الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السياسي والخيال

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2013 / 1 / 24
المجتمع المدني



تميز ملكة الحلم الإنسان عن باقي المخلوقات، وهي الميّزة التي تعني الأمل، الأمل في تحقيق الأفضل، أي ما يأمل الحالم في تحقيقه، ما يريد أن يكون عليه. ويمثل الحلم في وعي ولاوعي الإنسان عالمًا رحبًا، يكمل ما ينقصه في الواقع، ويحمله إلى عالم آكثر رحابة. وربما حلم جيلنا في شبابه بما سوف يكون عليه بلده ووطنه وقومه أصبح بمثابة يوتوبيا، أو هذا جعلناه يوتبيًا رغم ملامسته الواقع في عقدي الخمسينات والستينات. والآن تكرر الحلم مع بداية ثورات الربيع العربي التي تحولت إلى كابوس دموي ودماء تروي الرمال العربية.
واليوتوبيا، أو اليوطوبيا، تضرب بجذورها في الفكر الغربي منذ أفلاطون مرورًا يتوماس مور في القرن السادس عشر إلى الكتاب المحدثين الذي عالجوا هذا المفهوم في كتاباتهم وإبداعاتهم الأدبية. وإلى هذا العالم، عالم شمالي بحر الروم، ينتمي صاحب الحلم هذه المرة، إنه الكاتب الإسباني فِليكس كانيادا غيرّيرو، وقد عمل أستاذ هندسة، وهو مفكر ينتمي إلى جيل بنى إسبانيا الحديثة، إسبانيا اليوم، التي لا تمثل خيالا أو يوتوبيا. فهو لا يمثل شططًا ولا خيالاً بحتًا، بل قد يكون أقرب إلى الخيال العلمي، من منطلق درايته بالمعادلات الرياضية والطبيعية المتعلقة بطبيعة مضيق جبل طارق. لهذا فإن هذه اليوتوبيا التي يعالجها ليست هكذا بالمعنى الدقيق لمفهومها الفلسفي، إذ يمكن تحقيق المشروع وجعله جزءًا من الواقع بجهد مالي وسياسي كبير.
والمشروع يقوم على تحقيق حلم لطالما ساور الكثيرين في ربط أوروبا بشمالي إفريقيا من خلال سد أو نفق ضخم يسمح بربط شاطئي المتوسط من خلال شبكة مواصلات قطارات وسيارات وتوليد طاقة كهربائية تكفي أوروبا والعالم العربي كاملين وتفيض للتصدير. وهو مشروع يغطي تكلفته الضخمة في بضع سنوات حسب الأرقام والتوقعات التي يقدمها صاحب المشروع، هذا العالم الإسباني. وفكرة ربط إفريقيا بأوروبا، كما اسلفت، عبر نفق تحت مضيق جبل طارق ليست جديدة، لكن أرقام صاحب المشروع التي كانت ناتج دراسات جيولوجية وهندسية لطبيعة مضيق جبل طارق وسرعة المياه ودرجةحرارتها تجعل المشروع واقيعًا يستحق الدراسة بتأييد من المال العربي المخزن في مصارف أوروبا وأميركا الشمالي.
ومن خلال الأرقام التي يقدمها عالم في الهندسة والجيولوجيا يمكن للقارئ أن يدرك أن هذا المشروع ليس بيوتوبيا أكثر من أنه قريب من الرؤيا، أعني هذا الرؤيا بإلهامها للفعل فيؤدي هذا الأخير إلى تحقيقها. كما سيدرك أيضًا أنه ليس أمام اليوتوبيا بمعناها الفلسفي البحت، أي الأفكار الفلسفية التي لا يمكن تطبيقها في المجتمع نظرًا لبعدها عن أرض الواقع، أو إستحالة تحقيقها. لسنا هنا أمام اليوتوبيا بما تمثله من مدينة فاضلة، بل إننا أمام حلم يلامس الواقع، يمكن تحقيقه.
تؤكد طروحات وأرقام فيلكس كانيادا أن الخيال العلمي لم يعد وسيلة ترفيه وتسلية، بل إنه اليوم من أهم الوسائل التعليمية والعلمية الحديثة. كما يؤكد على شرط أساسي في كتب الخيال العلمي وهي ضرورة تواصل المؤلف مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والمتسارعة، ومع الثقافة العلمية المتخصصة.
ومن منطلق الأرقام والدراسات العلمية على سرعة وحركة المياه في مضيق جبل طارق فإن صاحب المشروع يؤكد أنه لو كتب النور لمشروعه هذا فإن الطاقة المتولدة عنه ستغطي مناطق شاسعة من العالم بحيث تغطي نفقات إنشائه في سنوات قليلة، هذا بالإضافة إلى أنها سيتكون طاقة نظيفة ورخيصة. إلا أن المشروع يحتاج إلى إرادة سياسية وأموالاً طائلة.
ربما الجزء الأكثر يوتوبيًا في المشروع، في وقتنا الحالي، بعد الفصل بين شطري الوطن العربي، الغني في الخليج العربي والفقير في شمال إفريقيا وبلاد الشام، يتمثل في هذا الوضع السياسي العارض. فالكاتب يعرض لتكتلين كبيرين، الأول يشمل أوروبا كلها بما في ذلك روسيا، وهذا شبه واقع اليوم، والثاني يشمل الأقطار العربية. إلا أنه لم يتكلم عن هذه الفرضية، أو هذا الخيال، في الوقت الراهن بل في الثلث الأخير من القرن الحادي والعشرين.
ورغم أن هذا يمثل الجزء اليوتوبي اليوم فقد يصبح واقعًا ملموسًا بعد سنوات ليست بكثيرة عندما تصبح الديمقراطية أساسًا سياسيًا لأنظمة الحكم العربية. ومع الحراك الذي بدأ في بعض الدول العربية قد نرى هذا واقعًا خلال العقد المقبل. مؤلف هذا الكتاب مفكر هاوٍ للكتابة، لا يطمح إلى الشهرة في عالم الكتابة الأدبية وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يخفي تأثير مهنته كمحترف في دنيا هندسة المناجم والجيولوجيا التي عمل فيها باحثًا وأستاذًا ومنفذًا لمشروعات عدة في إسبانيا واليمن وعُمان وإفريقيا وأميركا اللاتينية ودول عربية وأوروبية أخرى.
ورغم أنه عاش مجذوبًا بالعمل باحثًا ومعهديًا في عالمه المهني، ما جعله على اتصال دائم بالمختبر والطبيعة، فقد أبدى إهتمامًا واسعًا بمشكلات أخرى بعيدة عن عالم المناجم والجيولوجيا والكيمياء الجيولوجية.
ومن منطلق عالمه العلمي البحت الذي تعلوه مسحة من الأدب والخيال العلمي مرصعًا بواقعية الأرقام والدراسات يقدم مؤلف هذا الكتاب خلاصة تجربته العلمية في سياق أدبي، خيالي، الأمر الذي يثير فضول القارئ ويذكره بكُتاب الخيال العلمي، وعلى رأسهم جيل فيرن. الأرقام المثبتة من خلال دراسات وتجارب لا تنقص الكتاب ما يجعله قريبًا من الواقعية.
ومؤلف الكتاب عاشق للشرق العربي، يذكرنا بالمثقفين الرومانسيين الأوروبيين الذين صوروا الشرق العربي في لوحاتهم الناطقة بعشق هذه الثقافة رغم محاربة آخرين لها في ذلك السياق التاريخي. وعندما التقيته في مدريد كنت أكثر واقعية منه نظرًا لأنني أعيش عن كثب مشكلات وانكسارات عالمنا العربي منذ سبعينات القرن الماضي، كان يخرج علي برأي له مبرراته متسائلاً: أليس هذا المشروع المكلف ماديًا أكثر فائدة للعرب من بناء أبراج تناطح القمر في الصحراء؟ ما الجدوى التي ستعود عليكم من هذه الأبراج بعد انتهاء النفط؟ هل تعتقدون أن قاطنيها سوف يبقون على الذهاب إليها بعد نفاد هذه الثروة؟!!!
يكمن الجزء اليوتوبي، الخيالي، في هذا الكتاب في فكرة بناء سد لتوليد الطاقة في مضيق جبل طارق ما يؤدي إلى فكرة ربما راودت بعض الساسة والباحثين من ضفتي بحر الروم، ويحملنا إلى ضرب من الخيال في القرن الحادي والعشرين، وأعني هنا مولد اتحادين كبيرين، أحدهما يضم أقطار الوطن العربي والآخر يضم دول أوروبا كافة، وهو أمر لاحق على إحلال السلام في الشرق الأوسط وإيجاد متسع للعبرانيين في الخريطة العربية الجديدة. هذا بالإضافة إلى جعل هذا البحر بحيرة مقصورة على سكان ضفتيه.
والمؤلف رغم تقدمه في العمر يأمل أن تتحقق أفكاره يومًا ما ليعم التعاون والوئام بين ضفتي البحر المتوسط، وليحل السلام بين أبناء السامية، العرب واليهود. هذا إضافة إلى ربط أوروبا بإفريقيا وتوليد طاقة كهربائية تكفي الجانبين وتفيض، ولم ينس أن يحلم بخروج أساطيل الدول الدخيلة على المنطقة من بحر الروم. ورغم أنه حلم فهو حلم مشروع، شرعي، فمن خواص الإنسان الحلم وأمر مشروع، ودونه يبقى الإنسان مزعزع الشخصية والنفسية.
وخيال فيلكس كانيادا يختلف عن خيال الأديب الفرنسي جل فرن الذي تخيل شكل سفن الفضاء والصواريخ ومقاييسها... وتكاد تكون مطابقة لما اكشتفه علماء الفضاء في عصرنا، بينما نجد الإسباني يقيم خياله على معدلات وأرقام هندسية وفيزيائية حقيقية، ليس فيها شيء من الخيال سوى أرقام الأموال التي يجب أن تنفق على هذا المشروع لإنشائه وجعله ينتج طاقة كهربائية. إلا أنه يعلم جيدًا أن مشروعه، مشروع ربط إفريقيا بأوربا عبر جبل طارق، أمر يتطلب قرارًا سياسيًا من دوائر سياسية على ضفتي البحر المتوسط، الأمر الذي يصطدم بأطماع من خارج المنطقة، هذا بالإضافة إلى إستثمارات مالية ضخمة.
وتواصلاً مع حلمه العلمي والإنساني الجميل يبدأ مشروعه بإهدائه "إلى أوروبوليس والعربية مدينتي حلمي" وفي هذا إصرار وتفاؤل، على أن مشروعه سيرى النور عندما تطال الديقمراطية الضفة الجنوبية لبحر الروم ويتنازل أهل الضفة الشمالية عن مطامعهم في الجنوب حتى وإن ركبوا مشروعهم الذي أطلقوا عليه "الربيع العربي"، في محاولة لمواصلة تقسيمهم للشرق العربي وإبقائه على تخلفه بأيدي حكام اللحظة الجدد المتسترين بما وراء الطبيعة.
د. خالد سالم

* نشر هذا المشروع في كتاب في العاصمة الإسبانية تحت عنوان " Gibraltar. Una utopía en el Estrecho "ونشرت ترجمته العربية في القاهرة بعنوان " جبل طارق: حلم في المضيق ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - SKANSKA
Jugurtha ( 2013 / 1 / 24 - 20:39 )
شكرا على المقال الدي يمثل فعلا امل كل سكان شمال افريقيا من عرب وامازيغ اصحاب الارض الا انني اقول وحسب معلوماتي ان المشروع بدأ فيه الانجاز من طرف شركة سويدية مختصة في انجاز المشاريع الضخمة جدا وإسم الشركة هو سكانسكا ومدة المشروع عشرون سنة تحياتي


2 - خبر سار إذا تأكد!!
خالد سالم ( 2013 / 1 / 25 - 08:46 )
لا أدري ما المشروع الذي تنفذه هذه الشركة السويدية، هل هو هذا المشروع الذي نحن بصدده أم آخر. أقول هذا من منطلق أنه ضخامة وتكاليف المشروع لا يمكن لشركة واحدة أن تقوم به، فهذا مشروع شركات كبرى تقف ورائها دول ومنظمات إقليمية، مثل الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. فيلكس كانيادا، ضمن مشروعه الحلم، يحلم بسلام تام وعادل في الشرق الأوسط ونوع من الاتحاد السياسي والإقتصادي بين ضفتي بحر الروم، وإلا لفقد النفق معناه، فدون هذا سيصبح معبر بين الفقر والغنى، يستحيل على فقراء الجنوب عبوره نحو أغنياء الشمال، على غرار القوارب التي تركت آلاف الأرواح في مضيق جبل طارق منذ أن بدأت ظاهرة الهجرة الغير قانونية عبر مضيق جبل طارق.
اشكرك على الخبر وعلى كلماتك.

اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان


.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و




.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان


.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن




.. نزوح من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان