الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2013 / 1 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما يكون من العبث أن نحاول إلقاء الضوء على فكر الفيلسوف الألماني الراحل لودفيج هيجل في هذه الأسطر البسيطة، ناهيك عن سرد ملاحظات على هذا الفكر. لذا، اخترت العنوان الذي يشير بالفعل إن أن ما سيرد هو مجرد ملاحظات خاطفة على هذا الفكر الذي استطاع بحق أن ينشئ بنيانا فلسفيا متكامل الأركان، مثل في جزء منه حجر أساس متين لكل الفكر الجدلي الذي تلاه بما فيه الفكر الماركسي، رغم الانتقادات الحادة التي وجهها الماركسيون إلى جدل هيجل.
وفي هذه العجالة السريعة سيكون التركيز على ثلاثة محاور من فكر هيجل، وهذه المحاور هي: ما إذا كان جدل هيجل مثاليا أم ماديا، إلى جانب رؤيته للحرية، وما إذا كان فكر هيجل يدعم مبدأ الثورة من عدمه. ونعود فنؤكد أن ما يلي هو مجرد مرور سريع على فكر هيجل في هذه النقاط الثلاثة، بما يزيد عن مستوى الخواطر، ولكنه لا يصلح إلى مستوى الدراسة الفاحصة المتأنية.

هيجل والجدل حول جدله!
يعرف جدل هيجل بأنه مثالي، إلا أن هناك أصوات تؤكد أن هذا الجدل هو مادي بامتياز، وتستند هذه الأصوات إلى أدلة من صفوف الماركسيين أنفسهم، ومن بينها بعض كتابات الزعيم السوفيتي الراحل فلاديمير لينين التي أشار فيها إلى مادية فكر هيجل، ومن بينها قوله: "يبدو هذا ماديا للغاية"، وذلك في إشارة إلى ما قاله هيجل من أن الأشياء عليها أن تبدو في الواقع أولا قبل أن تبدو في التاريخ.
كما أن تأكيد هيجل أن الوجود هو نقطة الانطلاق الأولى للجدل باعتباره المصدر الأساسي للأفكار تحفز من يؤيدون المزاعم القائلة بأن جدل هيجل هو جدل مادي بامتياز. ومن بين هؤلاء مجاهد عبد المنعم مجاهد، والذي انتقد في "كتابه هيجل: قلعة الحرية" (مكتبة دار الكلمة — 2008) ما ذهب إليه فريدريك آنجلز من أن جدل هيجل مثالي ويقف على رأسه، مشيرا إلى أن الجدل مادي ويقف على قدميه.
إلا أن ببعض التدقيق في الجدل الهيجلي يمكن القول إن هذا الجدل له نقطتا انطلاق؛ النقطة الأولى هي الوجود، وبالتالي يطلق عليه مادي، أما النقطة الثانية فهي الأفكار، لذلك من الممكن أن يقال عنه إنه مثالي؛ أي من الممكن وصفه بأنه مادي ومثالي في آن. إذن، في تقديري الشخصي، يمكن القول إن الوصف الأفضل للجدل الهيجلي هو أنه "مادي تصوري". كيف ذلك؟!
عندما يقول هيجل إن الوجود هو النقطة الأساسية التي ينطلق منها الفكر، فهذا دليل على أن جدله مادي، ولكن عندما يقول إن التطور يحدث انطلاقا من تطور الأفكار فإن هذا يعني أن الجدل فكري تصوري، وبالتالي فهو يقع في منزلة بين المنزلتين؛ أي ليس ماديا بامتياز ولا مثاليا للنهاية، فهو "مادي تصوري".

هل هيجل معارض للثورة؟!
يرى هيجل أن الثورة الفرنسية كانت ثورة ضد الطغيان وأيدها في البداية بحماس، إلا أنه عاد وعارضها بشكل كبير عندما طالبت بالديمقراطية لأنه يرى أن الديمقراطية ليست هي الطريق الأساسية التي يتعين على البشر أن يسلكوها بالنظر إلى أن الحكم الناجم عنها سيكون حكما ناجما عن الرغبة التلقائية في السعي نحو الحرية، وهو ما يتنافى مع ما يريده هيجل للإنسان من تحكيم للعقل لا بالحس التلقائي. كيف ذلك؟!
يقول ماركيوز إن هيجل جعل "مهمة تحطيم قبضة الحس العام المشترك مهمة خاصة يضطلع بها المنطق الجدلي". وبالعودة إلى فكر هيجل نفسه، فقد كان يرى في الثورة الفرنسية معجزة لأنها هدمت البناء القديم، ولكنه كان يرى أنها تعجز عن بناء منظومة جديدة، لأنها استندت إلى الإرادة العامة للشعب الفرنسي بما يشمل إرادة الغوغاء مما قاد إلى الإرهاب والفوضى. كذلك فقد كان "هيجل دائم الإصرار على أن الدولة الحديثة تتصف بدرجة عالية من التعقيد وتعدد الأجهزة والوظائف بحيث لم تعد الديمقراطية المباشرة تصلح في ظلها. فالاعتقاد في إمكانية مشاركة الأفراد المنعزلين مشاركة مباشرة في تسيير شئون الدولة كما كان يحدث في دولة المدينة اليونانية يعد سذاجة سياسية ووهما ديماجوجيا". وذلك وفق ما ذهب إليه أشرف منصور في مقاله "قراءة جديدة لفلسفة هيجل في الدولة".
إذن، هيجل لا يعارض الثورة كفكرة، ولكنه يرى أن الديمقراطية هي الخطر الحقيقي على الدولة، ويرى أن التعقيد الذي تتصف به أجهزة الدولة الحقة يدفع نحو وجود مؤسسات وسيطة مثل النقابات أو الطبقات من أجل تسيير مصالح المواطنين الذين لا يجب أن يمارسوا الفعل السياسي بأنفسهم، لأن ممارسة الأفراد الفعل السياسي بشكل مباشر قد تدفع بالبلاد نحو الغوغائية، مثلما حدث في الثورة الفرنسية. الحل في رأيه أن الثورة تقوم لتسقط الظلم، وبعد ذلك يتم تطبيق مفهوم الدولة الحقة ذات الأجهزة المعقدة.

الحرية... ما الحرية؟!
كموقف مبدئي، يرفض هيجل فكرة الحرية المطلقة، ويرى أن الدولة كيان وجد من أجل الحد من حرية الإنسان بما يحقق حرية المجتمع. إذن، في رأيه الحرية هي حرية الكل لا حرية الفرد فحسب. ويرى أن حرية الفرد بالمعنى المطلق تنطوي على حرية غير مسئولة لأنها تتضمن حرية الغريزة والدوافع البهيمية، بينما الحرية المرشدة أو تلك التي تم التوصل إليها كـ"قرار" إنساني هي الحرية المسئولة لأنها حرية الفكر، وهذا الفكر يقود الإنسان إلى التخلي عن جزء من حريته في سبيل تحقيق — كما سبق أن قلنا — حرية المجموع.
تتناقض هذه النظرة مع النظرة الليبرالية التي ترى أن الإنسان حر بالمعنى المطلق. وهذا التناقض يعيدنا إلى النقطة السابقة المتعلقة بالثورة. فهذا التناقض يطال أيضا مفهوم الثورة بين هيجل والليبراليين، لأن المفهوم الليبرالي للثورة يعني الإطاحة بالطغيان، والانطلاق نحو حكم الإرادات الفردية، وهو الحكم الذي يأتي من خلال الاحتكام للشعب وأغلبيته بحيث تصبح الإرادة الجماعية عبارة عن مجموع الإرادات الفردية.
هذا ما يرفضه هيجل، وقد أوضحنا في النقطة السابقة البديل الذي يقدمه هيجل وهو الدولة العتيدة بمؤسساتها، وهي الدولة التي يستقي مفكرنا الكبير نموذجها من الدولة البروسية، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامه بالرغبة في تكريس الديكتاتورية والطغيان. فكيف تستقيم، إذن، دعوته للحرية مع تحبيذه للنموذج الديكتاتوري؟!
في الواقع سيكون من الظلم أن نقول إن هيجل يحبذ النموذج الديكتاتوري، ولكن كل ما في الأمر أنه يحبذ الإطار العام على المستوى التصوري المفهومي، لا على المستوى التطبيقي. هو يريد دولة ذات مؤسسات تستطيع أن تكفل الممارسة السياسية بما ينقيها من الممارسات الغوغائية التي لوثت الثورة الفرنسية من وجهة نظره. ولكنه لا يرغب في أن تكون دولة ديكتاتورية تقيد الحرية الفرد. وبهذا يمكن التوفيق بين دعوته للحرية وبين رغبته في تقييد هذه الحرية، فهو يريد تقييد هذه الحرية انطلاقا من سعيه نحو الممارسة المثالية الخالية من الدوافع الدنيئة بما يليق بالمفهوم المثالي للإنسان.
إن نظرة هيجل للإنسان تريد منه أن يكون الكائن المثالي، وهو لن يكون هكذا إلا إذا تحرر من الدوافع الدونية، وهذا التحرر يأتي من خلال القيود التي يضعها الإنسان على نوازعه بحيث يتحرك نحو الخير بدافع من التفكير (الشيء الأكثر مثالية ونقاء عند هيجل) لا بدافع غريزي بهيمي يربأ هيجل بالإنسان عنه.

إذن، هيجل كان منطقه مثاليا وماديا في آن، ولم يسع إلى تقييد حرية الإنسان ولكنه وضع قواعد تنظم ممارسة الحرية الإنسانية بما يضمن الكمال الإنساني، وهو الأمر الذي دفعه إلى معارضة الممارسات التي أسفرت عنها الثورة الفرنسية والتي تمثلت من وجهة نظره في الإرهاب والفوضى، ولكنه أيد فكرة الثورة في حد ذاتها باعتبارها وسيلة للإطاحة بالطغيان والنظم الديكتاتورية.
وكلمة أخيرة، هذه ليست دراسة تحليلية فهذا لن يكون في ما لا يزيد 1300 كلمة، ولكنها — كما قلنا في البداية — نظرة تتجاوز مستوى الخواطر، ولكنها لا ترقى لمستوى الدراسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم