الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى الدين (4) الهندوكية

داود روفائيل خشبة

2013 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




الهندوكية هى ديانة الهند الأساسية أو الرئيسية، وهى بمعيار عدد من يتبعونها، تـُعَدّ ثالث أكبر ديانة فى عالمنا بعد المسيحية والإسلام. وكما يمكن أن نتوقّع فى شأن ديانة لها ماض يرجع لآلاف السنين وتنتشر على اتساع شبه قارّة فإننا نجد الهندوكية إطارا فضفاضا من المعتقدات والطقوس، وربما لهذا السبب بين أسباب أخرى كانت الهندوكية على مدى تاريخها تتحلـّى بالتسامح والانفتاح وقبول الآخر، وظل هذا حالها إلى أن لوّثتها السياسة، فبعد أن تكوّن مؤخرا فى الهند حزب سياسى على أساس دينى عرفت الهند لوثة التعصّب الدينى. لكن قبل أن نقترب من اللجة المتلاطمة من المعتقدات والطقوس التى تزخر بها الهندوكية، علينا أن نتناول البراهمانية التى هى الأصل والمنبع للهندوكية، والتى ترجع نشأتها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة مضت.
ترانيم الـ "ريج ڤيدا"، وهى أقدم نصوص الهند الدينية، تتضمن الأساطير المتوارثة عن الآلهة وعن نشأة الكون. لكن ذكر العديد من الآلهة فى الـ "ريج ڤيدا" قد يكون مضللا، فالسائد فى الفكر الهندوكى هو المنظور الذى أضفته فلسفة الـ "يوپانيشاد" على التراث، إذ أن نصوص الـ "يوپانيشاد" تقدّم فكرا فلسفيا مذهلا، يرى فى الكون كله حقيقة جوهرية واحدة، حقيقة الـ "أتمان" أو الذات الكليّة. كل ما فى الكون بعد ذلك هو مظاهر زائلة للذات الواحدة. الحقيقة الواحدة النهائية هى "براهما"، لكن براهما ذو طبيعة ثلاثية، لذا يصوّر بشخص ذى ثلاثة وجوه، "براهما" الخالق، و "ڤيشنو" الحافظ، و "شيڤا" المدمّر.
كل الكائنات المحدودة فى الكون إلى زوال. لا يجب أن يتعلق الإنسان بشىء من هذه الكائنات الزائلة، بل عليه أن ينظر ما فيها من ذات الحقيقة، ليكتسب معرفة الإله الحق، فهذا طريق الخلاص من أسر الجسد. كل إنسان بعد أن تفارق روحه هذا الجسد الفانى، تعود روحه فتتجسد فى كائن آخر، قد يكون كائنا أرقى أو أدنى حسب ما اكتسبته الروح فى حياتها السالفة. وعلى الإنسان أن يسعى للخلاص النهائى من ربقة الجسد لكى يسكن أخيرا فى وحدة مع الذات المطلقة.
لكن الأمر لم يقف عند هذه الفلسفة السامقة التى طوّرها الحكماء الذين صاغوا نصوص الـ "يوپانيشاد"، فعلى أيدى الكهنة البراهمانيين نشأ الاعتقاد بأن الخالق بعد أن صنع الكائن الأول "مانو"، صنع من ذلك الكائن الإنسان، لكنه لم يصنع الإنسان جنسًا واحدا، بل جعله أربع طبقات، الطبقة الأعلى طبقة الكهنة البراهمانيين، تليها طبقة الملوك والمحاربين، تأتى بعدها طبقة الصناع الحرفيين، ثم الطبقة الدنيا، ثم بعد ذلك زادوا على تلك الطبقات فئة المنبوذين الذين لا مكان لهم حتى فى الطبقة الرابعة الدنيا.
تعدّدت محاولات الإصلاح بعد ذلك ونشأت عنها طوائف عديدة تتفاوت فى اقترابها وابتعادها من أصولها البراهمانية، وكذلك نشأت معتقدات وطقوس يصعب حصرها، حتى إنه لا يمكن القول بأن فى الهند حاليا – إذا ما تركنا جانبا المنظور البراهمانى الأساسى – معتقدات مشتركة يمكن تحديدها بحيث نستطيع أن نقول: هذه هى الديانة الهندوكية.
لا بد لى من أن أصارح القارئ بأنى غير راض عمّا قدّمته فى هذه اللمحة عن الديانة الهنوكية. النصوص الهندية، نصوص الـ "يوپانيشاد" ونصوص الـ "ڤيدا" والـ "رامانايا" والـ "مهابهاراتا" فيها الكثير من الحكمة والإبداع، وكتب التفسير والتعليق على كل تلك النصوص قديمها وحديثها، جديرة بالدراسة المتعمقة، وأنا أعترف بأن مقالى هذا بعيد عن أن يكون قد قدّم فكرة ملائمة عن كل هذا، إنما كان قصدى منه ضمن هذه السلسلة من المقالات إلى أن ألفت النظر لتعدّد وتنوّع الأديان فى عالم الإنسان. وفى مقالى التالى سأتناول البوذية وبعده سأحاول أن أضع اليهودية والمسيحية والإسلام فى هذا الإطار.
القاهرة، 16 يناير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا