الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهميش المذهب السني في العراق.

مالوم ابو رغيف

2013 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التظاهرات في مدن الغالبية السنية لا تثير الدهشة ولا تشكل حدثا مميزا على صعيد الواقع السياسي في العراق، فمن المعروف ان شيوخ العشائر ورجال دين المؤثرين في هذه المدن لا يدينون بالولاء للحكومات العراقية التي اعقبت اسقاط النظام، ليس لان الحكومة لم تستطع الايفاء بالتزاماتها ولم تحاول خلق هوية وطنية واحدة لجميع العراقيين لتكون بديلا عن الهويات الطائفية والمناطقية المتعددة التي كان صدام قد دشنها بتقسيم العراق الى محافظات سوداء ومحافظات بيضاء بعد الانتفاضة الشعبية ضد نظامه الدكتاتوري، بل لانهم يشعرون ايضا بان الحكومة ليس منهم وينظرون اليها كحكومة طائفية لانها تعمل وفق نهج مذهبي.
هذا الشعور بعدم الانتماء للحكومة ليس غريبا او جديدا على العراقيين، فسكان المدن ذات الاغلبية الشيعية لم يحسوا لا بالانتماء ولا بالارتباط بالحكومات المتعاقبة على العراق، كانوا خاضعين للحكومات ومرغمين على الالتزام بقوانيها، فالقانون لم يكن يمثل ارادة الشعب وان كان تشريعه يعنون دائما باسم الشعب.
وحتى لا نكون مثل النعامات التي تطمر رؤسها بالرمال لتوهم نفسها بانعدام وجود الخطر ونحن على شفا حفرة منه، يجب ان نشير الى حالة الانقسام الطائفي للمجتمع العراقي دينيا وحكوميا، فمطالب المتظاهرين لا تجد لها صدى في مدن الجنوب وتقابل بمظاهرات وفعاليات وتصريحات مضادة. ومحافظات الاغلبية السنية تبدو وكانها قد انفصلت من الدولة الام ولم تعد تخضع لقوانينها.
كما يلمس من ردات فعل المحافظات ذات الاغلبية الشيعية، بان تحقيق مطالب المتظاهرين سيكون على حساب قسم كبير من سكانها ويسبب اهدارا وغبنا لحقوقهم. فشعار لا لتهميش السنة، يشير بشكل مقصود او غير مقصود باتهام مبطن للشيعة، كان على رجال السياسة السنة ان يكونوا اكثر جراة وشجاعة ويشيرون بصراحة الى تهميش السنة كمذهب وعقيدة وليس الى تهميش السنة كطائفة وناس، ففي جميع المحافظات التي يكون السنة فيها الاكثرية، هم من يدير شؤونها الامنية والاقتصادية والادارية والتربوية والدينية ويسيطر على مداخلها ومخارجها، ومثل ما للشيعة لصوصهم الكبار، للسنة ايضا لصوصهم الكبار، ومثل ما للشيعة وزراء ونواب فاشلون، للسنة ايضا وزراء ونواب فاشلون، فعدم النزاهة هوية مشتركة لجميع المتنفذين والمسؤولين الكبار على اختلاف انتمائهم الديني او القومي في دولة ما بعد السقوط. ومع ان الفساد هو آفة العراق الكبيرة في جميع محافظات العراق، الا ان المتظاهرين لم يرفعوا شعارا ضده ولم يطالبوا بمحاسبة ابطاله، افلا يدل ذلك على ان قسم من الفاسدين يقود او يشترك بتنظيم هذه التظاهرات وصياغة هذه الشعارات التي لا تشير اليه بالبنان وتستثنيه من مطالب المتظاهرين؟
كما ان غياب شعارات المطالبة بتحسين الحالة المعيشية وانتقاد انعدام الخدمات وغياب شعارات وهتافات المطالبة بتخفيض رواتب المسؤلين الهائلة يعطي انطباعا بان اهل هذه المحافظات يعيشون افضل حالا من بقية المحافظات كذلك يعطيها صفة المناطقية ان لم نقل الطائفية اذ انها تقتصر على مطالب انتماء فقط.!!
لكن يجب ان نشير الى ان الحديث عن تهميش المذهب السني مقارنة بالمذهب الجعفري او الاثنى عشري لا يخلوا من صحة، فقد اصبح المذهب الجعفري مذهبا للحكومة ان لم نقل مذهبا للدولة، وهذا الامر معروف للجميع، فرايات واعلام وصور الرموز الشيعية منتشرة في كل مكان، معلقة على البنايات الحكومية وملصقة في الساحات العامة وفي الطرق السريعة وفي مداخل ومخارج المدن، كما ان اغلب الشوارع والمستشفيات والمستوصفات والمعاهد والمدارس وغيرها من المرافق الحكومة تسمى باسماء شيعية. كذلك انتشرت الجامعات الدينية الشيعية ومدراس تحفيظ القرآن الشيعية و بنيت الكثير من الحسينيات والمساجد الشيعية، واصبحت المناسبات الدينية الشيعية عطل او شبه عطل رسمية، ففي شهر عاشور تبدو الدولة وجميع مرافقها وكانها قد اصابها الكساح فاقعدها من الحركة، وحتى الاعلام الرسمي لم يخفي مذهبيته ويركز برامجه ونشاطاته لاحياء هذه المناسبات، ان ذلك لا بد وان يخلق انطباعا سلبيا في نفوس الطوائف الاخرى من غير الشيعة، وحتى عند الشيعة ايضا، خاصة عندما تتعطل مصالح الناس بسبب الانقطاعات عن الدوام للمناسبات الدينية على مدار فصول السنة.
ان ذلك يؤدي الى خلق انطباع بان اي اجراء تقدم عليه الحكومة لمكافحة الفساد او القضاء على الارهاب او محاسبة الوزراء والمدراء الفاشلين، هو اجراء طائفي وسوف يوصم بالرصد والعمد المكرس لمحاربة اهل السنة.
واذا قلنا بانتعاش المذهب الجعفري في ظل هذه الحكومة، فعلينا التنويه الى ان الشيعة كناس، لا زال الكثير منهم يعاني ويقاس الامرين مثل ما كانوا يعانون في زمن صدام، فلا توجد مدارس ولا خدمات ولا دواء ولا ماء، اهمال كامل وشامل لمدنهم وقراهم ، حتى ان الزرائب تبدو افضل من بيوتهم، وان ترددت الحكومة في قمع تظاهرات مدن الاغلبية السنية، فانها لا تتورع ابدا عن اتباع اقسى الوسائل لقمع اي مظاهره في مدن الجنوب ولا تترد حتى عن القتل وقد فعلت ذلك مرارا وتكرارا.
لغة الحكومة بشخص رئيس وزرائها نوري المالكي قد تبدلت وتغيرت وتحولت من التصلب والمعاندة الى لغة المداهنة والضعف، لغة لا تبحث عن الحل بقدر ما تبحث عن هدنة تستطيع الكتلة الحاكمة بعدها المناورة وعقد الصفقات السياسة والاغوائية، فالحكومة ممثلة بتجمعها الاكبر، دولة القانون تشعر انها مهددة ايضا بخسارة الكثير من اصوات ناخبيها ان هي لبت جميع شروط المتظاهرين. فقانون 4 ارهاب وقانون المسائلة والعدالة واطلاق سراح جميع المعتقلين، التي قيل انها قوانين شرعت لانصاف ضحايا حزب البعث وضحايا الارهاب الذين لم يحضوا باي رعاية ولا باي هتمام حكومي، ان الغيت فقد الناس الاثنين، الانصاف والانتقام لضاحاياهم. والحقيقة ان عدم انصاف الضحايا واهمالهم يعزز نزعة الانتقام والحقد في دواخلهم، ان المدخل الى المصالحة الاجتماعية، هو الاهتمام بالناس وانصافهم خاصة ضحايا الارهاب وضحايا البعث، لكن الحكومة بعيدة كل البعد عن ذلك.
كما المصالحة الوطنية ستكون وهما من الاوهام التي لن تتحق ابدا في مجتمع مهمل متنازع يحمل بعضه البعض الاخر وزر المآسي والمعاناة، ان الطريق الى المصالحة الوطنية هو الاهتمام بالشعب وليس باحياء الشعائر الطائفية.
كما نجد ان من الضروري تشكيل لجنة من جميع القوى الوطنية والشخصيات المستقلة القانونية والحقوقية وبالاشتراك مع الامم المتحدة والاستعانة بالمنظمات العالمية ذات الخبرة، دون اشراك القوى الدينية او الطائفية لاعادة النظر في مواد الدستور والقوانين وتعديل او اعادة صياغة المواد المختلف عليها والتي تسبب ارباكا للمجتمع والدولة او تكون ثغرات تمر منها الطائفية: يجب ان تغلق جميع ابواب مذهبية الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحم الله على الوردي
كنعان شـــــــــماس ( 2013 / 1 / 22 - 14:16 )
تحية يا استاذ مالوم ابو رغيف على التبصير الامين بهذه العيوب ... يورد الوردي ان في ايران في زمن احد جبابرة التاريخ ( كما يسمية ) نادر شاه الكبير ... كان الوضع الديني امـــر مما هو عليه في العراق اليوم احدهم يشتم ويلعن الاخر من على المنابر ... امر الشاه بجمع روسائهم وطلب ان يكتب كل واحد اسمه وعنوانه ومبلغ المال الذي هو بحاجة اليه ( فقال الربع وما اطمعهم انها ساعة رحمانية ) فضاعف كل واحد المبلغ الذي اراده ... اعطي الشاه الاسماء الى رئيس الشـــرطة وقال له ضاعف المبلغ واستوفيه من كل واحد منهم وخلال اسبوع ومن يتخلف عن التسديد اقطع راســـــه ... فباع اكثرهم كل مايملك لابل حتى كتبه وملابس زوجته لتفادي هذه الطامـــــة وصاروا بعدها اخوة متحابين ... الواقع اكثرهم يعرفون سبب المشكلة لكنها المصلحة الشخصية فاين لنا بمثل نادر شاه الكبير ليقلع رووس الفتنن التي مزقت الدولة العراقيــــة


2 - الهدف
فادي يوسف الجبلي ( 2013 / 1 / 22 - 15:34 )
هذولة عبدة كرسي السلطة الذي فقدوه بعد 80 سنة من الاستحواذ ولا هدف لهم سوى استرجاع المعبود


3 - الاخ كنعان شماس: ماذا لو تحولت الدولة الى جامع؟
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 1 / 22 - 15:43 )
الاخ كنعان شماس
الاخ العزيز كنعان شماس المحترم
المشكلة ليس فقط سيطرة الاسلاميين على السلطة واستخدام الدين كوسيلة لهذه السيطرة، المشكلة هي في ان الناس لا تلمك الشجاعة الكافية لفضح الذين يستغلون الدين لاغراضهم الخاصة.. اهي مشكلة وعي قبل ان تكون مشكلة دين، فالوعي والثقافة تستطيع تشذيب الدين وتهذيبه وجعله متلائما مع التطور كما فعل الغرب، اذ ان الكنيسة لم تعد بيتا لله فقط، انما بيتا للانسان ايضا، فغالبا ما ياتي النساء والرجال كبار السن لحتسوا القهوة مع الفطائر وليمضوا وقتا اجتماعيا ممتعا... لذلك لا تتناقض الكنيسة الغربية مع المجتمع بل تتلائم وتنسجم معه، ولا تلمس روحا عدائية ضد من لا يتلزم بقواعد الايمان، بل نبرة صلح وصداقة.. وانظر الى الجامع تجده عدائيا لا يعرف غير لعن المخالفين وتهديدهم بالنار وغضب الجبار، ويشد حملات عنيفة تشنيعية ضد من لا يلتزم بقوانين التخلف، فما بالك الى تحولت الدولة برمتها الى جامع!! بالطبع سيكون له بوليس آداب وفرق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وستحرم كل شيء جميل كما هو حال العراق اليوم
تحياتي


4 - الاخ فادي يوسف: المصالح المتناقضة
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 1 / 22 - 16:22 )
غاية اي سياسي هي الوصول الى كرسي السلطة ومسك صولجان الحكم، السياسيون ليس فلاسفة ولا حكماء ولا مفكرين، فلا تتوقع منهم ما ليس بقدرتهم، القانون هو الذي يحد من اطماع السياسية ويقلل من جموح طموحه، المشكلة ان من يطبق القانون ليس مطلع على القانون ولا يعرف يائه من بائه
والمشكلة الثانية ليس هناك مصلحة عامة للبلد، فكل المصالح تبدو متناقضة ومتباعدة، كان واجب الحكومة ان تخلق المصلحة العامة التي تجعل الجميع يعمل كل من مكانه من اجلها، لكنها حكومة غبية
تحياتي


5 - شتان ما بين السعي والاستحواذ
فادي يوسف الجبلي ( 2013 / 1 / 22 - 17:40 )
اخي مالوم
هناك فرق شاسع بين السعي للوصول الى سدة الحكم بطرق مشروعة من خلال صناديق الاقتراع
وبين السعي للأستحواذ على السلطة والتفرد بها


6 - الاخ فادي يوسف الجبلي: كلامك صحيح ولكن!!ـ
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 1 / 22 - 18:19 )
الاخ فادي
انا اتفق معك، لكن عندي ملاحظتان
الاولى ان القابض على السلطة بقوة صناديق الاقتراع سيسخر كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية، بما فيها الرشاوى وشراء الضمائر من اجل الاحتفاظ بالسلطة
والثانية ان صناديق الاقتراع تدبو ظالمة وغير حقيقية، فانت تعرف ان مواسم الانتخابات هي مواسم توزيع الصوبات والبطانيات
كذلك في النظم الطائفية وعندما يكون المنتخبون غير واعين، فانهم ينتخبون من يمثل طائفتهم حتى لو كان فاسدا، وهذا يعني ان النسب ستبقى كما هي لا تتغير، وهذا ما يؤدي الى اتباع محاولات ووسائل لتغيير نظام الحكم واسقاط الحكومة بشكل دوري
لا اجد حلا لهذه المعضلة سوى الفدرالية


7 - تحليل دقيق
عصام المالح ( 2013 / 1 / 23 - 15:48 )
تحليلك كان دقيقا للازمة التي نعيشها ما بين المتسلطين من الشيعة والمتسلطين من السنة . العراق يعاني من مشكلتان اساسيتان هما الجهلة من الطائفتين من عامة الناس الذين لهم طاعة عمياء لقادة طائفتهم والاخرى تكمن في سياسي الطائفتين فكل ما يملكونه من سياسة هو ردود افعال لا غير. فلم نرى من اي من السياسين ان يقدم حلول وفق دراسة تحليلية لكل المشاكل المتراكمة كل ما يفعلونه هو انتقاد احد الاطراف للطرف الاخر وتبيان عيوبه من دون تقديم الحلول وكل ذلك يحدث عبر الاعلام. فلا وجود لحوار حقيقي وان وجد فهو مرحلي وسرعان ما تطفو المشاكل على السطح مجددا.


8 - عصام المالح:ـ نقطة هامة
مالوم ابو رغيف ( 2013 / 1 / 23 - 17:52 )
الاخ عصام المالح
شكرا لاظافتك القيمة،، لقد اشرت الى نقطة هامة تمثل جوهر سياسة الاحزاب العراقية الراهنة، وهي سياسة ردود الافعال والميل لايجاد حلول وقتية والخوف من مواجهة المشكلة وتركها تتقادم آملين بان التقادم ربما سيفتت جوهر المشكلة او على الاقل يقلل من تاثيراتها، والحقيقة ان كل المشاكل التي لم يجرؤا السياسيون على مواجهتها او يحاولوا ايجاد الحلول لها تفاقمت وازدادت تعقيدا وضرواة، مثل مشكلة كركوك و المناطق المتنازع عليها وكذلك مشكلة الطوائف الكبيرة المتنافسة حد الاحتراب مثل احزاب السنة والشيعة وتجمعاتها المنتظمة بهيئات او مليشيات او عشائر...ـ
اتحياتي

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran