الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكان علي طعمة سنيا!

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2013 / 1 / 28
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


أكتب اليوم عن علي طعمة، صديقي الذي عاش على الذكريات طوال ربع قرن من الفراق القسري بسبب هجرتي (ليس التهجير)، فقد ألتقيته مجددا في فندق المربد بالبصرة في أبريل نيسان 2003 بُعيد سقوط النظام السابق، وكان عرف بوصولي مع فريق قناة أبو ظبي، وزارني ليبقى معي ولم يغادرني أو يفارقني في رحلاتي الثلاث للعراق.

علي طعمة، الفتى المدلل لأسرته الميسورة (آنذاك)، كان أبوه رحمه الله، يحبه الى درجة أنه لم يكن يعترض عليه، عندما حول الفندق الذي كانوا يعتاشون منه، الى وكر لنا، نعقد فيه اجتماعاتنا السرية في مرحلة البناء والتغيير (مرحلية!)، وكان يؤمن لنا كل شيء حتى الكباب ولبن أربيل الشهير من المطعم المجاور للفندق في شارع الكويت.

علي طعمة كان سريع النكتة يحب الحياة ولم يدر في خلده أنه سيصبح عضوا في حزب سياسي معارض، حكم النظام على أعضائه بالإعدام بأثر رجعي، وكان يتستر هو على دعاة أعدم معظمهم، منهم سيد عدنان الموسوي وعبد الأمير البدري وشقيقي عبد الكريم ومحمد رحمن سلطان.

ولإنه كان شجاعا مثل خليل ابو الهوب آخر شقاوات بغداد العظام، فقد هب ذات يوم لنجدتي وخطيبتي الشرعية (يعني عاقدين)، وأنقذنا من الاعتقال، هي المحجبة بحجابين: مانتو وربطة وعباية، وأنا المفرج عنه حديثا من إعتقال البيعة بعفو زائف من صدام بعد إنقلابه على أحمد حسن البكر.

ما أطول عليكم السالفة، فقد أشبع علي أبو الهوب، رجال الأمن بوكسات، ولم يعتقل لأنه لفلف الموضوع بالخاوه. وقد رافقني علي طعمة لبيعة السيد الصدرالأول بعد اعتقاله الأول، وهو لم يكن مقلِدا له في يونيو حزيران 1979، واعتقلت أنا وفلت علي طعمة. هذا الصنديد الشجاع نجح في مراوغة رجال الأمن ومرتزقة الاتحاد الوطني لمنعهم من اعتقالي في الجامعة، وقام بلفت انتباههم له، وهذه المرة شبع بوكسات: هم يضربونه وهو يرد عليهم وصار الدم للركب، فقط لكي أنجح أنا في الإفلات من الاعتقال الأخير الذي لم ينج منه الكثيرون، وكان النظام يسلم جثث من يعتقلهم لذويهم في تلك الفترة بسرعة قياسية، لكن علي طعمة الذي اعتقل بسببي لانقاذي، نجح في الحصول على حريته بعد أيام من التعذيب والسؤال عني، فقد اقتنع الجلاوزة أن حزب الدعوة لا يمكن أن يضم في صفوفه.. سنيّا.

إذاً علي طعمة السني ترك البصرة بعد تخرجه من كلية الهندسة، وأقام في بغداد حيث عمل في بيع علب "البيبسي كولا"، هربا من المساءلات الأمنية الى أن سقط النظام. أراد علي طعمة خدمة العراق الجديد من خلال اختصاصه كمهندس كهرباء، ورشحه مقر حزب الدعوة في البصرة قرب جسر المحافظة، لتولي منصب شرطي بشرط حصوله على تزكية مني، واتصل بي علي طعمة من المقر أمام المسؤول لكنني بدلا من تزكيته، تشاجرت مع المسؤول وخرّبت السالفة. شرطي؟!..

وبعد عناء ووساطات وروح وتعال واتصالات، نجح علي طعمة في الحصول على عمل في وحدة المشاريع التابعة لمحافظة البصرة بجهود مباشرة من صديقي الراحل المحافظ الأسبق محمد مصبح الوائلي، لكن البعثيين المسيطرين حتى الآن على كل شيء في العراق الجديد، تمكنوا من إقالة علي طعمة بتهمة أنه "نزيه" عرقل عمل الوحدة لأنه رفض الرشوة.

علي طعمة الذي لم يكن سنيا كما لم أكن أنا شيعيا، كان يأوي في فندقه قبطيا فارا من مصر السادات، وآوى أيضا اسلاميا من نفس البلاد، وعرفني عليهما فأخذتهما الى صديقي الداعية الشهيد عباس الإمارة ليعملا عنده في شركته للمقاولات، لأنهما غريبان.

ولن أنس أنه عرفني على إيراني فارسي دخل البصرة بطريقة غير شرعية ليذهب الى النجف ويلتقي الزعيم الإيراني آية الله الخميني عندما كان يقود ثورة إيران، وساعدنا لتحقيق هدفه.

علي طعمة اتصلت به صباح الجمعة ليرسل لي مبلغا من المال احتجته لتمرير بعض شؤوني. رد علي بصوت خافت:

- ضغطي منخفض ورأسي يدور بي، ادعو لي أنهض من الفراش وأقترض لك المبلغ وأحوله لك.. وقبل أن أشكره انقطع الاتصال.

لأن علي طعمة مات!

مسمار:

إذا كان لا بد لك أن تموت، أرجوك أن تسأل إذا بالإمكان أن تأخذ معك صديقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال