الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطلة الكوردية المجهولة فاطمة خانم ( قه ره فاطمة)

فؤاد حمه خورشيد

2013 / 1 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


البطلة الكوردية المجهولة فاطمة خانم ( قه ره فاطمة)


لم يكن صلاح الدين البطل الكوردي الوحيد في تاريخ الشرق الأوسط ، الذي تنكر له من دافع عنهم وحماهم وحافظ على وجودهم، بل ان هناك جنود مجهولون كورد كثار من هذا الطراز في مراحل التاريخ المختلفة. هنا سينحصر كلامنا على امرأة كوردية باسلة قل نظيرها في مجال الحرب والقتال وخدمة الآخرين، لاعتقادها ان خدمتهم ستعود بالنفع لبلادها وشعبها .فهذه المرأة الشجاعة كانت النموذج الصارخ للمثل الذي يطلق على الكورد في السياسة وهو( خوش باوه ر) ، أي تصديق أقوال ووعود الآخرين ، بحلوها ومرها ، وكأنها حقائق ومسلمات. هذه ال (خوش باوه ريه) جعلت هذه المرأة الباسلة تعيش حياة الذل والعوز والحرمان هي وشعبها، رغم كل بطولاتها وتفانيها في خدمة الآخرين، ولعل ذلك جرى لمجرد انتمائها للعرق الكوردي .
فاطمة بنت يوسف أغا (1888-1955) ، والملقبة ب (فاته خانم) لدى الكورد و ب (قره فاتمه) لدى الترك لسمرة بشرتها، هي امرأة كوردية من أرضروم ، عرفت بشجاعتها وجرأتها منذ شبابها، إذ ساهمت في عام 1912 برفقة زوجها الضابط العثماني درويش بك في جبهات قتال القوقاز والبلقان . توفي زوجها بعد هدنة مودروس(30 تشرين الأول 1918). ورغم كل الاحداث التي شهدنها المنطقة خلال وبعد مؤتمر السلام في باريس1919-1923) فيما يخص مستقبل تركيا وكوردستان ومناطق نفوذ الحلفاء، فان( قه ره فاطمة) أنظمت ، مع العديد من الزعماء والعشائر الكوردية ، الى صفوف قوات مصطفى كمال باشا(أتاتورك فيما بعد)، وذلك لاعتقادهم( الخاطئ )بان أتاتورك لو انتصر سيحقق لهم حقوقهم القومية ،وانه يمثل الجانب الأقوى في معادلة الصراع في الأنضول ، وخاصة بعد عقده مؤتمرين في كوردستان الشمالية، الأول في أرضروم في 6 أب1919، والذي شكل بداية الحركة الكمالية، والذي حضره 24 ممثلا من 5 ولايات كوردية. أما المؤتمر الثاني فعقد في مدينة سيواس الكوردية في الفترة من 4-11 أيلول من العام ذاته، أي بعد حوالي شهر من المؤتمر الأول، والذي أكد فيه مصطفى أتاتورك أن تركيا المستقبل ستكون دولة للترك والكورد، وبهذه التصريحات الديماكوكية اقتنع الكثير من كورد كوردستان الشمالية ، ومن ضمنهم( قه ره فاطمة )، بضرورة القتال الى جانب قوات المجلس الوطني الكبير الذي أنشأه أتاتورك ، رغم ما كان يجري من مشاورات في مؤتمر السلام في باريس، آنذاك ،من إعداد لإنشاء دولة كوردية وفقا لبنود معاهدة سيفر.
في مؤتمر سيواس طلبت( قره فاطمة) التحدث وجها لوجه مع مصطفى كمال ،وفي ذلك اللقاء طلبت منه السماح لها بالمشاركة القتالية ، وترأسها لمفرزة قتالية مستقلة ضمن قوات المجلس الوطني، وبعد مناقشات واختبارات سمح لها بذلك قائلا:(تمنيت لو ان كل النساء مثلك) . كان مصطفى كمال يدرك، آنذاك ، حاجته الماسة الى قوة الكورد القتالية لمواجهة قوات الحلفاء (البريطانية والفرنسية)واليونانيين الذين كانوا يشكلون الضغط والتحدي الاكبرعلى مناطق الأنضول الغربية، وليس حبا فيهم.
عندما بدأت القوات التركية بالتحرك غربا ، لإخراج اليونان من غرب الأنضول ، كانت قره فاتمه تقود إحدى فصائل المقاومة في تلك المناطق، وكان يقاتل ضمن مفرزتها ، أختها وابنها البالغ من العمر 13 سنة، وبعد ان خاضت عدة معارك ناجحة أسرت في معركة ( أفيون) من قبل القوات اليونانية وبقيت في الأسر 19 يوما، الا إنها استطاعت الفرار من السجن والالتحاق ثانية بقوات المجلس الوطني التركي في الجبهة ، وساهمت باندفاع لا مثيل له في معركة نهر سقاريا الحاسمة التي استمرت 21 يوما ابتداء من 23 أب 1922، والتي اعتبرت من المعارك الحاسمة في تحرير الأنضول اعتقادا منها بان النصر فيها سيعزز تحقيق المطامح القومية الكوردية التي وعد بها مصطفى كمال(والذي اخذ لقب أتاتورك بعد معركة سقاريا) في مؤتمر سيواس، من خلال الحكومة الجديدة التي ستقام بقيادته . وبعد انتهاء المعارك منحت قره فاتمه رتبة ملازم ثاني و كرمت بوسام الاستقلال لبطولاتها وخدماتها القتالية في حرب تحرير الأنضول.لكن المسكينة ، بسبب نواياها الطيبة وجهالتها السياسية ذهبت وتبرعت بكامل راتبها للصليب الأحمر التركي، وهكذا بقيت طوال حياتها بدون مورد مالي او معاشي.
بعد تحرير الأنضول باشر الترك بالتفاوض مع كل من فرنسا وبريطانيا، كل على حدة، وتم توقيع معاهدات ثنائية معها لسحب قواتهما والاعتراف بالحكومة التركية الجديدة بدلا من حكومة السلطان المستسلمة ، وهكذا أعلنت الجمهورية التركية في 29/تشرين الأول/1923، وكانت الدولة السوفيتية قد اعترفت بها مسبقا. ولكن ما ان انتفت حاجة المجلس الوطني التركي الى خدمات الكورد القتالية حتى باشرت الحكومة التركية الجديدة بقيادة أتاتورك باتخاذ اشد الإجراءات القمعية قسوة ضد الشعب الكوردي هناك، بما في ذلك إلغاء هويته القومية واعتبار سكان تركيا بأكملهم من الترك ، وما الشعب الكوردي فيها سوى أتراك الجبال، اعتبرت تركيا الجديدة وطنا للعنصر التركي فقط، خلافا لوعود أتاتورك في مؤتمر سيواس. وكان ذلك من اهم أسباب اندلاع الثورات الكوردية في كوردستان الشمالية كثورة شيخ سعيد عام 1925 ، وثورة ارارات عام 1927 ، وثورة درسيم في 1937، والتي باءت جميعها بالفشل بسبب التآمر الإقليمي والدولي عليها.
تقول المصادر التركية الشحيحة على الانترنيت ، والتي لاتزال تتنكر لأصلها الكوردي، ان القليل يعرف عنها وعن حياتها في السنوات 1923-1944. لكن الواضح ان قره فاطمة، بعد كل تضحياتها ضمن قوات المجلس الوطني الكبير التركي من اجل تركيا الجديدة ،( تركيا الترك والكورد)، أصيبت بالذهول وبخيبة أمل كبيرة بالآمال الخادعة التي وعدهم بها أتاتورك حول المستقبل الزاهر للكورد في تركيا بعد الاستقلال, لذلك قررت الاختفاء عن أنظار العالم, ولعل تلك الصدمة الكبيرة جعلتها لا تعي ولا تبالي بما كان يجري على الساحة التركية من ماسي حيال شعبها وأمتها.
هذه البطلة عثر عليها احد الصحفيين عام 1933 تعيش عيشة تعيسة في غرفة منعزلة في منطقة (كلاته)باسطنبول، وتعتاش على ما بتسوله أبنائها في الشوارع، واتها بسبب العوز والجوع لجأت الى دير تابع للكنيسة الروسية في اسطنبول .وهذه هي المقابلة الصحفية الوحيدة معها، وقد عثر عليها مؤخرا. ويقول الترك ان البرلمان التركي لم يشعر بحالة هذه المرأة صاحبة وسام الاستقلال الا في عام 1954 ر، وتقرر منحها راتبا قدره 170 ليرة اعتبارا من 22 شباط 1954. !!، توفيت هذه الجندية الكوردية المجهولة في 2 تموز 1955، ودفنت في مقبرة الفقراء والمعوزين ، لكن قبرها لم يسلم من الأذى ، لأنه انمحى بسبب مد طريق للسيارات عبر المقبرة مارا فوق قبرها بالذات .
يقول لازاريف في كتابه(المسألة الكوردية1917-1923) مايلي عن هذه البطلة الكوردية: [روى استاخوف قصة امرأة كوردية في ضواحي أنقرة (فاطمة خانم من أقرباء سمكو) قادت مفرزة كوردية ضمت عدة مئات من المقاتلين الكورد ، وكانت ترتدي بزة عسكرية رجالية ، وتميزت بالأساليب الرجالية، وتمتعت بنفوذ كبير بين صفوف الرجال التابعين لها، وكانت مفرزتها المفرزة الكوردية الوحيدة التي حاربت ضد اليونانيين في صفوف جيش المجلس الوطني الكبير.وكتب الفرنسي بول جانتيزون عن مشاركة الكورد النشطة في الحرب الى جانب الكماليين ضد اليونانيين وقال :(انه من الجائز تماما ان يكون الجندي المجهول المرسوم على النصب التذكاري الذي استشهد بالقرب من دملو-بينار (ينتمي الى العرق الكوردي)].
هكذا عاشت وماتت واحدة من بطلات هذا الشعب

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة