الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-- في الذكرى الخامسة عشر لرحيل المربي والرفيق الشيوعي خيري يوسف الحيدر --

فريد جلّو

2013 / 1 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


تساءلت مع نفسي هل سأتمكن في هذه السطور ان اوفي حق ذلك الرجل الخالد عسى ان اقترب ولو قليلا من ذلك , واذا كان لابد من وصفه فإن جلّ الاوصاف تصغر امام اسمه ومع ذلك اخترت له وصفين : الاول النخلة فقد اعطى الكثير للاجيال من الطلبة كما اعطى الكثير لحزبه دون مقابل ومات وهو واقف بشموخ كالنخيل عندما يموت , أأسف لكلمة الموت فالموت هو للبشر الذي يمر في الحياة دون ان يضع بصمته وخيري قد وضع بصمات في هذه الحياة , اما الوصف الثاني فكان المنار نعم كان منارا يهدي الى الطريق الصحيح في احلك الظروف وعند اشتداد الظلام وتلاطم الامواج العاتية .
ولد في مدينة الكحلاء عام 1925 تلك المدينة التي كانت تغفو تحت ظلال نخيلها , من عائلة مندائية بسيطة تشتغل بالصناعات الحرفية , ومنذ نعومة اظفاره تحسس الاضطهاد المركّب , هيمنة الاقطاع والاستعمار فضلا عن الاضطهاد الاجتماعي والعزلة التي كانت تعاني منها الطائفة المندائية في المجتمعات التي تواجدت فيها , دفعه ذلك الى المثابرة في الدراسة حتى تخرج عام 1944 من دار المعلمين الابتدائية في بغداد وظلّ يمارس مهنته في التعليم حتى عام 1979 التي تخللتها فترات من السجن والفصل السياسي واخيرا اضطر الى احالة نفسه على التقاعد بعد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها القوى الديمقراطية التي بدأت عام 1978 , وطبعا تعرض الى مضايقات شديدة هو وعائلته مما اضطر ابنته البكر الى الهجرة القسرية خارج العراق .
صحيح ان الدنيا صغيرة وسأروي حادثة في هذا السياق حيث سمعت بأسم خيري يوسف لاول مرة من ابي عام 1963 اذ كان آنذاك مديرا لمدرسة السراة الابتدائية في كرادة مريم وكان الراحل خيري احد معلمي المدرسة , جاء قطعان الحرس القومي يسألون عنه فأجاب والدي بأنه لم يحضر هذا اليوم بينما كان هو يدرس في احد الصفوف , وبعد رحيلهم ذهب إليه وابلغه بذلك وأخرجه من الباب الخلفي للمدرسة وانقطعت اخباره عن والدي .... تلك احدى محطات نضاله .
انتمى الى الحزب الشيوعي عام 1942 اثناء دراسته في دار المعلمين وما زالت عائلته تحتفظ بأول بطاقة عضوية له مكتوبة بخط الشهيد فهد , كانت انطلاقته الحقيقية عند عودته للتدريس في لواء العمارة كما يسمى آنذاك وبدأ نشاطه في اوساط الطائفة وتوسع بأتجاه الطلبة والكسبة والمثقفين حيث ساهم بخلق قاعدة جماهيرية واسعة هناك , ومن أبرز الشخصيات التي كسبها للحزب هو قريبه الشهيد ستار خضير عضو اللجنة المركزية الذي اغتيل من قبل جلاوزة البعث سنة 1968 , ولم يقتصر تأثيره على ذلك الجيل بل امتد للاجيال اللاحقة التي كان منها الرفيق الشهيد نافع صكَر الحيدر الذي استشهد عام 1984 نتيجة التعذيب في سجون المقبور ...لقد كانت حصيلة السجون والمطاردات والتعذيب امراض عديدة أخذت تنهش في جسده وكان يكابر ولايفصح عن ذلك حتى اقعده المرض واصبح تقريبا حبيس داره لذلك السبب ولكنه لم يستكين واستمر يقرأ كل مايقع تحت يده خصوصا مع الحصار الثقافي الذي فرضه النظام المقبور على المجتمع وحوّل داره الى مايشبه المنتدى يجتمع عنده الكثير من كبار السن في منطقة سكنه ليفتح معهم في كل امسية موضوعا اجتماعيا اوسياسيا او ثقافيا للحوار , وسنحت لي الفرصة ان احضر احدى تلك اللقاءات فوجدت انه يتعامل معهم بروح المعلم وقدرة رائعة على ايصال الفكرة مع التبسط معهم حتى انهم بكوه بمرارة بعد وفاته , وكنت كلما ازوره يسألني بلهفة عن الحزب وعن اخباره متصورا ان لدي اتصال آنذاك , وفي الحقيقة لم اصارحه بأن الاتصال مقطوعا او بالحقيقة متقطعا بين فترات متباعدة وانقل له ما اسمع من اخبار سواءا من اذاعة الحزب في كردستان او من المحيط الذي اتعامل معه او الاتصالات المتباعدة المتقطعة مع الحزب , ولم يغب عني وجهه الذي يستبشر وتفاؤله اللامحدود بمستقبل افضل ولم تنقطع زياراتي له حتى رحيله عام 1998 .
لقد نقلت لي ابنته ايمان ان لديه مقولة وهو يقينا صادقا فيها اذ يقول : اني لم ولن انحني الا لأشم رائحة وردة .
وأخيرا مصداقيتي لم تكتمل بصدد هذا الرجل الا اذا ذكرت دور زوجته ام حازم التي كانت نعم الزوجة ونعم الرفيقة التي تزوجته وهي في عمر السابعة عشر وكانت السند القوي له في كل الظروف الصعبة التي مر بها , تحملت معه وبدونه مشقة المضايقات والمطاردات من الاجهزة الامنية كما ربت ابنائه افضل تربية وكانت تتبعه الى السجون والمعتقلات اينما يكون , راعت حتى والدته وكانت عائلتهم متكافلة في دعمهم في محنهم ماديا ومعنويا ...
واخيرا وليس آخرا نفذت وصيته التي هي ارتداؤها لثوب احمر عند سقوط النظام المقبور وزيارة قبره بذلك الثوب كما كانت من اول من زارت مقر الاندلس بعد افتتاحه , ذهبنا معا واصطحبنا زوجتي واولادي , دخلنا المقر وكان آنذاك يقوم رفاقنا بترتيب الاثاث وعلت زغاريدها بهذه المناسبة اذ كانت هي الاخرى وصية ذلك النجم الساطع خيري يوسف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على هذا التوثيق الجميل -يستاهل طيب الذكر خيري
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 1 / 30 - 07:19 )
شكرا للاستاذ الكاتب هذه المبادرة الطيبة بما تتضمنه من توثيق لمناضلي شعب العراق الجميل والذكي
لقد تشرفت بالتعرف على الفقيد حوالي عام 1946 حيث سافرت الى مسيعيده-الكحلاء الان بمعية المرحوم شاكر وهو الابن الاوسط للمرحوم يوسف مظلوم الحيدر وقد كان شاكر صديقي الاقرب ويليه الابن الاصغر المرحوم عبود الذي توفي مبكرا جدا وكان مضمدا في مستشفى العمارة وراعيا للفقراء من اهلها-عيال الحزب الشيوعي العراقي -وليس الله وحده
تعجز الكلمات عن وصف هذا النموذج الفذ-المناضل خيري-وحينما نقارن مع بشر هذه الايام يصاب الواحد منا بالإحباط-من اين كان خيري يغترف هذا الكم الهائل من الطيبه والانسانية والغيرية-رحم الله امه فقد سمته وكاءنها تعلم الخيرية التي ستكون من اجمل صفاته
لقد اضاع الكاتب المحترم -دون ان يدري-على القارئ فرصة التعرف على جميع افراد هذه العائلة الكريمة ال الحيدر او على الاقل على افراد هذا الغصن الذي يعتليه المرحوم يوسف مظلوم الحيدر لقد كنت كثير السفر الى مسيعيدة والاقامة ببيت ال يوسف وفيها كان يسكن الجميع بدء من العم الراحل استاذ منعم المربي والفنان التشكيلي الذي كان فصل من وظيفته لنضاله تحياتي لال

اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي