الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاشية الشمولية الدينية

فريدة النقاش

2013 / 1 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


«ما نراه الآن في مصر هو إعادة للثورة الإيرانية 1979، إذ يسير الإسلاميون في بلادكم علي خطي الإيرانيين من خلال السعي لضمان أن تكون كل القوانين وأشكال التعبير الثقافي مطابقة لتفسيرهم المتشدد للإسلام، مما سيؤدي إلي إنتاج قوانين تضمن أن يكون أي مرشح قادم للرئاسة خارجا من عباءتهم كما حدث في إيران».

هكذا قال الكاتب والمؤرخ البريطاني المتخصص في شئون مصر والشرق الأوسط جون برادلي للزميل «محمد فودة» في جريدة «المصري اليوم» وقال «برادلي» أيضا: «لقد حل الإخوان المسلمون مكان نظام «مبارك»، لكنهم لا يختلفون عنه في القسوة، ولا يخدمون سوي جماعتهم فقط، وهناك خضوعهم الشديد للغرب، كما أن إسرائيل مازالت الحليف الرئيسي».. كذلك«هناك صفقة جري تدبيرها بليل بين المؤسسة العسكرية والإخوان والولايات المتحدة لتحقيق هدف رئيسي، هو تهميش دور الثوار وتعميق مصالح هذه الأطراف مجتمعة».

ومتنبئا قال «برادلي» «ستغرق البلاد في عصر من الشمولية الدينية».

ولعلنا نحن المصريين الغارقين في تفاصيل ما يجري في بلادنا لا نجد من الوقت ولا الطاقة ما يساعدنا علي وضع كل هذه التفاصيل في سياق بينما نجري إلي الهاوية، وها قد جاءنا باحث يراقب ما يجري علي البعد ليجمع لنا كل عناصر الصورة، ويضع أمامنا مرآة نري فيها أنفسنا وأحوالنا.

جادلت صديقتي الإيرانية عالمة الاجتماع التي تعيش في المهجر حين جرت المقارنة بين أوضاعنا وأوضاع إيران وقلت لها جازمة: مصر ليست إيران فالمجتمع المدني في مصر قوي ولدينا طبقة وسطي متعلمة وتراث ديمقراطي قديم فضلا عن التاريخ الأسود لجماعات الإسلام السياسي في القيام بالاغتيالات وإشعال الحرائق.

وردت علي الصديقة بأسي: نحن كنا نقول كلاما مشابها قبل ثلاثين عاما، وكنا نقول أيضا إن المجتمع الإيراني أقوي منهم وسوف يلفظهم بسرعة ولدينا نحن أيضا طبقة وسطي كبيرة ومتعلمة وحديثة وتراث نضالي رائع من أجل الديمقراطية والعدالة وأحزاب ومجتمع مدني.. إلخ وقد سحقت الدولة الدينية كل ذلك وأسست حكم الملالي الذي واصل العيش حتي الآن.. وأول ما ترتب علي حكم الملالي هو الإفقار الثقافي الهائل لبلد كان قد اتسم بالتنوع والتعدد وبعمق الإسهام الثقافي والفكري في إطار الإسلام ومن خارجه.

ورغم الإقرار بمنطقية التوقعات التي يسوقها لنا «برادلي» فلابد أن نضع في الاعتبار أن تجارب الفاشية الكبري التي هزمت في النهاية هي وراءنا، أي أن دروسها بين أيدينا.

وفي هذا السياق علينا أن نسجل أن الأداة الأولية للفاشية هي العنف كوسيلة لتصفية خصومها السياسيين معنويا وجسديا وهو ما لجأت إليه فعلا قوي الإسلام السياسي الحاكم في مصر الآن لا فحسب بقتل مواطنين أمام الاتحادية وإطلاق الرصاص عن قرب علي الزميل الشهيد «الحسيني أبوضيف» وآخرين لم نعرف أسماءهم، وإنما أيضا بالشبهات القوية حول تورطهم في أعمال القنص ضد متظاهري 25 يناير، وشبهات أخري حول تورطهم في حريق القاهرة عام 1952.

أقول مع الإقرار بكل هذا فإن المجتمع المصري ليس مجتمعا ساكنا وكل واقع قائم ظاهريا يبدو وكأنه قائم إلي الأبد وثابت ونهائي لكننا نكتشف في داخله وخلف ثباته الوهمي حركة دائبة ملازمة له تدفعه هو نفسه لتجاوز ذاته في إطار الصراع الممتد علي كل الأصعدة.

وبوسعنا أن نتعرف علي عمق هذه الحركة الخفية في المجتمع المصري في مواجهة الإسلام السياسي في شكل تراجع الأيديولوجيا التلقائية ذات الطابع الديني في أوساط الجماهير العريضة فالجماهير المؤمنة لم تعد تعتبرهم رجال الله خاصة بعد تراكم الانتهاكات الفاضحة للقانون حتي من قبل رئيس الجمهورية.

فضلا عن انغماس سلطتهم في مظاهر الترف والفشخرة دون مراعاة لتردي أحوال البلاد ومعاناة الأغلبية من شظف العيش وارتفاع الأسعار، وحيث تنبئ السياسات الاقتصادية والاجتماعية للسلطة الجديدة بمزيد من الشقاء والحرمان للملايين، بينما يسعي الإسلام السياسي لتغطية هذا كله ولفه في العباءة الشمولية الدينية الضيقة.

ولهذا سوف تجد الفاشية الدينية وهي أقسي وأكثر أنواع الفاشية تعقيدا وتركيبا، سوف تجد نفسها أمام الموجة الثانية من الثورة التي مثلها مثل الموجة الأولي لن ترفع شعارا دينيا واحدا، وقد أصبحت الديمقراطية مطلبا اجتماعيا – اقتصاديا وليست ترفا للنخبة.


وسوف ينكشف علي التوالي زيف الشعارات الدينية التي تاجر بها الإسلام السياسي طويلا بعد أن اختبرتهم الجماهير التي استثمروا فقرها وبؤسها، وسيكون هذا الوضع الجديد – وحتي لو لم تصل الموجة الثانية من الثورة إلي أهدافها – هو الركيزة الأساسية لمقاومة الفاشية ثقافة وسياسة، وسيصبح الصراع ضدها بقصد هزيمتها النهائية كما سبق أن جرت هزيمتها في التجارب الأخري هو جوهر حركة القوي الديمقراطية بكل تنوعها وغناها مهما طال الزمن وتعرج الطريق، ومهما تطلب من تضحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاتخافوا من الاسلام
البغدادي ( 2013 / 1 / 24 - 07:31 )
لماذا تخافون من الاسلام فمن يريد ان يقف امام السرقات ينبغي ان يدعو الي الاسلام لان الاسلام يحرم السرقه ومن يريد ان يقف امام الظلم عليه ان يدعو الي الاسلام لانه يحرم الظلم واما ايران فلم تعرف الحريه الحقيقيه ولا الاستقلال ولا التطور العلمي والصناعي الابعد الثوره الاسلاميه واما في زمن الشاه فقد کانت ايران مستعمره تابعه لامريکا الاسلام هو الذي انقذ ايران من قبضه امريکا ولاينکر هذا الا مکابر يريد ان يستر الشمس بالغربال


2 - هل التاريخ يعيد نفسه بنفس النسخة؟
حميد خنجي ( 2013 / 1 / 24 - 10:42 )
لا اريد ان اقلل من سوداوية الوضع وليس من الاهداف المبيتة للاسلام السياسي/ الاخوان خاصة إلا اني اعتقد ان التاريخ سيعيد نفسه في مصر-مقارنة بايران- بملهاة مضحكة هذه المرة! طبعا هذا راجع لقوة نضالات الشعب المصري واستماتته للدفاع عن التمدن، بجانب أن الأوضاع والظروف الموضوعية العالمية قد تغيرت

اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب