الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة االيسار في ليبيا

الفيتوري بن يونس

2013 / 1 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



رغم الغياب الكامل في شكل منظم او حتى فردي لما يمكن ان يطلق عليه اليسار في ليبيا الا اننا لانستطيع ان نقول ان هذا اليسار يعيش اسوء فتراته لانه ببساطة كان دائما هكذا لاسباب تاريخية ربما تكون خاصة بالواقع الليبي الذي سننظر اليه منطلقين من نقطة البدء وهو قيام الدولة الليبية مع الايام الاخيرة من عام 1952 لانه و قبل هذا التاريخ لم تكن ثمة دولة ليبية يمكن ان نتكلم عن تدافع سياسي فكري فيها من جهة ومن جهة اخرى فإنه من غير الممكن ان نتحدث عن توجهات فكرية او تنظيمات سياسية في مجتمع امي وليس شبه امي اذ لم يكن يتجاوز عدد الذين يعرفون كتابة اسماءهم في البلاد الالفي شخص وفقا لمقالة عنوانها ليبيا : ولادة امة نشرتها احد الصحف الامريكية صبيحة يوم الاستقلال في 24ديسمبر 1952 وهو عنوان يعبر عن واقع الحال .
ولاسباب غير مفهومة منع الدستور الليبي التعددية السياسية وبالتالي تشكيل الاحزاب ربما تأثرا بما كانت عليه اوضاع الاحزاب السياسية في مصر ذات التأثير المباشر على سير الامور في ليبيا وما كان يدور من صراع بين الوفد والقصر عند وضع الدستور الليبي الذي اعتمد الملكية نظام للحكم في البلاد اوقد يكون واضعي ذلك الدستور قد اخذوا في اعتبارهم طفولة المجتمع السياسية و اميته الفكرية وولاءه القبلي وامكانية تأثير ذلك سلبا على الدولة الوليدة المكونة من اتحاد هش بين ولايات طرابلس وبرقة وفزان او اسباب اخرى .
المهم ان الدستور حظر التنظيمات السياسية قانونيا ولكن هذا الحظر لم يمنع وجودها واقعيا فظهرت في البلاد مختلف التوجهات السياسية ليبرالية ويسارية و دينية كان اشهرها الاخوان المسلمين والقوميين العرب و الماركسيين ولكن اقواها واكثرها تأثيرا كان البعثيون لدرجة انه عند قيام الثورة في الفاتح من سبتمبر عام 1969 اعتقد الكثير من الناس العاديين و المراقبين بل وحتى الساسة العرب وعلى رأسهم الرئيس المصري انذاك جمال عبدالناصر انهم من قام بها ومع قيام هذا الثورة ذات الافكار والمبادئ الاشتراكية كما بدا بل و اعلن لم يتغير الوضع الى الاحسن ، بل انقلبت تلك الرقة التي تعامل بها الملك ادريس السنوسي مع التنظيمات السياسية التي كانت محذورة الى قسوة مفرطة في ظل النظام الجديد للبلاد ، الذي لعب اللعبة بدهاء استخباراتي فريد عندما بدأ ما يسمى بالحوار الثوري بمشاركة كافة القوى السياسية والفكرية بكل قوتها لتنكشف الخديعة وتعرف هذا القوى التي مثلت بهيئة اشخاص في هذا الحوار بعد فوات الاوان انها استدرجت الى فخ الكشف عن نفسها وتجد نفسها في العراء فريسة سهلة لصياد اثبت انه ماهر سواء كان هذا الفخ من صنعه او بنات افكار اخرين ومن المفارقات ان يكون اليسار الذي استبشر خيرا بالثورة او الانقلاب كما يحلو للبعض ان يطلق عليه كان اول الضحايا فنال النصيب الاوفى من قسوته رغم ان الشعارات المرفوعة كانت تتحذ من القضاء على اليمين الرجعي المتعفن منطلقا لها .
ولاننا في عالم متخلف كان من الطبيعي ان يعطل قادة الثورة الجدد الذين سيتناقصون ليصبحوا قائدا واحدا اوحد دستور سلفهم و يصدروا اعلانا دستوريا و لانه كان مجرد اعلان فلم يتناول التنظيمات السياسية اباحة او حذرا ولكنه اضطر لاحقا الى اصدار قانونا اسماه " قانون تجريم الحزبية " تراوحت عقوباته من الاعدام الى السجن .
وجاء اعلان سلطة الشعب سنة 1977 مكرسا للاحادية السياسية وهنا يلعب الحظ السيء لليسار دورا يزيد طينه بلة بصدور الفصل الثاني من الكتاب الاخضر الذي رأى فيه مجتمع امي سياسيا اساسا وبفعل تجفيف منابع ثقافته عامة والسياسية خاصة بالثورة الثقافية التي اعلنها رأس النظام سنة 1973- بمثابة اعلان للشيوعية في ليبيا على غرار كتاب ماو الاحمر ومالعبه اليمين الديني في مجتمع متدين من دعاية مكثفة تصم توجهات البلاد في ظل هذا الكتاب بالشيوعية الملحدة وفي ظل تطبيق سيء لمقولات وافكار كانت سيئة في ذاتها ضاقت ليبيا بما رحبت بأهلها الذين اصبحت الشيوعية خاصة واليسار عامة في قاموسهم علما على الفقر في بلد من اغنى دول العالم او كما كانو يتندرون " اغنى دولة و افقر شعب " .
في ظل هكذا وضع اختلطت الافكار حابلها بنابلها وحاكم النظام احيانا اخلص حوارييه بتهمة الشيوعية رغم تضمن الاسم الرسمي للبلاد للاشتراكية و تسمية ميدان الشهداء بالساحة الخضراء تيمنا بساحة موسكو الحمراء .
كل هذه التراكمات شكلت عقبة كأداء امام اليسار الليبي عندما حاول كغيره من التيارات القيام بدوره في الثورة الليبية التي انطلقت مع السابع عشر من فبراير 2011 اذ ان كاتب هذه السطور حاول تأسيس حزب يساري مع الايام الاولى لها لكن فكرة تأسيس الحزب ذاتها لاقت ترحيبا ولو من باب النكاية بنظام القذافي الذي كان مازل في اوج قوته ولكن ان يكون الحزب يساريا فذلك ماكان محل تحفظ البعض و رفض الاغلبية ليس من باب رفض الافكار اليسارية في حد ذاتها بل من منطلق الصورة التي رسمناها سابقا للفكرة السائدة عن اليسار والتي ستؤدي حتما الى رفض اي مشروع سياسي ذا توجه يساري وهو ما عكسه الواقع بعد سقوط القذافي اذ لم يظهر اي حزب يصنف نفسه علنا في هذه الخانة وان رفع بعضها شعار العدالة الاجتماعية و قد اثبتت الانتخابات التي يمكن وصفها بالتشريعية في منتصف العام 2012 والتي اكتسحها الليبراليون و الاسلاميون قائمة وافرادا اثر فترة حكم القذافي الموصومة ولو تعسفا بالاشتراكية على اليسار الليبي .
وبعد كانت هذه محاولة لمقاربة اسباب ازمة اليسار الليبي التي جعلته يخرج من مولد الثورة بلا حبة حمص بل ويخاف حتى من الاعلان عن نفسه والتي ارجو ان تجعل منه يراجع حساباته ويعيد ترتيب اولوياته من المشاركة في السلطة الى البدء بنشر ثقافته من الصفر ويبدل من تكتيكاته ويطور من ادواته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله