الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكسة الحُديبية

أحمد عفيفى

2013 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" ما شككت منذ أسلمت إلا الساعة "
عمر بن الخطاب – بعد صلح الحديبية

كان قد سألني الأستاذ حامد يوسف في معرض حديث سابق وقال " لماذا يا أحمد؛ لماذا تنبش بالماضي " ، والآن أنا أرد، لأنه بالماضي يا سيدي، يتشكل وعينا، وتنتقل إلينا قيمنا وخبراتنا، فجدي ووالدي كانا رجلين من خيار الناس، بنقائهما وورعهما ووعيهما، ذلك النقاء والورع والوعي الذي يكتسبه وينميه رجال الريف، الذين عاشوا وتربوا وتعودوا على الزراعة والعمل والاستقرار، عكس عصابات المسلمين البدو الذين جاءوا إلي مصر بكل شغفهم للغنيمة والغزو والقتل، تحت راية عقيدة فاسدة، وبزعامة تعليمات لأب روحي أفسد، أفسد الأرواح قبل أن يفسد في الأرض، وجعل من تابعية لصوص ومرتزقة، يتنقلون حيث وجد القمح والذهب والنساء، ولو أنه معلم وأنهم مريدين، لانتقلت رسالته الدموية بالحكمة والموعظة الحسنة، بدلا من السيف والقتل والحرب والرعب والترهيب والغزو والقهر والجزية والخراج وجبر الناس على الإسلام " أسلم تسلم " ، وجبر النساء بكل نطاعة ودناءة وحقارة لم تتواجد حتى في الجاهلية على الرق أو السبي أو النكاح.

وكارثية تلك التعاليم البدوية الدموية، أنها تنتقل في الجينات، لتجعل من مسلمي اليوم، خاصة غلاة السلفيين منهم، نفس المتحجرين الدمويين الذين لا يحبون الحياة ولا يحترمونها، ولا يحترمون المرأة ولا يحبونها، ولا يحبون الإنسانية أو يحترمونها، هم منغلقون كأهل الكهف عند مفاهيمهم البدوية الدموية الشكلية، التي لم ولن تتقدم بهم خطوة واحدة في سلم التطور، وستظل تجعلهم أتباع جهلة لرجل ميت، وجل وجودهم في الحياة أصبح مجرد فقر وجهل وموت مستمر لمجتمعاتهم ولمجتمعات العالم المتحضرة المسالمة، ممن تفترض فيهم الآدمية وتؤويهم عندها، حتى يعودوا سيرتهم الأولى وجهلهم الأول وبدويتهم وهمجيتهم الموروثة جينيا إسلاميا، ونفعيتهم وتناقضهم الموروث عن زعيمهم الروحي الداهية الراحل، تلك النفعية والتناقض اللذان يجعلهم يقاتلون بعضهم البعض في سوريا، ولا يقاتلون اليهود في الجولان.

الحديبية مكان يبعد عن مكة بتسعة أميال، وفيها انتهت – عُمرة الحديبية – التي يذكرها مؤرخي المسلمون بـ - غزوة الحديبية - ، والتي تمت بها توقيع – صلح الحديبية – بين محمد وقبيلته وعشيرته الأقربون – قريش – بعد أن كان قد استيقظ في يوم ليخبر عصابته من المهاجرين والأنصار أنه رأى رؤية في المنام – وليست وحياً – أنه يفتح مكة والتي عندما لم يفتحها بعد ذلك الصلح هرب كعادته أمام رجاله بقوله " أفقلت لكم من عامي هذا! " إي أنني لم أخبركم أنني سوف أفتح مكة ذلك العام الذي خرجوا فيه لفتحها بعد رؤيته المنامية وبالطبع صدقوه كعادتهم ليس لأنه الصادق ولكن لأنهم الأغبياء غير الحريصين على صدق أو شرف وجل حرصهم على غنيمة أو سبيه.

والمذهل في أمر محمد، نبي الإسلام، أنه فعل تماماً فعل قريش الجاهلية عند الخروج لمكة، فدعا إلى عُمره، ومارس نفس شعائر قريش، فساق أمامه البُدُن – البعير المساقة للذبح – وسار أمام رجاله يلبي فيلبون، وهي تظاهرة دينية واضحة الرسالة لقريش – قبيلته بالأول والآخر – رغم كل شعاراته عن الأممية ونبذ القبلية والعشائرية، ذلك النبذ الذي فرّق بين الأخ وأخيه والابن وأبيه، تظاهرة دينية شعائرية بنفس الطقوس تُبلغ قريش انه جاء محترما لمشاعرها وشعائرها وطقوسها، وحينما لم تنطلي تلك المداهنة وذلك التملق على قريش، أعدت العدة لملاقاته على الطريق، وحين علم جَبُن وأرتد إلى عصابته يسألهم الرأي والمشورة وهو من هو، وهو من يوحى إليه، أو هكذا كان يزعم " أشيروا علّى، أترون أن نميل على ذراري – ذرية – هؤلاء الذين أعانوهم، فنصيبهم، فإن قعدوا، قعدوا موتورين محرومين، وإن نجوا تكن عنقا قطعها الله؟ أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ " منطق زعيم عصابة مائة بالمائة، بل وزعيم عصابة موتور وسادي، حين لا يقوى على مواجهة الأقوياء من الرجال، يتجه فورا دون شرف أو وازع من ضمير للتفكير بقتل أبناءهم العزل في بيوتهم ومأمنهم وهم صغار بمفردهم، وإما أن يقتل من يمنعه من أجل أن يعتمر بطقوس وشعائر الجاهلية وإلى أين؟ إلى البيت الحرام!

والمذهل أيضا، أن راحلته بركت قبل مكة في الحديبية وعلى ثنية تشرف على غائط القوم أي على مكان يجاور المكان الذي يأتي له القوم لقضاء حاجتهم، فقال من معه " خلأت القصواء " والقصواء هي راحلته أو ناقته، فقال " ما خلأت لكن حبسها حابس الفيل " نبي الإسلام يقول عن دابته أنه منعها من بلوغ مكة ما منع فيل أبرهة من بلوغها! ثم يُكمل كلامه " أما والله لا يسألوني اليوم – يقصد قريش – خطة فيها تعظيم حرمة الله، إلا أعطيتهم إياها " وفي ذلك عودة أخري لحب القبيلة الأم، وعدم الرغبة في قتالها، تلك الرغبة التي خرجت للنور كفعل فاضح في التاريخ العام، عندما ترك قريش وأهلها طلقاء، وهو من أباد قريظة اليهودية عن بكرة أبيها في يثرب، بعد أن أعانوه بالأدوات والمعدات ليحفر الخندق في وقعة الأحزاب، وضد من، ضد قريش التي حفظ عليها حياتها! وتراجع عن قتال قريش، التي خرج لها بألف وستمائة مُعتمر مدججين بالسلاح والدروع والحديد! والتي وافق على صلحها المخزي الذي ثار له عمر وهو عمر وزيره وأحد العمرين وقال " ما شككت منذ أسلمت إلا الساعة " فقط ليُرضى قريش، وترضى عنه قريش، قبيلته وعشيرته، التي أهانته وكذبته وطردته!

ويأتي سهيل بن عمرو رجل المفاوضات القرشي المحنك ليضع شروطا للصلح تضمن كرامة قريش أمام الأعراب بهدنة مدتها عشر سنوات لا يتعرض فيها احد للآخر لضمان عودة الأمان لطريق الإيلاف التجاري ويوافق محمد
وأن من أحب أن يحالف قريشا من العرب حالفها ومن أحب محالفة محمد حالفه – دون ذكر أو اعتراف أو إشارة لصفته كرسول لله، بل فقط محمد - ويوافق أيضا محمد
وترتفع المطالب المكية تدريجيا برضوخه المستمر، أن من أتى محمداً بغير أذن وليه رده إليهم ويوافق محمد
ثم تتعالى نبرة التشدد أكثر فيقول سهيل: وأنه من أتى قريش من أصحاب محمد لم يردوه إليه ويستمر محمد في الموافقة والرضوخ
ويستمر سهيل في الضغط: ويعود محمد برجاله عن مكة هذا العام ليعودوا في العام المقبل دون سلاح أو حديد إلا سلاح الراكب المسافر العادي، حيث يتركها أهلها لهم ثلاثة أيام، يعتمر بها ثم يتركها مغادراً ويوافق أيضا محمد

وعندما تبدأ كتابة الصلح الرسمي، بدأ محمد يُملي علي بن أبي طالب الكتاب قائلا: " اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم " ، رد سهيل على الفور: " أما الرحمن فما أدري والله ما هو؟ " " اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب "، فيقول محمد لعلي ولا يعترض: " اكتب باسمك اللهم؛ هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو " لكن سهيل يعترض: " لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، لكن اكتب اسمك واسم أبيك " ، فيأمر محمد علي أن يمحو " رسول الله " ويرفض علي، فيمسك محمد الصحيفة ويمحو " رسول الله " ويكتب بخط يده محمد بن عبد الله.

وكان اعتراف محمد لقريش بقواعد التعامل مع البيت المكي الحرام، وبالعُمرة، وبالنسق الديني الجاهلي المتعلق بالكعبة، بلاغا واضح المعاني والمعالم بخطواته التوفيقية الجديدة، والتخلص من يهود يثرب بالقتل أو الاغتيال أو الطرد، فقط لأنهم أصحاب كتاب من ذات المصدر السماوي الذي يأتي منه الكلم القرآني، وكان مفترضاً أن يكونوا مصدقين لما أتى محمد من آي الكتاب القرآني، لكنهم إطلاقا لم يعترفوا له مطلقا بهذه الصلة مع السماء، فتمت إزاحتهم وإزاحة رموزهم الدينية إلي الوراء، لتحل محلها الكعبة المكية محل أورشليم، وعاد محمد إلى تمجيد المعبد الذي قدسه الجاهليون طوال عصورهم الجاهلية، وهي العودة التي صحبت باحترام ذلك البناء المكي المتواضع هندسيا ومعماريا، وإلقائه في رحم تاريخ أقدم يعود به إلى زمن آدم ثم إبراهيم فإسماعيل، ليتحول تماماً مع صلح الحديبية إلى المشاعر العربية القرشية المكية، فيهل بالمناسك الأولى التي هي مناسكهم وأعرافهم التي تواضعوا عليها.

أي بهيمة، لو كانت حضرت الحديبية، كانت بالقطع سوف تشك في صدق الرجل، وفي صدق دعوته، ولن تشك في حبه لقومه وقبيلته ورغبته في الصلح معها والرجوع إليها إياً كانت الشروط والضغوط، وهو الذي خرج لغزوهم بألف وستمائة مقاتل مدرعين، ولم يفعلها في غزوه لباقي القبائل العربية منها قبل اليهودية، وكل كلامه عن أممية الإسلام وعالمية الدعوة وحق المساواة، كان محض تحفيز للمستضعفين والمغامرين والمقامرين، الذين كان يميز بعضهم ويسترق بعضهم، من أجل أن تخرج الدعوة وتكتمل وتستمر في البيت الهاشمي القرشي، ومن مكة بلدته وجلدته وعشيرته، ومكان بيته العتيق المتواضع، والأمر برمته دعوة محلية ضلت طريقها للعالمية كما تفضل وذكر أستاذ هشام حتاته في معرض حديث شخصي له، تلقتها عقول بدوية بدائية تبنت فقه الغزو والجهل منذ محمد بن عبد الله مروراً بـ محمد بن عبد الوهاب وصولا إلي أجهل وأغبى وأحط أمة على وجه الأرض الآن.

المصدر – حروب دولة الرسول – سيد القِمَني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القمح والذهب والنساء
هانى شاكر ( 2013 / 1 / 18 - 09:59 )

القمح والذهب والنساء
______________


ياقوم جئت أبشركم هذا ألمساء
بتنزيل جبريل تواً من ألسماء
من لوح ، خفيّ ، عن ألغرباء
ورسالة تحمل لأعدائكم ألفناء

ألهى - معى - عزيز كريم
وعلى أعدائى رهيب لئيم
يُحِل لى .. كل فِعلٌ زنيم
فزوجنى عرائس ألأبناء

شعارى بسيط .. قاتلٌ فعال :
رزقى فوق رمحى وألنصال
أوزع عليكم حلال .. بلال
ماغتصبتموه .. بغير عناء

أما أليهود .. فهم للوقود
أثخنوا فيهم بغير حدود
أليسوا نتاج وسليلوا ألقرود؟
أما قريش ؟ فهم طلقاء !

وبعد مماتى .. أغزوا ألبلاد
وحولوا سكانها أزله ، عِباد
ليوفوا ألجزية بكل أجتهاد
ولكم القمح والذهب والنساء !

...

من وحى مقالة ألأستاذ أحمد عفيفى

....


2 - بوركت يا هاني :)
أحمد عفيفى ( 2013 / 1 / 18 - 10:18 )
وطمر فيك الوحي :)


3 - محمد لايزال يلاحقنا
على سالم ( 2013 / 1 / 18 - 13:31 )
الاستاذ احمد يبدو وبدون ادنى شك ان هذا المحمد ماهو الا اكبر لعنه ابتلت بها البشريه ,هذا الاجرب المقمل المهووس جنسيا والقاتل لايزال يحدد مصائرنا ويشكل حياتنا


4 - مهارة عالية ووصف دقيق
شاكر شكور ( 2013 / 1 / 18 - 16:37 )
تحياتي لك يا حاج أحمد ، الحقيقة شعرت عندما قرأت هذه المقالة وكأنك كنت تصور أحداث صلح الحديبية بكامرة يابانية وذلك لدقة الوصف الذي تألقت به فعلا ، مقبولة حجتك الثانية بعد حجتك الأولى في مقالتك (حقيقة الخدعة) ويبدوا انك مرشح للدخول الى الجنه الحقيقية التي تخلو من الحوريات


5 - على
أحمد عفيفى ( 2013 / 1 / 18 - 19:14 )
هو فعلا أكثر وأقدم وأشهر اللعنات فعالية
فهو أصل الشر المعروف بالإسلام


6 - حاج شكور
أحمد عفيفى ( 2013 / 1 / 18 - 19:24 )
للحق فهي كاميرا قِمَنيه
الأستاذ سيد القمني يبذل مجهودا غير طبيعي في البحث والجمع والترتيب، وأنا ربما لأنني روائي بالأصل ، أميل إلي لغة الوصف أو الصورة، لذلك ترانا مؤلف ومصور
وحقيقية الخدعة ونكسة الحديبية مجهود قليل لمجهود غزير من تحفة الاصل - حروب دولة الرسول - الكتاب المذهل
وأنا أرجو أن أترشح لنوبل :)


7 - النحر غايتهم
عدلي جندي ( 2013 / 1 / 18 - 22:50 )
من أجل أن تخرج الدعوة وتكتمل وتستمر في البيت الهاشمي القرشي، ومن مكة بلدته وجلدته وعشيرته، ومكان بيته العتيق المتواضع،


ما أشبه اليوم بالبارحة محمد مرسي ومحمد بن عبد الله ... لكل منهم أهله وعشيرتة ومطامع وغايات
التنوير التنوير التنوير ...حضرتك تسرد قراءة للمبدع المطلع الوطني القمني لمن يريد الحياة والمؤمن يطيع كقطيع غايته فقط يوم نحر المخالف أو إنتحار لا يختلف ...شكرا لك مع التحية


8 - عدلي
أحمد عفيفى ( 2013 / 1 / 19 - 07:48 )
انا هنا اقول ما لا لم يقوله استاذنا سيد القمني
او ما كتبه بين السطور بحبر سري
والنور قادم لا محالة


9 - صلح الحديبية
عبد الله اغونان ( 2013 / 1 / 21 - 01:57 )
صلح الحديبية بشروطه التي ظاهرها استسلام ومهادنة لكفار قريش هي في الواقع نصر للاسلام والمسلمين فبعدها كان عام الوفود حيث اسلم في تلك السنة عدد من الفبائل وصار من اشترطت قريش ردهم من المسلمين يمارسون حرب العصابات ضد قوى الشرك القرشية
فأدرك الصحابة ان حكمة رسول الله المؤيدة بالوحي أكثر حكمة من عقولهم
ولم يعد احد يحتج على رسول الله حتى عمر ابن الخطاب الذي واجه النبي وقال
ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال النبي عليه السلام بلى قال عمر فلم نعطي الدنية في ديننا فرد عليه السلام
انه ربي ولن يخيبنى او مافي معناه
يكفي البحث عن عبارة
صلح الحديبية
على النت
وقراءة حيثياتها التاريخية وشروطها التي يظهر أنها تنازلات من طرف النبي ومعرفة نتائجها الايجابية الى أن طلبت قريش نفسها فسخ هذه المعاهدة
راجعوا بانفسكم بعيدا عن هرطقة الاستاذ أحمد ثم احكموا
ستعرفون ان القيادة الحكيمة للفرد القائد احيانا هي أدق وأحكم من المجموع وهذا مايثبته التاريخ قديما وراهنا وهي نفس فكرة أبي بكر عندما ظهر المتنبؤن وهوجمت المدينة من طرف المرتدين فرأى كثير من الصحابة الاعتزال والتحصن بالمدينة لكن أبا بكر


10 - نصر الحديبية تابع
عبد الله اغونان ( 2013 / 1 / 21 - 02:09 )
ان ابابكر اصر على حرب المرتدين مانعي الزكاة الذين لم تكن الزكاة الا مبررا للردة وقد ظهر ذلك في قياداتهم من الكفرة ومدعي النبوة
كان عمر وعلي وعثمان ممن استكانوا الى التقوقع لكن رأي ابابكر كان أكثر صوابا من رأي الجماعة
صلح الحديبية كان نصرا للا سلام والمسلمين أكثر مما فعلته الغزوات
وكان هزيمة لكفار قريش بدلالة طلبهم الغاءه
التاريخ لايعرف العواطف المتطرفة
لان الاسلام والوحي هو من صنع التاريخ منذ القديم والى يومنا هذا
والخلاف الفكري جزء من هذا الصراع
والله عالب على أمره
ولكن أكثر الناس لايعلمون