية، ومن خلالها كل مكونات الثقافة البريطانية بما فيها المواطنة والحس الديمقراطي العميق، لأننا كنا نشعر أنّ ذلك سيثير في يوم من الأيام حبنا للغة العربية ويخلق الحاجة لتزويد هذه اللغة الأم بقوة حداثية تعادل القوة التي تتوفر لدى اللغة الانكليزية.

إنّ عامل الهوية وما يتميز به من رموز ثابتة على رأسها اللغة هو نفسه من المكونات الأساسية للمواطنة في أي مجتمع من المجتمعات. والمواطنة لا يعبّر عنها في المهد إلا بواسطة اللغة المحلية وإلاّ فإنها ليست مواطنة. بينما هذا لا يمنع التعبير عنها باللغة الأجنبية في مرحلة استثمارها بعدئذ (في العلاقات العامة والتلاقح الثقافي والتبادل متعدد التخصصات).

كما أنّ للمواطنة مكونات ثابتة أخرى متصلة بالأهداف الحضارية للمجتمع على غرار الرغبة في نيل المعارف والسيطرة على الطبيعة وتنمية البحث العلمي، و الحرص على تطوير جودة الحياة والرقي الاجتماعي. وهي مكونات لئن مسموح للمجتمع بأن يتعلمها عبر اللغة الأجنبية فإنّ ذلك لا يعفيها من ضرورة أن يحولها المجتمع رسميا من خصوصيات للعقل الذي يبثها عبر لغاته (الغرب المتطور) إلى خصوصيات للعقل المحلي (تونس وسائر العالم غير المتقدم).

و في بلد مثل بلدنا من الذي يقوم بالتحويل غير اللغة المحلية؟ وإلا فسيكتفي مجتمعنا الراغب في الرقي بالنقل عوضا عن التحويل. وسيوهم المجتمع نفسه بالرقي بينما ما أنجزه وبلغه لا يعدو أن يكون تمدنا وتزيينا وتزويقا وربما تلفيقا. وهو ما يحصل الآن كنتيجة لتوقف التعليم في ديارنا عند مرحلة الأخذ والتقبل والاستيراد وما يتوازى معه من صناعة لأدمغة لن يفهمها ويتفاعل معها إلا من أنشأ محتواها أول مرة: الغرب المصدّر للعلم والمعرفة.

والآن ونحن شاهدون على الحالة التعيسة التي تتسم بزراعة اللغة الأجنبية عوضا عن تعليمها وبغرس أشجار الديمقراطية ومشقاتها في أرض تبدو بورا لأنّ مزارعيها لا يعترفون لا بقيمة تربتها ولا بقيمة السماد اللغوي المحلي، و لأنهم لم يرسموا في أذهانهم أنواع المزروعات المرغوب في استخراجها منها، هل ستتمادى النخب السياسية في كبح جماح النخب التربوية، حائلين دونهم ودون فك الحصار عن العقل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح