الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى الدين (6) اليهودية

داود روفائيل خشبة

2013 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تتميّز اليهودية بامتلاكها لتراث مكتوب ترجع أقدم نصوصه لعدّة قرون قبل الميلاد، ولا شك أن تلك النصوص الأولى تدوّن تراثا شفهيا عريقا. ولنا أن نتوقع، وفق ما يمليه العقل وما نعرفه من مسيرة مختلف شعوب الأرض، أن يمتزج فى ذلك التراث بعض ما تعيه الذاكرة القومية من ماضى الأسلاف، ملوّنا بأحلام وطموحات القوم، مختلطا ببعض ما ورثوه من أساطير حول نشأة الكون وبداية الحياة الإنسانية على الأرض. ولولا أن كـُلا من المسيحية والإسلام تبنـّيا ما جاء فى التراث اليهودى وعَدّاه وحيا مقدّسا صادقا، لما وجدنا صعوبة فى أن ننظر لمحتوى التوراة نفس نظرتنا لحكايات هوميروس وهيزيود عن آلهة اليونان وعن أبطال حرب طروادة وأفعالهم الخارقة، أو نفس نظرتنا لما ترويه ملحمتا الـ "مهابهاراتا" والـ "رامايانا" الهنديتان.
كان اليهود على امتداد تاريخهم القديم على اتصال وفى تفاعل نشط بحضارات أشور وبابل والفرس ومصر، كما تشهد بذلك نصوص التوراة، والكثير مما فى التوراة يمكن إرجاعه لأصول تنتسب لتلك الحضارات. والقراءة الواعية للتوراة تبيّن فى وضوح أن الديانة اليهودية لم تكن فى بدايتها توحيدية تؤمن بوجود إله واحد، بل كانت تشترك مع غيرها من الشعوب المحيطة بها فى الاعتقاد بوجود العديد من الآلهة، إنما انفردت اليهودية باعتقادها أن الإله "يهوه" عقد ميثاقا مع أبيهم إبراهيم أن يعبده وحده ولا يعبد إلها غيره، وفى مقابل ذلك أعطاه الإله عهده وميثاقه أن يجعله والدا لأمة عظيمة. كان الإله عند اليهود إلها قوميّا، يبسط حمايته على اليهود وحدهم، وحتى فى وقت متأخر نسبيّا، حين تطلع أشعياء النبى لأن يسود السلام والوئام إسرائيل وبابل ومصر، فإنه كان يرى ذلك لا يتحقق إلا بأن يسود شعبُ الله المختار بقية الشعوب (وهذا هو فحوى النص الذى تزهو به الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية، لكن هذا حديث آخر). وظل ذلك حال العقيدة اليهودية حتى تأثرت بفكرة وحدانية الإله التى تبلورت فى بلاد الفرس وفى مصر وفى الفكر الفلسفى اليونانى.
أهم شخصية محورية فى التراث اليهودى بعد إبراهيم هو موسى الذى يقال أنه أخرج اليهود الذين كانوا مستعبدين فى مصر. وشخصية موسى وتاريخه وحكايته مع فرعون مصر وحكاية خروجه باليهود من مصر، كل ذلك يلفـّه ضباب كثيف، وليس هناك فى أسانيد التاريخ ما يمكن الاستناد إليه لكشف ما فى ذلك من صدق أو زيف، والسند الوحيد هو رواية سفر الخروج فى التوراة، ومرّة أخرى أرانى محتاجا للتوكيد على أنه لولا تبنـّى كلّ من المسيحية والإسلام للرواية التوراتية لما رأينا فيها إلا حكاية، إن يكن فيها جانب من صدق تاريخى، فلا ريب أن فيها الكثير من التزييف المغرض ومن إشباع لحقد مريض.
على مدى قرون تتابعت بين اليهود سلسلة من الأنبياء (وكلمة "نبى" بشكلها هذا كلمة عبرية)، يتملـّك الواحدَ منهم إحساسٌ بأن الإله يحثـّه على أن ينهض فيندّد بما يراه من مثالب بين قومه أو ينبّههم لما يحدق بهم من مخاطر. وجزء كبير من "الكتاب المقدّس" الذى اعتمدته المسيحية يتكوّن من كلام هؤلاء الأنبياء. ومما لا مراء فيه أن نصوص التراث العبرى، ومن بينها أسفار هؤلاء الأنبياء، فيها الكثير من الحكمة، وفيها أدب رفيع، وفيها أحكام أخلاقية جيّدة، ولو استطعنا أن نقرأها قراءة موضوعية دون أن نضفى عليها قدسية لوجدناها جديرة بأن تحتل مكانا مرموقا فى التراث الثقافى الإنسانى.
القاهرة، 19 يناير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا