الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستة أشهر من حكم الاخوان المسلمين في مصر

محمد سيد رصاص

2013 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت مفاجئة قدرة جماعة الاخوان المسلمين في مصر أن تحقق في أربعين يوماً،من تولي مرشحها الفائز بمنصب رئاسة الجمهورية في يوم30يونيو2012،مااحتاجه حزب العدالة والتنمية في تركية من تسع سنوات(2002-2011)حتى يصل إلى هدف تحجيم المؤسسة العسكرية،التي حكمت مباشرة أومن وراء ستار منذ وفاة كمال أتاتورك في عام1938،وعندما رأت سلطتها قد انتقلت للحكم المدني في عهد عدنان مندريس(1950-1960)قامت بانقلاب 27أيار1960وأعدمت مندريس،فيمالم يكن هناك تقطع في حكم المؤسسة العسكرية المصرية بدءاً من يوم23يوليو1952.
نصب العسكر المصريون مع "الاعلان الدستوري المكمل" في 17يونيو2012شباكاً تقييدية لسلطات رئيس الجمهورية،مع توقع فوز الدكتور محمد مرسي في الجولة الثانية للانتخابات،ولكنه استطاع ،مع استغلاله لحادثة الهجوم على المركز الحدودي في سيناء،أن يرمي تلك الشباك بعيداً بعد أن ألغى في يوم11أوغسطس2012 "الاعلان الدستوري المكمل" الذي أصدره المجلس العسكري ، وتولى سلطة التشريع التي كانت للمجلس العسكري حتى انتخاب مجلس شعب جديد، وأحال المشير طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكذلك رئيس الأركان الفريق سامي عنان وقادة أفرع الجيش الي التقاعد،منهياً عملياً مابدأ من حكم العسكر المصريين في يوم23يوليو1952،وفاتحاً صفحة جديدة مثل الصفحة التي بدأها عبدالناصر في يوم26أوكتوبر1954 إثر "حادثة المنصة"لماوضع نهاية لمزاحمة (الاخوان) للعسكر على السلطة .
أعطى هذا صورة عن جماعة سياسية،عاشت أربعاً وثمانين عاماً في المعارضة والسجون والمنافي والعمل السري،ولكنها على مايبدو قد استعدت بمايكفي لكي تمارس عملية السلطة في دولة يبلغ عمر جهازها آلاف السنين:كانت اختبارات القوة التي أطلقها الدكتور مرسي في الأيام الأولى، مثل إعادة مجلس الشعب المنحل بقرار قضائي ثم العودة عن القرار استجابة لقرار المحكمة الدستورية العليا،اختباراً لحرارة مياه الخصم أكثر منها تعبيراً عن نقص في الخبرة السلطوية. في سبتمبر تكررت تلك العملية لاختبار الخصم في قرار حاول فيه الرئيس المصري ابعاد النائب العام عن منصبه عن طريق تعيينه سفيراً في الفاتيكان،ثم تراجع أمام ردود الفعل في بلد لم يستطع فيه الرؤساء العسكريون الثلاثة السابقون تجاوز حاجز السلطة القضائية،ولكنه في نوفمبر وبعد يوم واحد من مشاركة القاهرة لواشنطن في رعاية اتفاقية التهدئة في غزة بين حماس وتل أبيب قام ليس فقط بإحالة النائب العام للتقاعد وإنما أعطى لرئيس الجمهورية الحق في تعيين النائب العام الجديد،عبر اعلان دستوري جديد هدف أيضاً إلى تحصين أعمال الجمعية التأسيسية للدستور أمام السلطة القضائية وبالذات المحكمة الدستورية العليا التي كانت تستعد لاصدار قرار متوقع في أوائل ديسمبر ببطلان تشكيل الجمعية الدستورية ومن"ثم أعمالها"،وهو مانجح فيه الرئيس المصري،ليس فقط عبر ذلك الاعلان الدستوري الجديد،وإنما أيضاً عبر ضغط شارعي وصل إلى حدود محاصرة مبنى تلك المحكمة ولكن من دون أن يتبنى الاسلاميون رسمياً ذلك وأيضاً من دون أن يستنكروه،وهو ماأعطى حدوداً واسعة لبراغماتيتهم . كان الاعلان الدستوري الجديد مفاجئاً،وهو يتناقض مع ماأعطاه الرئيس المصري قبل أيام في اجتماعه مع بعض قادة المعارضة من وعود حول أن لاتكون أعمال الجمعية التأسيسية للدستور إلابالتوافق،موحياً بأن العملية الخاصة بتشكيل الدستور ستطول،قبل أن يتفاجئوا بتسريع أعمال الجمعية حتى الوصول خلال أيام من ذلك إلى مشروع للدستور قام الرئيس المصري بإحالته إلى الاستفتاء العام،وهو مالم تستطع المعارضة أن تفعل الشيء الكثير أمامه في الشارع،قبل أن تقوم،بعد تردد بين المقاطعة والمشاركة بلا في الاستفتاء،باختبار فاشل لقوتها في الاستفتاء أمام الرئيس مرسي الذي نجح أيضاً في هذا الاختبار الجديد للقوة أمام المعارضة مثل اختباريه السابقين أمام المؤسستين العسكرية والقضائية.
هذه الاختبارات للقوة مازال الحاكمون الجدد في القاهرة يحاولون تكرار تلمسها في ميادين هي حساسة للرأي العام،مثل الاعلام والفن،وهم يقدمون مؤشرات بأنهم على وشك تطبيق ذلك على مؤسسة الأزهر:يعطي ذلك انطباعاً عن جماعة سياسية تملك شهية كبيرة للسلطة،وهي في حالة من الاستعجال الكبير في ذلك،لدرجة أنه من الواضح أن مااحتاجه عبد الناصر من سنتين،بين 23يوليو1952وحتى أزمة مارس1954لكي يكشف أجنداته السلطوية لماكان مختبئاً وراء محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة،لم يحتج أكثر من ستة أشهر عند جماعة الاخوان المسلمين في عام2012،مع العلم بأنه في حالة مشابهة للحالة المصرية، كمافي في ايران مابعد ثورة1979، لم يكن الخميني مستعجلاً حيث ظل حتى منتصف عام1981قبل أن ينفرد بالسلطة مبعداً على التوالي مشاركوه في الثورة من الليبراليين(مهدي بازركان- كريم سنجابي- ابراهيم يزدي) والاسلاميون المعتدلون(شريعتمداري) ثم يختم هذا المسلسل من التصفيات مع مجاهدي خلق وحليفهم رئيس الجمهورية أبوالحسن بني صدر. هذا الانكشاف السريع للأجندات السلطوية يتجنبه دائماً الحكام الجدد في البلدان المختلفة ،سواء كانت نظمها ديمقراطية أم العكس، كماأن الواصلون الجدد لسدة السلطة يركزون في بداياتهم القلقة وغير المستقرة على المبادىء ويتجنبون دائماً الافراط في اظهار هذا المقدار الكبير من البراغماتية ، كما بان عند جماعة الاخوان المسلمين في القاهرة، في نزوع أظهرته الجماعة لايملكه عتاة البراغماتية من الليبراليين والماركسيين،والتي أتت أفكار مؤسس البراغماتية وليام جيمس كحصيلة جمعية لأفكار جون ستيوارت ميل وكارل ماركس.
كان أحد عواقب هذا الانكشاف السريع للأجندات السلطوية انقسام عميق في الشارع المصري أصبح يواجهه حكم جماعة الاخوان المسلمين في القاهرة:خلال ستة أشهر أصبح حائط الصد الذي أصعد الدكتور مرسي للرئاسة في وجه الفريق أحمد شفيق منفرطاً إلى شقين:الاخوان والسلفيون في وجه أنصار البرادعي- حمدين صباحي- الوفد،هذا من دون ذكر أن القاعدة التصويتية للاخوان في ثلاثة اقتراعات(نيابية-رئاسية- استفتاء الدستور)كانت في منحى نزولي خلال الأشهر الإثني عشر من عام2012إذا أخذنا الحجم العددي للأصوات،ومن دون تسجيل أن التحالف الاخواني- السلفي ليس متيناً بمايكفي كماتشير الكثير من المعطيات.
هذه البراغماتية الاخوانية لم تكن بعيدة عن سلوك الحكام المصريين الجدد في السياسة الخارجية:ارضاء واشنطن،وعدم تجاوز الخطوط الخضر والحمر والصفر المحددة وفقاً لاتفاقيات17سبتمبر 1978في كامب دافيد،ولو مع تسجيل سياسات تجاه حرب غزة2012أبداها الرئيس المصري الجديد كانت متمايزة عن ماأبداه سلفه في حرب2008-2009،وهو أمر على مايبدو لم يقلل من أسهم مرسي عند البيت الأبيض،بل عززها،بدليل الرعاية المشتركة الأميركية- المصرية لاتفاقية التهدئة الأخيرة في غزة.
في المجمل العام،هناك جماعة سياسية أظهرت في اختبارها السلطوي الأول،خلال ثمانية عقود،مدى قدراتها،وطريقة سباحتها في هذا البحر المتلاطم الأمواج:مامعنى ذلك مستقبلياً على الصعيد المصري،إن استقرت الأمور للجماعة أوتلاطمت الأمواج وهبت العواصف،وماآفاق ذلك وتأثيره على صعيد المنطقة التي كانت القاهرة تفتتح مراحلها،سواء في عام1919مع المرحلة الليبرالية الوفدية،أم في 23يوليو1952لماقدمت مصر نموذجاً عسكرياً للسلطة،مع توجهات عروبية،تبعته بغداد ودمشق والجزائر وصنعاء والخرطوم وطرابلس الغرب؟....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تساؤلات
عتريس المدح ( 2013 / 1 / 27 - 16:58 )
السيد الكاتب المحترم ، فهمت من مقالك بأن الاخوان تغلبوا بسرعة على نفوذ العسكر و أزاحوهم بعد أن أجروا تغييرات وتعيينات جديدة في قيادة المؤسسة العسكرية، لكن يا سيدي أرى بأن المؤسسة العسكرية نفسها لعبت دورا رئيسيا في تزوير الانتخابات وفي تأمين وصول مرسي الى الحكم بعد أن أعطى الاخوان المسلمين التطمينات المناسبة لكل من أمريكا واسرائيل ، خصوصا و أن المؤسسة العسكرية لعبت دورا رئيسيا في اجهاض الانتفاضة والالتفاف حولها، ألا يوحي هذا بأن العسكر والاخوان جبهة واحدة مضادة للانتفاضة والثورة

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran