الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي علاقة للديني بحقوق الإنسان؟

جبران أديب

2013 / 1 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديني والحقوقي ثنائية شديدة التعقيد في ظني بل راسخة في الإشكال لاعتبارات متعددة ؛ ذلك أنها قائمة على مفارقات كثيرة من أهمها منطق التسليم ومنطق الشك، والمطلق والنسبي، والمتعالي السابق في العلم الإلهي، والبشري ، بل المتعالي التاريخي الثابت ، والواقع المعاصر المتحول
...
هناك نصوص ظل الوعي الاسلامي العام المتسم غالبا بالمحافظة لاسيما في فترة ماقبل -الحداثة بخصائصها الابستيمولوجية المحددة (وليس ها مجال التوسع فيها) وربما على مدى واسع من التاريخ الحديث والمعاصر يتمثلها على أنها تفضل الماضي الذهبي أو الجوهري على أي مجتمع آخر ممكن، ماعدا الحياة الأخروية طبعا، وستظل -بالتالي -تشكل مفارقة في الوعي الإسلامي بين الامتثال للنسخة "المثالية" للاسلام ومحاولة "تجسيمها" دون جدوى، والاقرار بزمنية / بشرية التعاطي مع النموذج أو الجوهر . ونريد أن نشدد على أن الصورة النموذجية للاسلام هي في الحقيقة ما ارتسم في المخيال لا كما كان حقيقة في التاريخ؛ لأسباب عديدة يطول شرحها ولكن أهمها هي تلك النصوص التمجيدية التي توارثتها الذاكرة فاستقرت فيها كحقائق غير قابلة للمساءلة وهي خاصة أحاديث أو آثار منسوبة للرسول ومنها: "خير القرون (أو خير الناس) قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم "... وما ظهر من "الملل والنحل" و"الفرقة الناجية" نسبة إلى حديث نبوي " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وسبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وثنتين وسبعين في النار ، قيل: يا رسول الله من هم ؟ قال : هم الجماعة (أو ما أنا عليه وأصحابي) "، حتى استقر لدى فئة قد تكون غالبة أنه لا "يصلح للمسلمين أمر آخرهم إلا بما صلح به أمر أولهم" .
...
هكذا ، في وعي الغالبية من المتدينين أو الذين يزعمون أنهم أغلبية (لا في الوعي بالدين) يبدو التاريخ المترسبل بالديني (لا الدين ) عودا على بدء وبحثا عن الصفاء والصلاح المطلقين في نقطة بداية تبدو منغرسة في التاريخ لكنها -في الحقيقة - تعلو على التاريخ. وهذا نقض للتاريخي بل هدم للحياة في منطق العقل والعلم؛ لأن إدارة شؤون الحياة تستدعي التسيير والإجراء والبحث حسب منطق التسيير الذي هو زمني -أي بشري- بالضرورة والماهية؛ فمتطلبات الدولة وسلطانها حسب ماهيتها وطبيعاتها وتوجهات القائمين عليها وميولهم تستدعي التصرف في الأحكام كإبطال بعض الحدود أو التضييق في بعضها أو الأخذ بالأشد منها... ولكنها من المنطق النصي تستدعي التفسير، والتفسير بدوره ينقسم إلى المنحى الظاهري أو المجازي أو حسب أسباب النزول ليبلغ الطرح المقاصدي الأقرب إلى روح التحديث من المنطلق الديني، وهناك التأويل الباطني كما لدى المتصوفة الذي يضمر فيه البحث في الشريعة عند الشاطحين منهم حتى لا تغيب الحقيقة؛ فهل تم التوفيق تاريخيا بين الجانبين؟
...
قد يكون ذاك حصل نسبيا في حدود هيمنة ابستيمي الديني في العصر العربي- الإسلامي الوسيط غير أنه لم يكن إلا لفترات وجيزة؛ لأن ما حصل بالنتيجة هو انتصار المنطق النصي بحكم هيمنة الفقه الحنبلي وانتهائه إلى المنهج الوهابي وتكلس أغلب المذاهب الأخرى أيضا وضمور عامل التجدد فيها وغلقها باب الاجتهاد؛ فالفقه نفسه كمنظومة تشريعية "علم محترق"، ولكن لم تكن لدى الفقهاء الشجاعة للبوح بذلك...
...
من العسير إذن حسب ظني إحياء الفكر الديني ليكون حداثيا إلا بتغيير زاوية النظر والمقاربة والمنهج والانتظارات كما فعل المسيحيون لاسيما تيارات التجديد في اللاهوت منذ كالفن ولوثر ، وصولا إلى التيارات اللاهوتية والفلسفية المعاصرة كما تبلورت لدى بعض المفكرين أمثال رودلف بولتمان أو بول ريكور وسواهما الّذين غيروا أفق التّفكير الحديث في الشّأن الدّيني، أو لاهوت التحرير كما في أمريكا الجنوبية الذي لا نعرف عنه إلا النزر اليسير.
...
أما بعقلية الحياة المعاصرة والسلطة التي تستمد سلطانها من الشعب وحتى تمثل الدين نفسه في أبعاده الحضارية كالتعاون والتآخي والتحابب والتناصح والتآزر والمروءة والنجدة والعلاقة المتخففة من الرعب من الله بل القائمة على الشكر لله ، فالأمر يختلف. نعم إنه من الممكن اتخاذ النصوص الدينية مرجعا أخلاقيا وثقافيا بهدف التأسيس لنظام اجتماعي ثقافي متصل بإرثه الحضاري بل يمكن أن يصل الأمر حتى إلى استلهام أبعاد أو جوانب تشريعية ما من المدونة كلها بما فيها النص القرآني والحديث النبوي كمسائل الزواج والطلاق والعدة المستقرة في تشريعاتنا وهذه بعض تمظهرات الفصل الأول من دستور بلادنا، لكن هذا لا ينبغي أن يعني أننا نغادر حاضرنا لنعود إلى ماضينا.
...
إن للتونسي خصوصيات كثيرة في التعاطي مع الديني قد يراها الإخواني والسلفي زيغا وضلالا ولكن التونسي يتمثلها على أنها أنسنة للديني وربما تأنيس للإلهي، وليس ذلك بمناقض للدين حسب التدين الشعبي؛ فالتونسي معروف بحبه لشيء من اللهو وإن كان ذلك على حساب بعض مظاهر التدين مما يظهر في عبارات متداولة في الاستعمال اليومي: «لا تتدخّل بيني وبين ربّي، هذا أمر يخصّني»، وحتى من التزم بالطقوس فكثير منهم يتبنون شعار «إدِّ الفرض وانقب الأرض » ، بل يصل الأمر إلى حد تثبيت حقائق اجتماعية وعمرانية تتمثل في المجاهرة بوضوح لدى قطاعات واسعة من الشعب التونسي بعدم التزامهم ببعض الشعائر، وهم لا يرون في ذلك زيغا عن الدين. و قد استقر في أذهان كثير من الإسلاميين المؤمنين بالتحديث أن بعض مظاهر التمدن المفرط التي قد تكون منافية للتراث أو متعارضة معه تحتاج إلى بيداغوجيا ومعالجة خاصة بل الكثير من الإسلاميين التقليديين حتى من النهضاويين أنفسهم باتوا بعد عامين من الثورة وعام من حكم النهضة وتوابعها أن التوجيه الإسلامي لا يستطيع –في المدى المنظور- تغيير هذه المظاهر "الجاهلية" كما يعبر عن ذلك الفكر الإخواني ، والحقيقة انه لن يستطيع ذلك البتة وذلك لأسباب عديدة أهمها عوامل حضارية ذات صلة بانخراط تونس في منظومة التحديث منذ قرن ونصف تقريبا وأخرى جيو-سياسية تربط تونس بمحيطها المغاربي المتوسطي أكثر من بعدها العربي أو الإسلامي، وهذا ما سيظل يهدد أي مشروع إسلامي سياسي بالبقاء معلقا بين الفئات المسماة "ملتزمة" دينيا والشعب الذي تغلب عليه علمانية ذات طابع خاص وإن كان قد تبنى بعض المقولات المتفاوتة بين الأفراد والأجيال للإسلام السياسي وذلك خاصة بسبب الإرث السلطاني القابع في اللاوعي الجمعي. ولكن في كل الأحوال دون التزام سياسي وتنظيمي وحزبي بالانخراط الواضح مع الطرف الإسلاموي المسمى "ملتزما " . ونتائج الانتخابات السابقة قد تكون اختبارا عمليا - ربما أجراه الشعب بذكائه الفطري- ليرى هل سيلتزم الاسلام السياسي بالشعارات المدنية التي ادعى أمام التونسيين أنه يقرها ويرتضيها رغم ترسانته الايديولويجية والتشريعية التي لا تمتّ للحياة المعاصرة أو الحداثة إلا بأوهن الخيوط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل الله يامر بحقوق الانسان !! .. نعم
حكيم العارف ( 2013 / 1 / 25 - 02:32 )
فى المسيحيه
-وسيجازى كل واحد بحسب تعبه- ...
ولم يقول ساجعل المؤمنين يجازون الجميع كل واحد بحسب تعبه ...


او بعباره اسلاميه -يعذبهم الله بأيديكم- ..

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran